مقدّمة..
فرضت أزمة كورونا نفسها على دول العالم أجمع، وقامت مختلف دول العالم بإجراءات احترازية لمنع تفشّي الفيروس والحدّ من انتشاره بين المواطنين، حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة، وحتى تتمكّن المنشآت الصحية من توفير الرعاية الصحية للمصابين، وتصدّرت هذه الأزمة أولويات اهتمامات وسائل الإعلام في العالم أجمع، وأصبحت أخبار الإصابات والوفيات والإجراءات الاحترازية للدول في صدارة نشرات الأخبار بمختلف القنوات الفضائية وصفحات الصحف والمواقع الإخبارية، وتراجعت بقية القضايا السياسية والاجتماعية وغيرها.
وفي ظلّ الإجراءات التي اتخذتها مختلف دول العالم بإغلاق الحدود، ووقف رحلات الطيران الخارجية والداخلية، وتعليق العمل في مؤسسات القطاعين العام والخاص، وحظر التجوال وبقاء المواطنين في بيوتهم، تأثرت الأنشطة الاقتصادية بشكل ملحوظ، وزاد الإقبال على شراء الأطعمة الضرورية والمعقّمات والمطهّرات، التي أصبحت ضرورة في هذه الفترة.
وفي ظل هذا الوضع.. بات من المنطقي أن يتراجع النشاط الإعلاني لمشاهير السوشال ميديا في مختلف دول العالم، لتتراجع – كذلك – اهتماماتهم لصالح القيام بدور التوعية بمخاطر الجائحة، ونشر وترويج الإرشادات الصحية التي تبثّها وزارات الصحة في مختلف الدول، والعمل على طمأنة المواطنين وبثّ روح التفاؤل، ومساعدة المواطنين على تمضية الأوقات في بيوتهم، من خلال محتوى مفيد وهادف.
موضوع الدراسة:
قام مركز القرار للدراسات الإعلامية بمسح محتوى مشاهير السوشال ميديا في المملكة على منصتي “تويتر” و”سناب شات”، خلال الفترة 14 – 22 مارس الجاري، للوقوف على طبيعة الدور الذي اضطلع به المشاهير في التوعية بفيروس كورونا، ودعم المواطنين توعوياً وعاطفياً في هذه الأزمة، وتغليب المصالح العامة والحيوية للجمهور والوطن، على المصالح التجارية الضيقة.
أولاً: مشاهير تويتر .. توعية ومسئولية اجتماعية
أظهر مسح المحتوى المقدّم من جانب بعض مشاهير منصة تويتر في المملكة، وجود وعي بطبيعة أزمة كورونا، وضرورة التكاتف من كافة الأطراف لمواجهتها، من خلال الدور التوعوي والاجتماعي، وتحمّل المسئولية الإنسانية والاجتماعية.
حيث حرص مشاهير تويتر على المشاركة في الحملات التوعوية عن الفيروس وسُبل مواجهته، إلى جانب حملات المسئولية الاجتماعية لدعم الأسر الفقيرة والمحتاجة، ودعم شركات القطاع الخاصّ المتأثرة، وكذلك توفير مقرّاتٍ للعزل المنزلي لمن يَلزمهم العزل، خاصة من بين العائدين من الخارج.
حساب فايز المالكي..
فقد أظهر مسح محتوى حساب فايز المالكي، الذي يَحظى بمتابعةِ أكثر من 6 ملايين متابع، اهتمامه بنشر محتويات تُظهِر توفّر الموادّ الغذائية بكثرة في الأسواق، وجولاتِ وزارة التجارة للتأكّد من وفرة المنتجات الغذائية التي يحتاجها المواطنون والمقيمون، كما ساهم بنشر حملة تحدّي النجوم لمؤازرة ومساعدة الأسر الفقيرة والباعة المتجوّلين.
ولوحظ نشر الحساب لحملاتِ التوعية بالأمن السيبراني في ظل أزمة كورونا، لمواجهة البرمجيات الخبيثة وحملات الاحتيال الإلكتروني، كما أسهم في حملة (كلنا مسؤول) للبقاء في المنزل، وعدم الاختلاط تجنباً للعدوى.
حساب فيصل العبدالكريم..
أما فيصل العبدالكريم، فقد أظهر التحليلُ مشاركته في حملة (كلنا مسؤول) من خلال كشف المستودعات التي تقدّم منتجاتٍ مغشوشة خاصة المُعقّمات، كما دعا المواطنين إلى الالتزام بكافة الإجراءات التي اتخذتها الدولة.
يُذكر أن فيصل العبدالكريم هو صاحب التغريدة الصحية الأكثر تفاعلاً في المملكة يوم 18 مارس الجاري، والخاصة بتوفير الحكومة السعودية لأحد الأدوية مجاناً.
حساب نايفكو..
وكشف رصد محتوى حساب نايفكو، اهتمامَ الحساب بنشر سلسلةٍ من التغريدات التوعوية بفيروس كورونا، من خلال استعراض تجارب بعض المصابين حول العالم، وما شعروا به من أعراض ومعاناة، وكيفية تغلّبهم على هذا الفيروس، كما اهتمّ الحسابُ بنشر تغريداتٍ مطوّلة عن طبيعة الفيروس وبقائه على الأسطح المختلفة.
