استعراض دراسات

التسوق الممتع كوسيط بين الحرمان النسبي والشراء الاندفاعي الإلكتروني

 

يُعد سلوك المستهلك أحد أنماط السلوك الإنساني التي تتأثر بمجمل العوامل الخارجية والنفسية التي يتعرض لها إلى جانب متغيراته الديموغرافية، مما يجعل أمر التنبؤ باتجاهاته الشرائية وميوله الاستهلاكية، وكيفية اتخاذ قراره الشرائي، من المهام الصعبة والمعقّدة، نتيجة مرور هذا القرار بكثير من الإجراءات المتشابكة.

وتعد الحالة المزاجية للمستهلك التي تتأثر بسماته الشخصية، والعوامل الظرفية والخارجية بمثابة المقدمة الأولى لسلوكه الشرائي الاندفاعي، كظاهرة نفسية مثيرة للاهتمام، حيث تكمن في حالة التناقض بين ما يقوله المستهلك وما يفعله في أغلب الأحيان.

لذا يمكن بحث عملية الشراء المندفع للمستخدم الرقمي من خلال عدسة إلهام العملاء، وهي حالة التنشيط التحفيزي الناتجة عن خصائص المصدر، ومحفزات التسويق الخارجية، مثل إعلانات وسائل التواصل الاجتماعي، وجاذبية المتاجر الافتراضية، ونوافذ الدردشة والصور ومقاطع الفيديو، حيث تساهم هذه المحفزات في توليد النية الشرائية التي تُلهم المستهلك.

وفي هذا الإطار، نشرت المجلة العلمية لدراسات الإعلام الرقمي والرأي العام في عددها الصادر في يناير 2025، دراسة بعنوان “التسوق الممتع كوسيط بين الحرمان النسبي والشراء الاندفاعي الإلكتروني”، من إعداد الدكتور محمود فوزي الأستاذ المساعد بقسم العلاقات العامة والإعلان بكلية الإعلام في جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، والتي نستعرضها على النحو التالي:

  • مجتمع وعينة الدراسة

تمثّلَ مجتمع الدراسة في الجمهور المصري من مستخدمي مواقع ومنصات التسوق الإلكتروني، وتم تطبيق الدراسة الميدانية على عينة عمدية من المبحوثين قوامها 410 مبحوثين، وفقًا لعدة معايير تم مراعاتها، مثل ألا يقل أعمارهم عن18  عامًا، وأن يكونوا من متصفحي مواقع التسوق الإلكتروني، وقد سبق لهم الشراء من خلالها ولو لمرة واحدة فقط.

  • أبرز نتائج الدراسة

خلصت الدراسة إلى وجود علاقة ارتباطية طردية قوية بين شعور المبحوثين بالحرمان النسبي وشرائهم الاندفاعي الإلكتروني، كما أوضحت أن جزءًا من تأثير الحرمان النسبي على الشراء الاندفاعي الإلكتروني يتم من خلال جاذبية تجارب التسوق الإلكتروني، بينما لا يوجد أثر ذو دلالة إحصائية لجودة مواقع التسوق الإلكتروني على شعور المبحوثين بالحرمان النسبي، ومن ثم عدم توسط العلاقة بين شعور المبحوثين بالحرمان النسبي وشرائهم الاندفاعي الإلكتروني.

وأظهرت نتائج الدراسة علاقة ارتباطية طردية ضعيفة بين معدلات التسوق الإلكتروني للمبحوثين وشرائهم الاندفاعي الإلكتروني. وكشفت النتائج عن الهيمنة الكبيرة للمستوى المنخفض على متوسطات اتجاهات المبحوثين نحو مؤشرات (الحرمان النسبي، والشراء الاندفاعي الإلكتروني) مقابل الهيمنة الكبيرة للمستوى المرتفع على متوسطات اتجاهاتهم نحو مؤشرات (جاذبية تجارب التسوق الإلكتروني، وقيمة التسوق الممتع عبر الإنترنت).

وجدت الدراسة أنه كلما ارتقى المستوى التعليمي للمبحوثين كانوا أقل قيامًا بسلوكيات الشراء الاندفاعي الإلكتروني، وكلما انخفضت أعمارهم كانوا أكثر قيامًا بهذه الظاهرة. كما أنه كلما ارتقى المستوى التعليمي للمبحوثين كانوا أقل إدراكًا لقيمة التسوق الممتع عبر الإنترنت، وكلما انخفضت أعمارهم كانوا أكثر إدراكًا لها.

