في خمسينيات وستينيات القرن الماضي تم تأسيس فرع جماعة الإخوان المسلمين في الكويت على غرار نموذج الجماعة الأم في مصر، حيث أمضى فرع الجماعة معظم العقود القليلة الأولى من نشأته في التركيز بشكل أساسي على الأنشطة الخيرية والتعليمية والاجتماعية، عبر جمعية الإرشاد الإسلامي (جمعية الإصلاح الاجتماعي حاليًّا)، حتى جاءت حرب تحرير الكويت، حيث انتهز الإخوان التقارب بينهم وبين النظام الحاكم، ليقوموا بتأسيس الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) عام 1991، التي مثَّلت الجناح السياسي للإخوان في الكويت وشاركت في استحقاقات انتخابية وبات لها ممثلون في مجلس الأمة (البرلمان).
وأدت موجة الاضطرابات التى اجتاحت العديد من الدول العربية عام 2011 وأدت إلى إسقاط بعض الأنظمة الحاكمة فيما عُرف إعلاميًّا بـ”الربيع العربي”، إلى تصاعد تطلُّعات الحركة الدستورية الإسلامية، حيث رحبت بتلك التغييرات واعتبرتْها تحوُّلًا نحو الديمقراطية، وزاد حماسها ودعمها مع وصول الإخوان إلى الحكم في مصر وتونس. وعلى صعيد الداخل الكويتي طرأ تحوُّلٌ لافتٌ في سياسة الحركة جسَّدته زيادة حجم تطلعاتها لمسألة الحكومة الكويتية المنتخبة ودعواتها، لتمكين الشعب من اختيار رئيس الحكومة وفق صيغة لا تتعارض مع مصالح الأسرة الحاكمة واستقرارها.
محفظة مالية للتنظيم الدولي.. واستمرار الاندماج في الحياة السياسية هدف استراتيجي
وفي العام التالي، مارست الحركة دورًا جديدًا عليها وهو معارضة السلطة خارج البرلمان، وذلك على أثر حكم المحكمة الدستورية ببطلان البرلمان المنتخب في فبراير 2012 ذي الأغلبية المعارضة، فضلًا عن صدور مرسوم أميري يقضي بإدخال تغييرات في النظام الانتخابي، وهو ما رفضته الحركة وقررت مقاطعة الانتخابات
وتصاعد التوتر بين الحركة الدستورية الإسلامية والحكومة الكويتية، خلال فترة حكم جماعة الإخوان في مصر بين عامي 2012 و2013، حيث انتقدت الجماعة بشكل علني رسائل الحكومة الكويتية المناهضة للإخوان خلال فترة حكم محمد مرسي لمصر، ثم اتسعت دائرة الخلاف والانتقادات للحكومة بعد موقفها الداعم لثورة 30 يونيو في مصر التى أطاحت بحكم الجماعة، فضلًا عن استقبال الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور في زيارة رسمية للكويت.
إلا أن الحركة الدستورية الإسلامية عملت على قراءة المشهد السياسي بشكل أكثر براجماتيةً في ظل تصاعد الضغوط على عناصر وفروع جماعة الإخوان في الإقليم، حيث صنفت المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر جماعة الإخوان تنظيمًا إرهابيًّا، وفي ذلك المناخ الضاغط وجد إخوان الكويت أن الهدف الاستراتيجي الذي يجب الحفاظ عليه هو بقاء الحركة الدستورية، رغم تلك الرياح التي تعصف بالجماعة، فجاء قرار الانتقال من المقاطعة إلى المشاركة في انتخابات مجلس الأمة عام 2016.
وكان ذلك الموقف انطلاقًا من حقيقة أن إخوان الكويت كادر مؤثر في التنظيم الدولي للإخوان الذي يحرص على استمرار اندماجهم في الحياة السياسية، فضلًا عن استغلال قوتهم المالية والاقتصادية التي تعد قوةً ضاربةً للتنظيم الذي بات محاصَرًا في عدد كبير من الدول العربية، حيث إن إخوان الكويت بمثابة البنك المركزي، وحافظة الأموال التى يصرف منها التنظيم الدولي على أنشطته وتحركاته الخبيثة.
حاضنة للإخوان الهاربين من مصر.. ومساعٍ لإحياء فروع التنظيم في الخليج العربي
يندرج تحت لواء تنظيم الإخوان في الكويت ثلاث حركات، الأولى للإخوان الكويتيين فقط، والثانية للمصريين المقيمين في الكويت فقط، والثالثة حركة مختلطة، تضم أفرادًا من شتَّى الجنسيات.
وفي يوليو 2019، وجَّهت السلطات الكويتية صفعة قوية لتنظيم الإخوان عبر إعلانها ضبط خلية إرهابية تتبع التنظيم، كان قد صدر ضد أفرادها أحكام بالسجن في مصر.
وكشفت التحقيقات الأولية مع أعضاء الخلية عن شبكة لنقل الأموال، بين الكويت ومصر عبر دول أخرى، أدارها عدد من المتهمين بمساعدة عناصر أخرى داخل الكويت وخارجها
وأعقب ذلك مغادرة نحو 300 مصري ينتمون إلى جماعة الإخوان للكويت متوجهين إلى تركيا وأستراليا وبريطانيا ودولة عربية، خشية ملاحقتهم من قبل الإنتربول، كونهم مُدانين في قضايا بمصر.
