ترجمات

هل العالم على أعتاب أزمة اقتصادية؟

يتوقع العديد من الاقتصاديين أن تؤدي الرسوم الجمركية التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى ارتفاع الأسعار والحد من قدرة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على تخفيف صدمة النمو من خلال خفض أسعار الفائدة. ويشير مختبر الميزانية في جامعة “ييل” الأمريكية إلى أنه من المحتمل أن يرتفع مستوى الأسعار الناتج عن جميع التعريفات الجمركية لعام 2025 بنسبة 2.3% على المدى القصير، وهو ما يعادل خسارة استهلاكية متوسطة قدرها 3800 دولار أمريكي للأسرة الواحدة في الولايات المتحدة. كما سيرتفع معدل البطالة في أمريكا بمقدار % 0.5بحلول نهاية العام الحالي، وينخفض ​​التوظيف بنحو 600 ألف وظيفة.

ورغم إعلان ترامب تخفيفه لبعض الرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا فإن هذا لا يعني أنه ينوي نزع فتيل الأزمة، الأمر الذي دفع رئيس وزراء بريطانيا الأسبق جوردون براون – في مقال نشرته صحيفة “جارديان” البريطانية في العاشر من أبريل الجاري، للتحذير من أنه لا تزال هناك فرصة ضئيلة للغاية لمنع ركود عالمي غير ضروري ناجم عن تفاقم الحروب التجارية المزعزعة للاستقرار والتي تُهدد بالانزلاق إلى حروب عملات، وحظر الاستيراد والتصدير والاستثمار والتكنولوجيا، ومبيعات في الأسواق المالية بأسعار بخسة قد تدمر ملايين الوظائف في جميع أنحاء العالم.

  • تأثير التعريفات الجمركية على الاقتصاد الأمريكي

وفقًا لمجلة “ذا أتلانتيك” الأمريكية، ستؤدي التعريفات الجمركية إلى تدمير الشركات الأمريكية الصغيرة، والإضرار بالمستهلكين الأمريكيين، وتشابك سلاسل التوريد العالمية، والإضرار بالمصدرين الأجانب، وانكماش الاقتصاد العالمي. كما ستنخفض أرباح الشركات؛ وبالتبعية أسعار الأسهم أيضًا.

وعادةً، عندما تتراجع سوق الأسهم، ترتفع سوق السندات، حيث يلجأ المستثمرون إلى سندات الخزانة وغيرها من أدوات الدخل الثابت بحثًا عن الأمان النسبي، وقد ارتفعت العائدات على السندات بشكل حاد. وبحسب رئيس شركة بيانكو للأبحاث، جيم بيانكو، فإن آخر مرة ارتفعت فيها العائدات إلى هذا الحد وبهذه السرعة، كانت في عام 1982، في خضم ركود عالمي حاد، مشيرًا إلى حدوث خلل ما في سوق السندات حيث نشهد تصفية غير منظمة.

وترى “ذا أتلانتيك”، أن الولايات المتحدة تتجه نحو فترة ركود تضخمي، وهو شكل مروع من الانكماش الاقتصادي يتميز بارتفاع البطالة وارتفاع الأسعار.

  • احتمالات اتساع الأزمة عالميًا

في ضوء محورية الاقتصاد الأمريكي بالنسبة للعالم، حذّر بنك إنجلترا (البنك المركزي في المملكة المتحدة) من أن الحرب التجارية التي يشنها ترامب تجعل العالم أكثر عرضة لأزمة مالية واقتصادية.  وأفادت لجنة السياسة المالية التابعة للبنك والتي يرأسها محافظ البنك، أندرو بيل بأن الارتفاع الحاد في الرسوم الجمركية العالمية ساهم في زيادة ملحوظة في المخاطر التي تهدد النمو العالمي وأن الإجراءات الانتقامية المتبادلة تُهدد بالإضرار بالاستقرار المالي”، وفقا لصحيفة “تليجراف” البريطانية.

كما حذّر صانعو السياسات من أن تجدد اضطرابات السوق يزيد من خطر وقوع الدول في دوامة الديون، في الوقت الذي تكافح فيه الحكومات للخروج من حلقة مفرغة من انخفاض النمو وارتفاع تكاليف الاقتراض.

من جهة أخرى، تتزايد المخاوف بشأن احتمال حدوث أزمة مالية عالمية وسط تقارير تفيد بأن وزارة الكفاءة الحكومية، التي يرأسها الملياردير إيلون ماسك، مؤسس شركة تسلا، قد وضعت نصب عينيها مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية، وهي الوكالة الأمريكية المسؤولة عن حماية الودائع وإدارة حالات إفلاس البنوك وهي لا تُموّل من الحكومة الأمريكية، بل يتم تمويلها من خلال ضرائب تُفرض على البنوك التي تراقبها، وذلك لعزلها عن الضغوط السياسية، وفقا لموقع” ذا كونفرذيشن” الأسترالي.

