ترجمات

لماذا تحتاج الولايات المتحدة إلى التفوق على “تيك توك”؟

شكّل تطبيق “تيك توك” المملوك لشركة “بايت دانس” الصينية خلال العامين الماضيين محورًا لمعركة بين الدول الغربية من جهة وبكين من جهة أخرى بشأن مخاوف غربية من تعريض بيانات المستخدمين للخطر وبعض التهديدات الأمنية التي قد تترتب على هذا الأمر، لذا قرر كثير من الدول الليبرالية من بينها تحالف العيون الخمس الاستخباراتي، والذي يضم (بريطانيا، والولايات المتحدة، وأستراليا، وكندا ونيوزيلندا) حظر تثبيت واستخدام التطبيق على الأجهزة الحكومية، لكن على الرغم من ذلك، يظل “تيك توك” التطبيق الأكثر تنزيلًا في العالم، ويستمر في التفوق على المنافسين مثل شركة “ميتا” المالكة لتطبيقات فيسبوك و”إنستجرام” و”ثريدز”، في مساحة كانت تهيمن عليها تقليديًا.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية، تقريرًا يشير إلى أن أفضل طريقة للفوز في معركة “تيك توك” هو تشجيع ودعم الابتكار. ونستعرضه على النحو التالي:

  • الحظر ليس حلًا

قد يبدو فرض حظر عالمي هو الحل السحري، ولكن لأسباب مختلفة – بما في ذلك المخاطر القانونية والثقافات الليبرالية الاقتصادية في بعض البلدان، والخوف من بكين في بلدان أخرى – فإن مثل هذا الإجراء الشامل غير مستساغ وغير مرجح. وبدلا من ذلك تحتاج حكومة الولايات المتحدة إلى العمل في شراكة مع القطاع الخاص وليس معارضته لتشجيع إنشاء منصات بديلة، انطلاقا من حقيقة أن التكنولوجيا التي تقود نجاح خوارزمية “تيك توك” موجودة لتبقى.

وفي ظل غياب حظر فوري أو استحواذ شركة أمريكية على “تيك توك”، يجب على الإدارة الأمريكية أن تبتكر طرقًا لرعاية بديل تنافسي مملوك للولايات المتحدة من خلال حوافز الاستثمار.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن تحليل أجراه معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي وعدد من الباحثين في مجال وسائل التواصل الاجتماعي كشف أن خوارزمية الذكاء الاصطناعي الخاصة بـتيك توك تجعله أكثر جاذبية عن البدائل الأمريكية، فهي تنتج تجربة مستخدم أكثر تخصيصًا من الأنظمة الأساسية الأخرى. ويعتبر أقرب منافس للتطبيق هو إنستجرام ريلز، حيث إن جزءًا كبيرًا من المحتوى عبارة عن مقاطع “تيك توك” مُعاد تدويرها.

  • خوارزمية “تيك توك”

إن فهم كيفية عمل خوارزمية الذكاء الاصطناعي القائمة على الاهتمامات في تيك توك هو المفتاح لاستيعاب مخاطر النظام الأساسي، وفي الوقت ذاته سر تطوير البدائل، حيث تعمل خوارزمية “تيك توك” بطريقتين معززتين.

أولها أن الخوارزمية تتبع تفضيلات المستخدمين بناءً على كيفية تفاعلهم مع المحتوى، مثل المحتوى الذي يحظى “بإعجابهم”، ومدة المشاهدة، وتعليقاتهم، والنتيجة تجربة منظمة ومسببة للإدمان، والتي وصفها مفوض لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية، بريندان كار بـ”الفنتانيل الرقمي”، في إشارة إلى أنها مثل المخدرات.

ولسوء الحظ، فإن الطلب على تجربة وسائل التواصل الاجتماعي التي تسبب الإدمان لن يختفي، والأسوأ من ذلك بالنسبة للولايات المتحدة أن تكون إدارة تلك الوسائل من قبل الصين.

