ترجمات

ما الاختلافات بين بايدن وترامب حول قضايا السياسة الخارجية؟

شهدت المناظرة الرئاسية الأولى بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ومنافسه الرئيس السابق دونالد ترامب، اهتمامًا كبيرًا من جانب الناخبين الأمريكيين ووسائل الإعلام المحلية والدولية التي ركزت على أداء المرشحين لا سيما بايدن الذي أثار حالة من القلق بلغت حد الذعر في صفوف الديمقراطيين دفعت البعض لمطالبته بالانسحاب من السباق الرئاسي، كما سجلت المناظرة تبادلا للهجمات الحادة والشتائم بين الطرفين، ما أدى إلى القليل من التركيز على مضمون النقاش، إذ أظهر المرشحان الديمقراطي والجمهوري تناقضات حادة حول نهج السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة والحرب الروسية الأوكرانية.

وفي هذا الإطار، نشر المجلس الأطلسي (مركز بحثي مقره واشنطن) تقريرًا تضمن تقييمًا لخبراء حول الاختلافات والتوافقات السياسية بين نهجي بايدن وترامب، والعواقب المحتملة لذلك على شركاء الولايات المتحدة، والذي نستعرض أبرز ما جاء فيه على النحو التالي:

  • الشرق الأوسط في المناظرة الرئاسية

رأى ويليام ويشسلر نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي للعمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب سابقًا أن المناظرة أثبتت أن الوقت قد حان مرة أخرى للبدء في أخذ ترامب على محمل الجد، مع زيادة احتمالات عودته إلى البيت الأبيض.

وكان لدى ترامب رسالة واضحة هي أن حماس وإيران لن تهاجما إسرائيل لو كان رئيسا للولايات المتحدة، مشيرا إلى أنه إذا أعيد انتخابه فلن يضع أي قيود على جهود تل أبيب “لإنهاء المهمة” في غزة. ويجادل المرشح الجمهوري بأن بايدن عالق في أنصاف التدابير التي لا ترضي أيًا من الجانبين، وهو ما قصده عندما وصف بايدن بـ “الفلسطيني السيئ”.

وبحسب ويشسلر، يتطلب أخذ ترامب على محمل الجد من صناع السياسة الخارجية، بما في ذلك أولئك الذين احتجوا على نهج إدارة بايدن تجاه الحرب بغزة، أن يدركوا أن هذه الرسالة من المرجح أن يكون لها صدى لدى عدد أكبر من الأمريكيين.

كما يرجح ويشسلر أن تعزز المناظرة الرئاسية موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في جهوده للبقاء في السلطة، فعلى مدى العقود الماضية، أثبت نتنياهو مرارًا وتكرارًا براعته في إدارة السياسات الحزبية والائتلافية. وفي أعقاب أكبر فشل أمني لإسرائيل في 7 أكتوبر الماضي، كانت استراتيجية نتنياهو لتجنب انهيار حكومته تتمثل في حث أعضاء ائتلافه على إعطائه مهلة حتى نهاية دور انعقاد الكنيست الإسرائيلي (28 يوليو الجاري) والتماسك حتى نتيجة الانتخابات الأمريكية، لأن فوز ترامب المحتمل من شأنه أن يقلل من ضغوط واشنطن على نتنياهو وبالتالي الضغوط على الائتلاف.

ومن الواضح أن هذه الحجة أصبحت الآن أكثر إقناعًا، وعلاوة على ذلك، سيشعر نتنياهو بالجرأة في استراتيجيته المتمثلة في الجدال العلني مع بايدن، وهو ما يتردد صداه لدى اليمين المتطرف في ائتلافه، ومن المرجح الآن أن يعزز نتنياهو الكثير من رسالة ترامب الأساسية عندما يتحدث أمام الكونجرس في 24 يوليو الجاري وهو ما سيستقبله الجمهوريون بحرارة.

واعتبر ويشسلر أن المناظرة ربما أدت إلى زيادة احتمالات قيام إسرائيل بشن حرب ضد حزب الله اللبناني. ويرى كثيرون في إسرائيل، بما في ذلك نسبة لا بأس بها من القادة العسكريين أن الدرس الأساسي المستفاد من أحداث السابع من أكتوبر أنه لم يعد بوسعهم السماح بوجود أي خصم مسلح بشكل جيد على حدود إسرائيل. وقد دعت بعض الأصوات الداخلية إلى قيام إسرائيل بتوجيه ضربة لحزب الله في 11 أكتوبر الماضي، وتواصلت تلك الدعوات حتى اليوم.

وفي الوقت نفسه، فإن أحد أقوى التحديات السياسية التي يواجهها نتنياهو هو كيفية إدارة مطالب عشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين اضطروا إلى الفرار من الشمال بسبب الهجمات اليومية التي يشنها حزب الله. وقد رفعت إسرائيل حجم تهديداتها في الأسابيع الأخيرة، علناً وخلف الأبواب المغلقة، وهو ما يهدف جزئيًا إلى تحفيز حزب الله على الموافقة على الصفقة التي تتفاوض بشأنها إدارة بايدن لوقف العنف على طول الحدود وفك الارتباط بين الصراعات في غزة ولبنان.