وكشفت النتائج أيضًا أنه كلما ارتقى المستوى التعليمي للمبحوثين أو ارتفعت أعمارهم كانوا أقل شعورًا بالحرمان النسبي، وفي المقابل كلما انخفضت دخولهم المادية كانوا أكثر معاناة من مشاعر الحرمان النسبي.

أما عن أبرز دوافع التسوق الإلكتروني من وجهة نظر أعضاء مجموعات النقاش، فجاءت على الترتيب التالي: توفير الوقت والجهد، وسهولة التصفح الإلكتروني، ووفرة العروض الترويجية، وجاذبية العرض، وسهولة التعرف على التقييمات وردود الأفعال حول التجارب الشرائية السابقة، ومن ثم عقد المقارنات بين المنتجات بالمنصات الإلكترونية المتعددة، بجانب تنوع المنتجات بين المحلية والعالمية، والترويج لمنتجات غير متوفرة بالأسواق التقليدية، وتعدد طرق الدفع.

وحول أبرز مخاوف التسوق الإلكتروني – من وجهة نظر أعضاء مجموعات النقاش – فتمثلت فيما يلي: عدم مطابقة المنتجات للمواصفات المسوق لها، وعدم الالتزام بسياسة الاستبدال والاسترجاع، وتأخر وصول المنتجات.

كما أشار معظم أعضاء مجموعات النقاش إلى تأثر حالتهم النفسية بالتسوق الإلكتروني، سواء بالإيجاب أو بالسلب، وفقًا لمدى نجاح تجاربهم الشرائية، وما قد يتخللها من مثيرات نفسية.

من جهة أخرى، تباينت آراء أعضاء مجموعات النقاش حول ظاهرة تقليد المشاهير والمؤثرين ونجوم المجتمع بين البعض المحب للتقليد، والبعض الآخر الرافض للفكرة من الأساس.

وتباينت أيضًا تجارب أعضاء مجموعات النقاش بين البعض ممن أشاروا إلى وقوعهم السابق في فخ الشراء الاندفاعي الإلكتروني، ومن تتسم سلوكياتهم الشرائية بالرشد والتأني.

  • توصيات الدراسة

قدمت الدراسة عددًا من التوصيات، جاء في صدارتها تصدي أجهزة وجمعيات حماية المستهلك للممارسات التجارية والتسويقية الخادعة عبر الإنترنت، وإلزامها بإعلان العقوبات الموقعة على أبرز الممارسات غير القانونية، لردع المخالفين.

وكذلك التزام منصات التجارة الإلكترونية بقوانين حماية المستهلك الإلكتروني، وإدراج “لوجو” وبيانات الاتصال بجهاز حماية المستهلك على مواقعها وصفحاتها الرئيسية. بالإضافة إلى تسليط الضوء الإعلامي على دور أجهزة التنشئة الاجتماعية في تعزيز مقومات التكيف والانغماس الاجتماعي، ودرء مخاطر التهميش والعزلة، وما يصاحبها من أعراض نفسية مصاحبة لظاهرة الحرمان النسبي.

وأوصت الدراسة المسوقين الإلكترونيين بالتركيز على توفير العناصر الخدمية الجاذبة للزوار على نحو مواز من الاهتمام بالمضامين الترويجية، ودعت أيضًا إلى عقد ندوات وملتقيات تثقيفية حول ترشيد الشراهة الشرائية، وسبل ضبط عمليات الاستهلاك الاندفاعي.

كما دعت باحثي التسويق العصبي إلى الاتجاه نحو قياس المشاعر البشرية وإشاراتها الفسيولوجية، للتحقق من الحالات العاطفية، والتحيزات الإدراكية المؤثرة على الشراء الاندفاعي الإلكتروني.

وأوصت الدراسة بإجراء بحوث تتناول تأثير منشورات المشاهير وتوصيات المنتجات بوسائل التواصل الاجتماعي على الشراء الاندفاعي الإلكتروني، بجانب إجراء دراسات مقارنة بين السلوكيات الشرائية الفعلية والمرغوبة في ضوء نظريات التنافر المعرفي والحرمان النسبي.

 

زر الذهاب إلى الأعلى