ويشير ويليام أوكونيل الباحث المشارك في مركز الاقتصاد السياسي بجامعة كولومبيا إلى أن الاستقرار المالي العالمي يعتمد إلى حد كبير على القيادة الأمريكية. لكن التطورات الأخيرة تشير إلى أن الإدارة الحالية لم تعد تعتقد أن هذه المسؤولية تصب في مصلحتها. وإذا امتد هذا الرأي إلى دور مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية في تنظيم وحل مشاكل البنوك التي أصبحت أكبر من أن يُسمح لها بالإفلاس، فإن العالم يواجه مخاطر أعظم كثيراً من مجرد التقلبات في سوق الأوراق المالية.

وأوضح أوكونيل أن الجهات التنظيمية الأجنبية تعتمد بشكل كبير على مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية للحصول على معلومات حول وضع البنوك الأمريكية والشركات التابعة للبنوك الأجنبية في الولايات المتحدة. وقد كان هذا التعاون حاسمًا لضمان حل سلس لأزمة انهيار بنك كريدي سويس العالمي عام 2023.

وأشار إلى أنه بدون مؤسسة تأمين ودائع فيدرالية موثوقة ومستقلة، قد تنهار هذه العلاقات، مما يترك العالم أمام خيارات محدودة لتجنب انهيار مالي آخر.

  • تعقيدات المشهد الراهن

ووفقًا لتقرير للمجلس الأطلنطي، شنّ ترامب حربًا اقتصادية عالمية من دون أي حلفاء ولذلك على عكس الأزمات الاقتصادية السابقة في هذا القرن، لن يأتي أحد لإنقاذ الاقتصاد العالمي، فهناك نموذج للتعامل مع الأزمات الاقتصادية والمالية على مدى العقدين الماضيين، يتطلب تفعيل مجموعة العشرين والاعتماد على الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لتوفير السيولة للنظام المالي المثقل بالضغوط ولن يكون أي من الخيارين متاحًا في ظل التحدي الحالي.

ففي ظل الأزمة المالية في عام 2008 مع انهيار بنك ليمان براذرز وبدء حالة الذعر في الأسواق المالية حول العالم، دعا الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن إلى قمة طارئة لقادة مجموعة العشرين أسفرت عما سُمي بلحظة لندن، عندما وافقت دول المجموعة على ضخ 5 تريليونات دولار لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد العالمي وبهذا التنسيق المشترك، أرسل القادة إشارة قوية إلى بقية العالم بأنهم لن يسمحوا للركود الاقتصادي أن يتحول إلى كساد عالمي.

وبعد ما يقرب من12  عامًا، وتحديدًا مع اندلاع جائحة “كوفيد-19″، اجتمع قادة المجموعة للعمل على تخفيف أعباء الديون، والتحفيز المالي، والأهم من ذلك توفير اللقاحات لمواجهة الجائحة.

ولكن في مواجهة الصدمة الاقتصادية الكبرى الثالثة في القرن الحادي والعشرين، الناجمة عن قرار سياسي- قرار ترامب بشأن الرسوم الجمركية-، لا يمكن للولايات المتحدة أن تدعو إلى رد منسق على حرب تجارية بدأتها بنفسها وهي حرب مبنية على فكرة أن العالم يستغل الولايات المتحدة. كما أن لدى بعض الدول دافعا لرؤية وضع الأسواق المالية يزداد سوءًا، على أمل أن يضغط ذلك على إدارة ترامب للتراجع.

من جهة أخرى، كان الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي هو الطرف الثاني – الأكثر قوة – في الاقتصاد العالمي خلال الأزمة المالية العالمية وجائحة كوفيد-19، حيث خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة إلى الصفر، وضخّ تريليونات الدولارات في الاقتصاد الأمريكي من خلال التيسير الكمي، وأصدر خطوط مبادلة حول العالم لمساعدة الدول على الوصول إلى الدولار عندما كانت في أمسّ الحاجة إليه.

لكن هذه المرة، أشار رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إلى البيت الأبيض بأن ما يُسمى “خطة باول” لا تزال بعيدة المنال، فبينما أعرب ترامب بشكل علني عن رغبته في خفض أسعار الفائدة معتبرًا أن هذا هو الوقت المثالي لتلك الخطوة، يرى باول أنه لا حاجة للتسرع، إذ يُدرك أن حربًا تجارية مبنية على رسوم جمركية أمريكية مرتفعة قد تُؤدي إلى ركود تضخمي، وليس بالضرورة أن تكون بيئة الركود التضخمي هي الوقت المناسب لخفض أسعار الفائدة استباقيًا، فقد يُفاقم هذا التضخم. كما يُريد باول إرسال إشارة إلى المسؤولين في البيت الأبيض مفادها أنه لا يمكنهم الاعتماد على الاحتياطي الفيدرالي لحل مشكلة من صنع أيديهم.

وتأسيسًا على ما سبق، يبقى السبيل الوحيد لتجنب اضطرابات السوق والركود الاقتصادي والأزمة العالمية التي قد تلوح في الآفق، هو تراجع الولايات المتحدة عن التعريفات الجمركية التي أعلنها ترامب والعودة إلى صياغة سياسات اقتصادية وتجارية قائمة على القواعد المستقرة للنظام الاقتصادي العالمي.

زر الذهاب إلى الأعلى