أكثر من 5 أشهر من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، مستهدفًا المنازل والمدارس والمستشفيات ودور العبادة، أدت إلى استشهاد ما يزيد على 31 ألف فلسطيني أغلبيتهم من الأطفال والنساء، وفقا لسلطات القطاع، بجانب تدمير 70% من المنازل وكامل البنية التحتية المدنية، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، فضلًا عن مجاعة تفتك بسكان القطاع لا سيما في شمال غزة، تثير تلك الإحصاءات وما تعكسه من كارثة إنسانية نتيجة لجريمة إبادة جماعية يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بشكل مُمنهج، تساؤلات كثيرة تتعلق بالقوى الفاعلة في هذا المشهد، منها هل تمكنت إسرائيل من تحقيق هدفها المتعلق بالقضاء على حركة حماس الفلسطينية، وماذا عن التطورات على جبهات الصراع الأخرى، وإلى أي مدى تغيرت مقاربة الإدارة الأمريكية تجاه الأزمة في غزة ومنطقة الشرق الأوسط.
وفي هذا الإطار، قدم تقرير لمركز العلاقات الخارجية الأمريكي أعده الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، ستيفن كوك، طرحا تحليليا سعى للإجابة عن تلك التساؤلات، نستعرضه على النحو التالي:
هدف القضاء على حماس
بحسب التقرير، من الصعب القول إن إسرائيل تمكنت من تحقيق هدفها المتمثل في القضاء على حركة حماس، وإن كانت قد ألحقت أضرارًا جسيمة بالحركة، التي لم تعد قادرة على إطلاق الصواريخ على إسرائيل، مستشهدًا بتصريحات لوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قال فيها إن حماس لم تعد قوة قتالية منظمة في شمال قطاع غزة، وإن القتال المتبقي يدور بين وحدات عسكرية إسرائيلية وعدد من محدود من مقاتلي حماس الذين يتصرفون من تلقاء أنفسهم دون توجيه قيادي.
لكن الوضع في جنوب قطاع غزة مختلف، حيث تبقى مدينة خان يونس منطقة قتال، والإسرائيليون عازمون على تنفيذ عملية عسكرية في مدينة رفح، بدعوى وجود أربع كتائب تابعة لحماس متحصنة هناك. بالإضافة إلى ذلك، يُعتقد أن قيادة المجموعة في غزة توجد في أنفاق أسفل المدينة.
أما عن حجم الخسائر في الأرواح في صفوف العسكريين، فتشير تقديرات إسرائيلية رسمية إلى أن ما يقرب من 250 جنديًا قتلوا أثناء العملية البرية في غزة، وبذلك يصل إجمالي القتلى العسكريين الإسرائيليين منذ هجوم 7 أكتوبر الماضي (عملية طوفان الأقصى) إلى أكثر من 500 قتيل، في المقابل فإن حجم الخسائر في صفوف مقاتلي حماس غير واضح، حيث يزعم الإسرائيليون أنهم قتلوا 13 ألفا من مقاتلي حماس، وتقدر الحكومة الأمريكية أن العدد أقل، ولا يمكن التأكد من هذه الأرقام بشكل مستقل.
الوضع الإنساني والاستجابة الدولية
يشهد قطاع غزة وضعا إنسانيا مأساويا بكل المقاييس، فقد نزح جميع السكان تقريبًا، البالغ عددهم حوالي مليوني نسمة، ويتكدس نحو مليون شخص في رفح، التي كانت قبل الحرب موطنًا لنحو ثلث هذا العدد.
ومن الصعب الحصول على المأوى والغذاء والماء والدواء. وفي الوقت الحالي، يعاني حوالي ربع سكان غزة – 500 ألف شخص – من انعدام الأمن الغذائي. وتحذر الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية من المجاعة. وكانت المساعدات المقدمة عبر معبر رفح البري بطيئة نظرًا لإجراءات التفتيش الإسرائيلية للمساعدات، وقد دفع هذا الوضع السيئ للغاية القيادة المركزية الأمريكية لإسقاط المساعدة من الجو. ومع ذلك، فإن الإسقاط الجوي ليس وسيلة فعالة لتوصيل الغذاء، ولهذا السبب تعتزم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بناء رصيف قبالة ساحل غزة لتسهيل شحنات المساعدات.
