ترجمات

هل يعيد مؤثرو الأخبار تشكيل المشهد الإعلامي؟

في ظل التغيرات التي طرأت على المشهد الإعلامي خلال السنوات الأخيرة، يُعيد مُنشئو المحتوى تشكيل كيفية استهلاكنا للأخبار ومشاركتها وإنتاجها، حيث أحدثت موجة جديدة من مُنشئي المحتوى، المعروفين باسم “مؤثري الأخبار”، تحولًا جذريًا في كيفية مشاركة الأحداث الجارية، عبر تقديم تغطية آنية ومتواصلة أولًا بأول، وتعزيز ثقة الجمهور الذي يشعر بالانفصال عن وسائل الإعلام التقليدية السائدة.

ووفقًا لتقرير حديث صادر عن مركز بيو للأبحاث، يحصل واحد من كل خمسة أمريكيين على الأخبار من هؤلاء المؤثرين، وترتفع هذه النسبة بشكل ملحوظ بين البالغين دون سن الثلاثين عاما.

ومع استمرار تراجع الثقة في وسائل الإعلام التقليدية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، تساءلت مجلة فوربس الأمريكية، هل يُمكن أن يكون هذا العصر الجديد من مُنشئي الأخبار الرقمية مفتاحًا لاستعادة الثقة في كيفية استهلاكنا للأخبار؟.

  • ما المؤثر الإخباري؟

المؤثر الإخباري هو منشئ محتوى يشارك باستمرار رؤىً ثاقبة حول الأحداث الجارية والقضايا التي تشغل الرأي العام عبر منصات التواصل الاجتماعي. ويتنوع هؤلاء المؤثرون في خلفياتهم، فمنهم صحفيون سابقون، ومنشئو محتوى مستقلون، وآخرون بنوا قاعدة جماهيرية من خلال التعليق على أحداث من جميع أنحاء العالم.

بخلاف الصحفيين التقليديين، الذين غالبًا ما يعملون ضمن غرف الأخبار ومجالس التحرير الرسمية، يعمل المؤثرون في مجال الأخبار بشكل مستقل، ويتفاعلون مباشرةً مع جمهورهم، وغالبًا ما يغطون قصصًا تغفلها وسائل الإعلام الرئيسية.

وبعض صناع الأخبار، مثل ليزا ريميلارد، المعروفة باسم “فتاة الأخبار” والتي يتابعها أكثر من 3 ملايين شخص على تيك توك، لديهم خلفية في الصحافة التقليدية. بينما سلك آخرون مسارات غير تقليدية لانطلاق مسيرتهم المهنية في مجال الأخبار الرقمية.

ومن الأمثلة على ذلك، فيتوس سبيهار، صحفي مواطن مستقل ومبتكر منصة “أندر ذا ديسك نيوز” الشهيرة. أتقن سبيهار فنّ كتابة المحتوى المختصر، مقدمًا ملخصات سريعة وسهلة الفهم لأهم العناوين الرئيسية، مما جعله مصدرًا إخباريًا موثوقًا به لجيل زد وجيل الألفية.

كذلك آرون بارناس، مؤثر إخباري من جيل زد، حصد أكثر من مليون متابع خلال ستة أشهر على تيك توك بعد تغطيته للحرب في أوكرانيا. وبسبب إحباطه من نقص التغطية المفصلة من قِبل وسائل الإعلام الرئيسية، لجأ إلى تيك توك، حيث شارك التحديثات الفورية التي تلقاها من عمه، الذي كان موجودًا على أرض الواقع في أوكرانيا. ويتميز بارناس باستعداده للتغطية من أي مكان، فلا حدود لمكان أو وقت لنشره للأخبار.

  • جاذبية المؤثرين في الأخبار

في حين أن أي شخص يمكنه أن يصبح مؤثرًا في الأخبار، إلا أن قلة منهم تمتلك القدرة على جذب الانتباه على المدى الطويل. ومع ذلك، فإن أولئك الذين ينجحون في ذلك يقدمون تغطية إخبارية آنية، وسهلة الوصول، وغالبًا ما تكون أكثر ارتباطًا بالجمهور من المنافذ التقليدية. وبالتالي، فهم يبنون تأثيرهم بسرعة، لا سيما بين الجمهور الأصغر سنًا.

ووفقًا لمركز بيو للأبحاث، يشعر 65% من الأمريكيين الذين يحصلون على أخبارهم من مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي أن هؤلاء المبدعين يساعدونهم على فهم الأحداث الجارية والقضايا بشكل أفضل.

