يعد التصيد إحدى المشكلات المرتبطة ببيئة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث يساهم “المتصيد- Troll” بتعليقات أو حديث مثير للجدل بين أفراد المجتمع عن طريق استمالة عواطفهم وتحريكها نحو أمور تستنزف وقتهم وجهدهم.
وقد شابت دورة الألعاب الأولمبية في باريس موجة من التصيد عبر الإنترنت، حيث قوبل أداء فتاة البريك دانس، الأسترالية راشيل رايغون غان برد فعل عنيف على وسائل التواصل الاجتماعي، وسرعان ما انتشرت مقاطع الفيديو والميمات واسعة الانتشار التي تسخر من أسلوبها غير التقليدي، جنبًا إلى جنب مع وابل من التعليقات العنصرية والمتحيزة، كما اتهمها المتصيدون بـ “تشويه سمعة” الألعاب الأولمبية وطالبوا باستبعادها.
ويعد ما حدث مع رايغون مجرد حادثة واحدة من بين حوادث عديدة، ولكنها تؤكد الحاجة الملحة إلى أساليب أفضل لمكافحة هذا السلوك السام عبر الإنترنت على نطاق عالمي، بحسب موقع “ذا كونفرذيشن” الأسترالي.
وفي قلب تلك القضية تكمن الطريقة التي يتم بها تصميم منصات التواصل الاجتماعي، حيث يمكن للخوارزميات التي تعطي الأولوية للمشاركة الفيروسية أن تعمل على تضخيم المحتوى ونشره بسرعة، سواء كان جيدًا أو سيئًا.
- دور الخوارزميات
في قلب القضية تكمن الطريقة التي يتم بها تصميم منصات التواصل الاجتماعي، حيث يمكن للخوارزميات التي تعطي الأولوية للمشاركة الفيروسية أن تعمل على تضخيم المحتوى ونشره بسرعة، سواء كان جيدًا أو سيئًا، وبالتالي يمكنها تحويل حفنة قليلة من المتصيدين إلى حشد من الغوغاء، لأن مشاركة المنشورات والميمات التي تولد ردود فعل عاطفية قوية، سواء كانت إيجابية أو سلبية، والتعليق عليها يغذي الزخم لما يردده المتصيدون ومدى وصولهم.
ويخلق مثل هذا “التسارع الخوارزمي” غرف صدى تصبح فيها وجهات النظر المتطرفة طبيعية، إذ يُعرض فيها على المستخدمين المعلومات التي تعزز معتقداتهم الحالية فقط، مما يؤدي إلى تكثيف المشاعر السلبية وإيجاد بيئة أكثر عدائية عبر الإنترنت، بينما تميل الأصوات المعارضة إلى الصمت.
- عدم كشف الهوية
ويلعب عدم الكشف عن الهوية على الإنترنت أيضًا دورًا رئيسيًا، حيث يشعر الناس بالجرأة لقول أشياء لا يجرؤون على قولها في الواقع. وهذا يخفف من القيود على الأشخاص ويجعل التصيد أكثر احتمالًا. والمثير للدهشة أن “المرح” يلعب دورًا مهمًا أيضًا في التصيد، فلا يتم تحفيز المتصيدين فقط عن طريق الحقد. وبالنسبة للبعض، يعد التصيد بمثابة شكل شرير من أشكال الترفيه، حيث الاستمتاع بإذلال الضحايا وآلامهم وردود أفعالهم، ويؤدي هذا غالبًا إلى قيام المتصيدين بالبحث عن مواضيع ومساحات للتعبير عن طبيعتهم السادية.
- ثقافة الميمات
يعد الانتشار الفيروسي للمحتوى مثل الميمات سمة مميزة أخرى للتصيد عبر الإنترنت، حيث يقوم المتصيدون باستخدام اللغة المرئية للميمات كسلاح، وإنشاء صور ساخرة أو مهينة يمكن مشاركتها وإعادة مزجها بسهولة. ويمكن لهؤلاء المتصيدين الاستناد إلى أشياء من نمط الحياة الخاصة بالضحايا ويجعلون الهدف الأصلي للإساءة أكثر وضوحًا. ومثل هذه المضايقات التي تحركها الميمات تزيد من الطبيعة الشخصية للهجمات.