حساب إياد الحمود..
وأظهر تحليلُ حساب إياد الحمود، وهو أحد مشاهير تويتر في المملكة ويتابعه أكثرُ من 4 ملايين متابع، إطلاقه دعوةً لتشارك الأفكار حول الفعاليات التي يؤدّيها الأفراد خلال فترة التزام المنازل، بالإضافة إلى توعية المواطنين والمقيمين بضرورة البقاء في منازلهم للحفاظ على أنفسهم وغيرهم.
كما نشر الحساب تغريداتٍ صادرةً عن هيئة الغذاء والدواء، حول البيانات الخاصة بالوسائل الطبية مثل الكمامات والمعقّمات وغيرها، وصُنِّفت تغريدتُه الخاصة بمواطن إسباني يُلقِي القمامة مرتدياً ملابس ديناصور، بالتغريدة الترفيهية الأعلى تفاعلاً في المملكة يوم 20 مارس، ورغم أنه نَشر بعضَ التغريدات الإعلانية، إلا أن الغالبية العظمى من تغريداته كانت عبارة عن رسائل توعوية للجمهور.
حساب عبدالعزيز الحمادي..
أما عبدالعزيز الحمادي، والذي يتابعه مليون شخص، فقد أظهر تحليل حسابه أن أغلبية تغريداته كانت في موضوعات تقنية متخصصة، إلا أنه نَشر تغريداتٍ قليلةً دعت التجار للإسهام في دعم المجتمع وتحمل المسئولية الاجتماعية، كما توجّه بالدعوة لكافة المواطنين بالتزام بيوتهم وعدم الخروج من المنازل إلا للضرورة، وتجنّب المصافحة والتقبيل، كما أطلق مبادرة للتبرّع بأجهزة الحاسوب الزائدة عن الحاجة للمحتاجين إليها من الطلاب والدارسين، في ظلّ الاعتماد على التعليم عن بُعد، نتيجةَ أزمة كورونا.
ثانياً: مشاهير سناب شات .. محتوى دعائي وغياب القدوة
أظهر تحليل محتوى مقاطع مشاهير سناب شات في المملكة، اهتماماً ضعيفاً بالتفاعل مع المجتمع في أزمة كورونا، وممارسة الدور التوعوي للجماهير، انطلاقاً من أعداد المتابعين الكبيرة لهؤلاء المشاهير، حيث كشف التحليل زيادةَ الموادّ الدعائية بشكل ملحوظ عن المواد التوعوية المتفاعلة مع الأزمة التي يمرّ بها المجتمع ودول العالم المختلفة.
هذا إلى جانب أن مشاهير سناب شات قدموا محتوى غير مُؤاتٍ للأزمة التي يمرّ بها المجتمع والعالم بأسره، حيث استهان بعضُهم بهذه الأزمة، ولم يُظهِروا التزاماً بالإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة، كما لم يُقدِّموا القدوة لأفراد المجتمع، فضلاً عن عدم اهتمامهم بالإرشاد الصحي للمواطنين والمقيمين، وانشغالهم بالتسوّق والتنزّه واستعراض ما يمتلكون من مقتنيات.
فقد أظهر تحليل سنابات (س.و)*، أنها نشرت مؤخراً على حسابها فعالياتٍ منزليةً من أفلام ومسابقاتٍ وتسالي في إطار الدعوة إلى المكوث في المنازل وتجنّب الخروج منها للوقاية من انتشار فيروس كورونا.
أما (م.ح)، فقد أظهر مسح محتويات سناباتها إعلاناتٍ لبعض الماركات العالمية مع أزمة كورونا، من خلال تغيير شكل شعارها تفاعلاً مع الأزمة، كنوع من الإحساس الجماعي، فيما أظهر تحليل مقاطع (هـ.غ)، مشاركتها بعض اللقطات من حياتها اليومية، فضلاً عن الترويج للمنتجعات السياحية.
وكشف تحليل سنابات (ن.ع)، مشاركتها لقطاتٍ من حياتها اليومية، إلى جانب عرض بعض المنتجات كالهدايا والديكورات المنزلية والطعام اليومي، إضافةً إلى لقطات من حياة أبنائها، كما أنها رَوّجت بشكل غير مباشر للملابس التي يرتديها أبناؤها بأسماء المحلات، فضلاً عن ترويج منتجات التزيين النسائية والمنظفات.
أما (أ.ب)، فقد استعرضت سناباتها هدايا زينة نسائية وبعض ذكريات حياتها اليومية، كما رَوّجت لبعض متاجر العطور والبخور.