ويتمتع مؤثرو الأخبار بمهارة في شرح المواضيع المعقدة بطريقة سهلة الفهم في خضمّ حشود وسائل التواصل الاجتماعي؛ كما أنهم يتفوقون في التواصل عبر مقاطع فيديو. وفي هذا الإطار، برزت سارة باوس، منشئة المحتوى على تيك توك المعروفة بمحتواها المتعلق بأسلوب الحياة، وأصبحت صحفية مواطنة، حيث تنشر تحديثات آنية حول حظر تيك توك.

وما بدأ كتحديثات فورية لمتابعيها سرعان ما تحول إلى جهد صحفي متكامل. وسافرت باوس إلى العاصمة الأمريكية واشنطن لتقديم تغطية ميدانية، بما في ذلك حضور مؤتمر صحفي بعد جلسة المحكمة العليا بشأن مستقبل تيك توك.

إذن، كيف تحولت باوس إلى مؤثرة إخبارية؟ قبل تغطيتها للحظر، كان لديها بالفعل 800 ألف متابع على تيك توك. بعد جلسة الاستماع، ازداد جمهورها بسرعة، حيث اكتسبت أكثر من 50 ألف متابع جديد في غضون أسبوعين فقط. وأرجعت باوس جزءًا كبيرًا من هذا النمو إلى اهتمام مجتمعها بالبقاء على اطلاع دائم بالتطورات في واشنطن من خلال محتواها سهل الفهم.

  • نموذج أعمال مؤثري الأخبار

لا يقتصر تأثير الأخبار على مشاركتها فحسب، بل يبني نماذج أعمال مستدامة للحفاظ على استقلاليته عن وسائل الإعلام التقليدية. فقد أصبحت منصات مثل Substack وBeehiv  وPateron  منصات شائعة للصحفيين المستقلين ومؤثري الأخبار، إذ تتيح لهم تجاوز رقابة وسائل الإعلام التقليدية والتواصل المباشر مع جمهورهم.

كما يمكن للصحفيين المستقلين بناء قاعدة مشتركين مخلصين وتحقيق الدخل من محتواهم من خلال الاشتراكات المدفوعة، وتقديم محتوى حصري أو تحليلات أو نشرات إخبارية.

على سبيل المثال، يتمتع بارناس بقاعدة متابعين مخلصين من خلال نشرته الإخبارية على  Substack، بعنوان “منظور بارناس”، حيث يحصل  أصحاب الاشتراك  المدفوع على تغطية مباشرة حصرية وتحليلات معمقة.

وتوفر منصات مثل Substack مرونة في الكتابة حول مواضيع متخصصة قد لا تغطيها وسائل الإعلام الرئيسية، مما يُمكّن الصحفيين والمبدعين المستقلين من الحفاظ على سيطرتهم الإبداعية واستقلاليتهم.

وفي نهاية المطاف، يسمح هذا للمبدعين بتعزيز علاقة أكثر مباشرة مع القراء الذين هم على استعداد للدفع مقابل محتوى قيّم وجدير بالثقة.

  • مستقبل مؤثري الأخبار

تُظهر بيانات غالوب الحديثة أن 36% من البالغين في الولايات المتحدة لا يثقون بوسائل الإعلام، بينما أفاد 33% بأن ثقتهم بها ضئيلة. ومع وصول الثقة في وسائل الإعلام التقليدية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، هل يمكن لصانعي الأخبار المساعدة في استعادة تلك الثقة؟ يعتقد صانعو الأخبار مثل آرون بارناس ذلك.

يتصور بارناس مشهدًا إعلاميًا تتعاون فيه شبكات تقليدية مع صانعي الأخبار لتقديم معلومات موثوقة للجمهور.

ومع فتح قاعة الإحاطات الصحفية في البيت الأبيض أبوابها للمدونين ومقدمي البرامج الصوتية والمؤثرين، يستعد صناع الأخبار للاضطلاع بدور أكثر أهمية في كيفية تداول الأخبار على منصات التواصل الاجتماعي.

وختامًا، يمكن القول إن مؤثري الأخبار يُعيدون صياغة طريقة استهلاك للمعلومات، مُقدمين تحديثات آنية وسهلة الفهم تلقى صدىً لدى الجماهير، وخصوصاً جيلي زد والألفية. فمع تراجع الثقة في وسائل الإعلام التقليدية، يبني هؤلاء المبدعون قاعدة جماهيرية قوية من خلال تقديم تغطية آنية ورؤى شخصية بأسلوب لا تستطيع وسائل الإعلام التقليدية عادةً مجاراتها. بالإضافة إلى أنه مع تزايد نفوذهم واستقلاليتهم المالية، سيلعب مؤثرو الأخبار دورًا محوريًا في مستقبل استهلاك الأخبار.

زر الذهاب إلى الأعلى