بالإضافة إلى ذلك، فإن خطط إسرائيل لاجتياح رفح تنذر بتفاقم الوضع الإنساني، وقد أوضحت إدارة بايدن أن إسرائيل بحاجة إلى خطة ذات مصداقية لحماية المدنيين في حالة شن عملية عسكرية في رفح، لكن الفلسطينيين في غزة يواجهون حقيقة أنه لم يعد هناك مكان لهم للبحث عن الأمان.
مخاطر مزيد من التصعيد خارج غزة
بالتأكيد هناك مخاطر جدية لمزيد من التصعيد خارج غزة، حيث تتبادل إسرائيل وجماعة حزب الله اللبنانية الضربات منذ 8 أكتوبر الماضي. ووفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي صدر في نهاية حرب لبنان عام 2006، يريد الإسرائيليون أن ينسحب حزب الله إلى نهر الليطاني. وهذا من شأنه أن يجعل عناصر الحزب على بعد حوالي 32 كيلومترا شمال الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
ويكافح الدبلوماسيون الأمريكيون والفرنسيون، الذين يتصدرون جهود وقف التصعيد، لإيجاد طريقة لإقناع حزب لله بالموافقة على إعادة انتشار قواته. ومع تعثر الجهود الدبلوماسية، انخرط كل من إسرائيل وحزب الله في توجيه ضربات أكثر جرأة وأعمق. ومما لا شك فيه أن الحرب ستكون مدمرة لكل من إسرائيل ولبنان، لكن المسؤولين الإسرائيليين يقولون إنه بعد هجمات السابع من أكتوبر، لم يعد بإمكانهم تقبل وجود قوات حزب الله على الحدود.
بالإضافة إلى ذلك، يطلق الحوثيون في اليمن صواريخ باليستية على إسرائيل ويهاجمون السفن في البحر الأحمر. وفي الوقت نفسه، تخوض الولايات المتحدة وبريطانيا عمليات عسكرية لضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر. ولكن بعد شهرين من الهجمات التي قادتها الولايات المتحدة، يواصل الحوثيون عملياتهم، مؤكدين عزمهم وقفها بمجرد انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، لكن هذا يبدو غير مرجح فقد أصبح لدى الحوثيين الآن تأثير في الاقتصاد الدولي لم يتمتعوا به من قبل بفعل تلك الهجمات.
مدى التغير في نهج إدارة بايدن تجاه الحرب
اقتصر التغير في نهج إدارة بايدن تجاه الحرب على مستوى الخطاب، مع استخدام عبارة “وقف إطلاق النار” بدلاً من الصيغ السابقة مثل “الهدنة الإنسانية”. ومع ظهور المدى الكامل للأزمة الإنسانية في غزة، زادت الإدارة من حدة انتقاداتها العلنية لتل أبيب، لكنها لم تتراجع عن الركيزتين الأساسيتين لموقف الرئيس بايدن بشأن هجمات 7 أكتوبر، وهما أن لإسرائيل الحق للدفاع عن نفسها ووجوب تدمير حماس.
ومع ذلك، هناك مجال واحد غيّر فيه الرئيس بايدن وجهة نظره، فقبل الحرب، أبدى بايدن اهتمامًا ضئيلًا أو معدومًا بجهود دفع حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكنه وضع إدارته الآن بشكل مباشر خلف فكرة الدولتين اللتين تعيشان جنبًا إلى جنب في سلام.
ويواجه بايدن ومستشاروه صعوبة هائلة في كيفية الوصول إلى الحل، وهو العائق الذي واجهه أيضًا أسلافه الذين سعوا إلى تحقيق نفس النتيجة. وفي حالة بايدن، فإن التحديات أكبر بالنظر إلى أن معارضة حل الدولتين تزايدت بين الإسرائيليين منذ بدء الحرب على غزة. وفي الوقت نفسه، تزايد الدعم الشعبي لحماس بين الفلسطينيين في الضفة الغربية حتى وسط مجموعة متزايدة من الأدلة التي تشير إلى أن الفلسطينيين في غزة يلقون على الأقل جزءًا من اللوم عن ظروفهم الحالية على حماس.
4 دقائق