أما الطريقة الثانية التي تعمل بها الخوارزمية فهي تحليل خصائص مقاطع الفيديو واسعة الانتشار ومن ثم تقديم إرشادات لمنشئي محتوى “تيك توك” كتحديد الموسيقى والهاشتاقات وتنسيقات الفيديو والميزات التي من المحتمل أن تنال إعجاب المشاهدين. وبذلك يصبح لدى “تيك توك” القدرة على أن يكون سلاحًا للإقناع الجماعي.

  • تحركات ضد التطبيق

لقد أعرب الحلفاء والشركاء الأجانب وبعض المسؤولين الأمريكيين عن مخاوفهم بشأن مجموعة متنوعة من الطرق التي قد تنتهي بها بيانات مستخدمي “تيك توك” الحساسة في أيدي الحزب الشيوعي الصيني، ولذلك قامت الهند، وهي أحد شركاء الحوار الأمني الرباعي، المعروف أيضًا باسم “كواد” (يضم أيضًا الولايات المتحدة واليابان وأستراليا) بحظر تيك توك تمامًا.

أما أستراليا، فأعلنت مطلع أغسطس الحالي عن النتائج التي توصلت إليها اللجنة البرلمانية المعنية ببحث ملف التدخل الأجنبي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث رأت أن التطبيقات المملوكة للصين مثل “تيك توك” و”وي تشات”، يمكن أن تفسد صنع القرار والخطاب السياسي والأعراف المجتمعية، مما يساهم في التدخل الأجنبي وهو أحد أكثر مخاوف الأمن القومي إلحاحًا في البلاد.

وفي الولايات المتحدة، انضم حكام الولايات إلى المسؤولين الفيدراليين في حظر استخدام “تيك توك” على بعض الأجهزة المملوكة للحكومة بسبب مخاوف بشأن إساءة استخدام البيانات. كما وقّع حاكم ولاية مونتانا، جريج جيانفورتي، في مايو الماضي، على مشروع قانون يجعل ولايته أول ولاية تحظر تطبيق “تيك توك” بشكل كامل.

ومع ذلك، دعمت شركات التكنولوجيا الأمريكية “تيك توك” ضد هذه الإجراءات، في خطوة تعكس قلقا من اتخاذ بكين إجراءات انتقامية تجبر الشركات الأمريكية على بيع أصولها الأجنبية أو الامتثال لرقابة الدولة.

وفي مقابل تلك المخاوف، يؤكد “تيك توك” أن بيانات المستخدمين الأمريكيين يتم تخزينها في فيرجينيا أو سنغافورة أو أي مكان آخر خارج نطاق بكين. ولكن يبقى القول بأن موقع البيانات ليس له أهمية إذا كان من الممكن الوصول إليه بسهولة من الصين.

وقد أقرت شركة “بايت دانس” في مناسبات متعددة أن موظفيها يمكنهم الوصول إلى بيانات مستخدمي “تيك توك” في الولايات المتحدة. وتحت الضغط، قدمت ضمانات مثل خطة “مشروع تكساس Project Texas- “، الذي يهدف لتخزين بيانات المستخدمين الأمريكيين محليًا.

وختامًا، يمكن القول بأنه لا يزال إيجاد سبب مقنع للمستخدمين لإدراك المخاطر التي يشكلها “تيك توك” مسألة تُمثل تحديًا، ولذلك فإن العثور على منصة أخرى بديلة أصبح خيارًا يجب على صُنّاع السياسات أخذه في الاعتبار.

ويظل الابتكار من خلال المنافسة هو أفضل ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة في هذا الصدد، فقد حان الوقت لرواد الأعمال وعمالقة منصات التواصل الاجتماعي في أمريكا أن يجتهدوا ليقدموا لمستخدمي “تيك توك” بديلًا أفضل.

زر الذهاب إلى الأعلى