من جهة أخرى، لعب إخوان الكويت دورًا في تأسيس حركات الإخوان في بلدان الخليج العربي، فمثلًا سار التنظيم في الإمارات على خُطى الفرع الكويتي بشكلٍ حَرفيٍّ، ممثَّلًا بجمعية الإصلاح التي كان الإخوان في الإمارات يتستَّرون وراءها وأصدروا مجلة حملت الاسم ذاته.
ولا يزال إخوان الكويت يعملون بنشاط على إعادة تنشيط فروع الجماعة في الدول الخليجية التي انهار فيها التنظيم، وقد أكدت الحكومة الكويتية عام 2013 وجود اتهامات لكويتيين يشتبه في تورطهم في تمويل خلية إخوانية بالإمارات.
وخلال السنوات القليلة الماضية، واجهت خلايا وتجمعات تنظيم الإخوان في منطقة الخليج ضربات متوالية أدت إلى الحد بشكل كبير من تطلُّعات تيار الإسلام السياسي وتحرُّكات ممثِّليه في الإقليم، وانعكس ذلك على قوة التنظيم في العالم العربي، لأن الإخوان في الخليج شكَّلوا، على مدى عقود، منابع تمويل سخيَّة للتنظيم.
تسريبات خَيْمَة القذافي.. ورموز للإرهاب على صعيد الفِكْر والحركة
كشفت تسريبات لقاءات واتصالات العقيد الليبي الراحل معمر القذافي خيوط المؤامرة التى نسجها مع الإخوان المسلمين في الكويت لاستهداف دول الخليج العربي ونشر حالة من الفوضى وعدم الاستقرار واللعب بورقة الطائفية والنزعة القبلية، في تجسيد للخيانة التى تجري في عروق الإخوان مجرى الدم، لكن المؤامرة ارتدت على القذافي فكان الإخوان في ليبيا أول من تحرك لإسقاطه في عام 2011.
وارتبطت مؤامرة القذافي على دول الخليج العربي، وفي مقدمتها السعودية برموز إخوانية من أبرزهم الداعية حاكم المطيري، والنائب السابق مبارك الدويلة الذي بات في موقف حرج بعد تسريبات لقائه في خيمة القذافي والذي استمع فيه إلى طرح العقيد الليبي لاستهداف السعودية ضمن خطة شيطانية لاستخدام القبائل لزعزعة أمن الخليج والمملكة.
ورغم زعم القيادي الإخواني الكويتي أنه أبلغ أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد بما دار في الاجتماع، وأنه كلفه بالتوجه إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الذي كان أميرًا للرياض آنذاك، لإبلاغه بخطط القذافي، فإن تلك المحاولة من جانب الدويلة لاحتواء الفضيحة باءت بالفشل بعدما أصدر الديوان الأميري الكويتي بيانًا نفى فيه مزاعم الدويلة، مؤكدًا أنها محضُ تقوُّلٍ وافتراء على المقام السامي، مُلَوِّحًا بالمساءلة القانونية لمن يمارس هذا السلوك. كما نفى عساف بن سالم أبو ثنين، عضو مجلس الشورى السعودي ومدير مكتب الملك سلمان، عندما كان أميرًا للرياض، تصريحات الدويلة، مشددًا على أنها تزوير وكذب.
من جهة أخرى، ارتبط التنظيم أيضًا بمنظِّرين داخل الكويت، من أبرزهم أستاذ العلوم السياسية عبد الله النفيسي المعروف بتبنِّي أفكار تحرِّض على الإرهاب، وهو أمر مُثبَت عبر لقاءات ومحاضرات مسجَّلة ومتداولة عبر الإنترنت، فيها يقدم مقترحاتٍ تفصيليةً لتنفيذ عمليات إرهابية في الولايات المتحدة ويمتدح الإرهابيين ويصفهم بأنهم “أتقى وأشرف وأحسن ناس في العالم!”.
ورغم محاولة النفيسي نَفْيَ انتمائه للحركة فإن رموزًا إخوانية، من بينهم مبارك الدويلة، تؤكد انتماء النفيسي للإخوان وانخراطه داخل التنظيم، وإن كان النفيسي قد غادر الجماعة تنظيميًّا فإن الارتباط الفكري ما زال قائمًا.
وارتبط فرع جماعة الإخوان في الكويت بصلات مع متطرفين بارزين، بما في ذلك العقل المدبِّر لهجمات 11 سبتمبر عام 2001 خالد شيخ محمد الذى انضم إلى الجماعة في سن 16 عامًا قبل انضمامه إلى تنظيم القاعدة في أواخر التسعينيات. وشقيقه الأكبر زاهد شيخ محمد من رموز الجماعة في الكويت. ومن ضمن رموز الجماعة في الكويت أيضًا طارق السويدان الداعية والباحث المثير للجدل، المتورط في قضية تمويل إرهابٍ، ينظُرُها القضاء الأمريكي.
وأخيرًا.. يبقى الترويج للنموذج التركي وتجربة حكم العدالة والتنمية برئاسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قاسَمًا مشترَكًا يظهر في حسابات رموز إخوان الكويت على موقع التدوينات القصيرة “تويتر”، بل إن الإشادة تخطَّت التعليق على تجربة سياسية في الحكم ووصلت إلى حد تأييد الاعتداء التركي على الأراضي العربية، حيث احتفى الإخواني وليد الطبطبائي النائب السابق بمجلس الأمة بالاجتياح العسكري التركي لشمال سوريا.