كما كشف تحليل محتوى سنابات (إ.ح) ممارستها لسلوكيات اعتبرها البعض غير صحية في ظلّ أزمة كورونا، حيث ظهرت (إ.ح) في مقطع فيديو وهي تتحدث عن إصابة العاملة المنزلية لديها بفيروس كورونا بعد قدومها من خارج المملكة، وأنَّ أعراض الفيروس بدأت بالظهور على ابنها، لتقوم بنقله إلى المستشفى دون إخطار أو انتظار قدوم فريق طبي من وزارة الصحة، إلى جانب أنها سبق أن قدّمت تغطياتٍ ميدانيةً وهي مخالطة للعاملة ولابنها، فضلاً عن ظهورها مؤخراً داخل أحدِ المقارّ الحكومية لتغطية حدث يواكب أزمة كورونا، دون أن ترتدي “القفازات والكمامة”، وهو ما اعتبره الجمهور تصرفاً غير مقبول، ويُعرِّضها ويعرّض غيرها لعدوى كورونا، وهو – كذلك – ما جعل استعانة بعض الجهات الحكومية بمشاهير سناب شات، مستهجناً وغيرَ مُرحّبٍ به لدى الجمهور.
ثالثاً: اتجاهات الجمهور نحو المشاهير
تنوّعت اتجاهات الجمهور نحو أداء مشاهير السوشال ميديا بالسعودية في ظل أزمة كورونا، وإن كان قد غلب الطابعُ السلبي لتلك الاتجاهات نحو مشاهير السوشال ميديا السعوديين، ففي استطلاع رأي أجراه حساب “استطلاع السعودية” على منصة تويتر، بهدف قياس آراء الجمهور حول مدى مساهمة مشاهير التواصل الاجتماعي في حث المواطنين والمقيمين على البقاء في منازلهم للحدّ من انتشار كورونا، وشارك فيه حتى وقت إجراء الدراسة 6495 شخصاً، أشارت نتائج الاستطلاع إلى غلبة السلبية في اتجاهات الجمهور نحو المشاهير، وجاءت النتائج كالتالي:
26% من المستطلعة آراؤهم اعتقدوا أن دور المشاهير في هذا المجال إيجابي.
68% نفوا أن يكون المشاهير قد اضطلعوا بهذا الدور.
6% عبّروا عن آراء أخرى.
وبتحليل استجابات مستخدمي تويتر في هذا الاستطلاع، أشار أصحاب الاتجاه الإيجابي، إلى أن بعض المشاهير فقط مَن قام بالفعل بهذا الدور وليس الجميع، موضحين أن بعض المشاهير أعلنوا عن مسابقات تُمنَحُ فيها جوائز لمن يقيم في منزله.
أما أصحاب الاتجاه السلبي، فاعتقدوا أن المشاهير ساهموا في التهوين من أهمية إجراءات الحماية والعزل، من خلال ممارساتهم بتصوير الشاليهات والاستراحات وارتياد المتنزهات، وأنهم ركزوا على التخفيضات التي تقدّمها المتاجر، وأنهم يمارسون دور المتمرّد على إجراءات الحماية والعزل المنزلي.
ورأى فريق ثالث أن هناك حملاتٍ ممنهجةً ضد مشاهير التواصل الاجتماعي في المملكة، وأن بعض هذه الحملات مدفوعة بالحَسَد، نتيجة المبالغ المالية الكبيرة التي يتقاضاها هؤلاء المشاهير.
خاتمة..
أظهر مسح حسابات مشاهير التواصل الاجتماعي في المملكة، تفوّق مشاهير تويتر على مشاهير سناب شات في الدور التوعوي الذي يقوم به المشاهير في الأزمات التي يواجهها المجتمع، إلى جانب تفوّق تويتر أيضاً في جانب المسئولية الاجتماعية، فرغم اهتمام الفريقين بتقديم المحتوى الدعائي الهادف للربح، وهو حَقّ لهم، إلا أن مشاهير تويتر ساهموا بشكل ملحوظ في الحملات التوعوية التثقيفية للجمهور في أزمة كورونا، وخصّصوا جانباً كبيراً من محتواهم على منصة تويتر لعرض الإرشادات والإجراءات، ودعوا الجمهور للالتزام بهذه الإجراءات، إلى جانب قيامهم بالدعوة لدعم الأسر المحتاجة في ظل هذه الأزمة، وترويجهم للمؤسسات التي قدّمت دعماً مالياً وعينياً للفئات المحتاجة في ظلّ أزمة كورونا.
في حين جاءت الصورة في سناب شات مغايرةً للصورة في تويتر، حيث قُدّمت ممارساتٌ غير صحية في المرات القليلة التي كان فيها المحتوى متعلقاً بأزمة كورونا، بالإضافة إلى الانشغال في معظم ما يُقدَّم باستعراض المقتنيات والتسوّق والجوانب الترفيهية، فضلاً عن طغيان الجانب الدعائي الهادف للربح على الدور التوعوي والاجتماعي، رغم أن الأزمات المجتمعية الكبيرة تفرض التفرّغ بشكل كبير للتفاعل معها والإسهام في مواجهتها.
لمزيد من التحليلات يمكنكم النقر على هذه الصورة
يتحفظ مركز القرار على نشر الأسماء الصريحة لأصحاب هذه الحسابات، إذ الغرض التمثيل لا التشهير.