وعلى الرغم من احتمال التصعيد غير المقصود من النوع الذي أشعل شرارة الحرب بين إسرائيل وحزب الله في عام 2006، من المرجح ألا تندلع حرب أوسع قبل الانتخابات الأمريكية – وهو السيناريو الذي تعمل إدارة بايدن بنشاط على تجنبه، لكن بالنظر إلى رسالة ترامب خلال المناظرة، ثمة تساؤلات عما إذا كان نتنياهو قد يبدأ في تقييم المزايا المحتملة لشن حرب جديدة ضد حزب الله إذا تم انتخاب ترامب ولكن قبل أن يتولى منصبه.

  • التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل

رأى شالوم ليبنر الزميل الأول غير المقيم في مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط أن نفوذ واشنطن متجذر بعمق في جوهر كل قضية ساخنة مدرجة حاليًا على جدول أعمال إسرائيل ومنها؛ الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، ومفاوضات تحرير الأسرى الإسرائيليين في القطاع لدى حركة حماس، ومحاولة حل التوترات مع حزب الله على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، والسعي لإحباط طموحات إيران في امتلاك القدرة على صنع أسلحة نووية، وغيرها، حيث تواصل إدارة بايدن لعب دور محوري في كل هذه المجالات.

لكن وصول الرئيس الأمريكي إلى مرحلة البطة العرجاء- وهو احتمال كبير وسط دعوات متزايدة داخل الحزب الديمقراطي لبايدن للانسحاب من السباق الرئاسي -سيضخ جرعة أخرى من عدم الاستقرار الخطير في عملية صنع القرار المتعثرة بالفعل لحكومة نتنياهو.

وباستثناء الظروف غير المتوقعة، فإن الأشهر المتبقية حتى 20 يناير 2025، عندما يتم تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد، سينشغل قادة الولايات المتحدة وإسرائيل بالحسابات الانتخابية وسيتأثر التعاون بين البلدين نتيجة لهذه الديناميكية السامة.

وبالنسبة لنتنياهو، الذي يعد نفسه أستاذًا في السياسة الأمريكية، فإن يوم 24 يوليو الحالي- موعد إلقاء كلمته أمام جلسة مشتركة للكونجرس – سيقدم مؤشرًا مفيدًا لنواياه. وكان ظهوره السابق بالكونجرس في عام 2015، قد أثار استعداء البيت الأبيض في عهد الرئيس باراك أوباما وكثف التصورات عن إسرائيل كقضية حزبية. ومن الممكن أن يعيد تكرار هذا الأداء نتنياهو إلى حظوة ترامب، ولكنه سيؤدي بلا شك إلى تفاقم مأزقه مع الرئيس الأمريكي الحالي.

  • حلف شمال الأطلسي “الناتو”

كان من بين أهم المواضيع في المناظرة أصول الحروب الكبرى المستمرة في أوروبا والشرق الأوسط وكيفية التعامل معها. وتفاخر بايدن بإدارته للأزمات، بما في ذلك بناء تحالف عالمي واسع لدعم أوكرانيا. قائلا: “حصلت على دعم من 50 دولة حول العالم لأوكرانيا، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية، لإدراكهم أن هذا النوع من الاضطراب يشكل تهديدًا خطيرًا للسلام العالمي بأسره”.

في المقابل، قال ترامب إن الحروب كانت نتيجة إخفاقات الردع لإدارة بايدن. وزعم ترامب أنه لو كان في منصبه، لما قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا أبدًا، وما هاجمت حماس إسرائيل.

وفيما يتعلق بموضوع حلف شمال الأطلسي “الناتو”، فقد تشاجر المرشحان، ولكن من منطلق الافتراض المشترك بأن وجود “الناتو” يصب في مصلحة الولايات المتحدة. وقال بايدن إن الفشل في إيقاف بوتين في أوكرانيا سيؤدي إلى هجمات ضد بولندا، حليفة الناتو. وطمأن ترامب الناخبين بأنه لن ينسحب من الناتو في فترة ولاية ثانية وشدد على أهمية تقاسم الأعباء.

خلاصة القول، يبدو أن المرشحين متفقان على أنه لا توجد فائدة انتخابية من وراء  الانسحاب من الناتو. وقد تم دعم هذا التقييم من خلال استطلاع جديد للرأي أجرته مؤسسة ومعهد رونالد ريغان هذا الأسبوع، والذي وجد أن 61 % من الأمريكيين لديهم وجهة نظر إيجابية بشأن “الناتو” و72 % يؤيدون الدفاع عن حليف في الناتو إذا تعرض لهجوم.

ويرجح ماثيو كروينج نائب الرئيس والمدير الأول لمركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن أن يتصادم المرشحان بايدن وترامب حول قضايا رئيسية مثل الهجرة والتضخم من الآن وحتى نوفمبر المقبل، لكن دعم حلف الناتو يظل ركيزة أساسية في توجهات السياسة الخارجية للحزبين الديمقراطي والجمهوري.

زر الذهاب إلى الأعلى