- كيف يمكن مكافحة التصيد؟
يعد التصدي للتصيد عبر الإنترنت تحديًا معقدًا، لذا يجب على المنصات وصناع السياسات والمجتمعات التعامل مع هذا الأمر من زوايا مختلفة، ويمكن أن يتم هذا عبر محورين:
- الحلول التكنولوجية وتشمل:
- تحسين أدوات الإشراف: تستثمر منصات التواصل الاجتماعي في الأدوات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي لاكتشاف المحتوى الضار وإزالته. ومع ذلك، يمكن لهذه الأدوات أن تتعارض مع السياق، مما يؤدي إلى إيجابيات وسلبيات كاذبة على حد سواء.
- تعزيز ميزات الإبلاغ عن المستخدم والحظر: لتمكين الناس من إدارة تفاعلاتهم عبر الإنترنت بشكل أكثر فاعلية، نحتاج إلى آليات أفضل للإبلاغ، والقدرة على إسكات المتصيدين وحظرهم.
- تغيير السلوك
من المهم بنفس القدر أن نأخذ في الاعتبار سيكولوجية السلوك البشري. فإذا أردنا أن يغير الأشخاص سلوكهم عبر الإنترنت، فمن الذي يجب أن نستهدفه وكيف؟
- خدمات الدعم النفسي: إن توفير موارد الصحة النفسية للأفراد المستهدفين بالإساءة عبر الإنترنت يمكن أن يساعد في التخفيف من التأثير الشخصي للتصيد.
- الحملات التثقيفية: إن رفع مستوى الوعي بتأثير التصيد وتعزيز المعرفة الرقمية يمكن أن يساعد المستخدمين والمجتمع بشكل عام على التنقل في مساحات الإنترنت بشكل أكثر أمانًا. ويتضمن ذلك فهم كيفية عمل الخوارزميات والتعرف على إشارات غرف الصدى.
- إشراك الجمهور بشكل إيجابي: تسلط الأبحاث الضوء على الدور الحاسم للجمهور في الحد من السلوكيات العنيفة، بما في ذلك التصيد.
فعندما لا يمكن إيقاف المتصيدين بشكل مباشر، يمكن لمجتمع وسائل التواصل الاجتماعي وضع القواعد والتوقعات. ويمكن للحضور انتقاد السلوكيات الضارة، مما يضع لهجة إيجابية لا تشجع على السلوك السيئ.
- التدابير التنظيمية: ينبغي لصناع السياسات أن يفكروا في تنفيذ لوائح صارمة لثني الأفراد عن الانخراط في المضايقات والتصيد عبر الإنترنت.
قد يكون من الصعب تنفيذ كل هذه التغييرات، فمن الصعب تغيير السلوك البشري على نطاق واسع، كما أن توفير الدعم النفسي على نطاق واسع يتطلب موارد، ولكن من المرجح أن تبقي التدابير السابقة المتصيدين بعيدا عن ممارسة هذا السلوك السيئ.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن الحلول السابقة يمكن أن توفر بعض الراحة، ولكن لها حدود وقيود، فقد لا تصل الحملات التثقيفية إلى جميع المستخدمين، كما أن الطبيعة العالمية واللامركزية للإنترنت تجعل من الصعب تطبيق اللوائح بشكل متسق عبر الأنظمة القانونية المختلفة حول العالم.
وأخيرًا، لمكافحة التصيد ثمة حاجة إلى أن تعمل شركات التكنولوجيا والحكومات ومستخدمو الإنترنت العاديون معًا لإنشاء بيئات أكثر أمانًا عبر الإنترنت، ويتضمن ذلك تطوير أدوات إشراف تستند إلى الذكاء الاصطناعي، وتعزيز التعاون عبر المنصات للحد من التصيد، وترسيخ ثقافة المساءلة والاحترام عبر الإنترنت.