دراسات

كيفية تحفيز مشاركة المحتوى الدقيق عبر وسائل التواصل الاجتماعي

 

هل وسائل التواصل الاجتماعي مصممة لمكافأة الأفراد على التصرف السيئ؟ من الواضح أن الإجابة هي نعم، نظرًا لأن هيكل المكافأة على منصات التواصل الاجتماعي يعتمد على الشعبية، وهو ما يتضح من عدد الردود – الإعجابات والتعليقات – التي يتلقاها المنشور من المستخدمين الآخرين، ثم تعمل الخوارزميات على تضخيم انتشار المنشورات التي جذبت الانتباه.

وبينما لا تعد مشاركة المحتوى المقروء على نطاق واسع مشكلة بحد ذاتها، لكنها تصبح كذلك عندما يتم إعطاء الأولوية للمحتوى المثير للجدل الذي يجذب الانتباه، إذ يقوم المستخدمون بتشكيل عادات لمشاركة المعلومات الأكثر جاذبية تلقائيًا بغض النظر عن دقتها والضرر المحتمل، وغالبًا ما تنتشر المعلومات المُضللة بشكل أكبر وأسرع من المعلومات الحقيقة.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة “وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأمريكية” في عددها الصادر في ديسمبر 2022، دراسة من إعداد الدكتورة ويندي وود أستاذة العلوم السلوكية في جامعة جنوب كاليفورنيا وإيان أندرسون باحث الدكتوراه في الجامعة ذاتها وجيزم سيلان الباحثة في مجال التسويق في جامعة ييل، تم استعراض نتائجها بقمة جائزة نوبل لعام 2023، وأظهرت الدراسة أن وسائل التواصل الاجتماعي لديها بالفعل القدرة على خلق عادات المستخدم لمشاركة محتوى عالي الجودة، وذلك بعد إجراء بعض التعديلات على هيكل المكافآت بمنصات التواصل الاجتماعي، حيث يبدأ المستخدمون في مشاركة المعلومات الدقيقة والقائمة على الحقائق.

  • هيكل مكافآت جديد

واعتمدت الدراسة للتحقق من تأثير هيكل المكافآت الجديد، على تقديم ​​مكافآت مالية لبعض المستخدمين لمشاركة محتوى دقيق وعدم مشاركة معلومات مضللة، بحيث تحاكي هذه المكافآت المالية التعليقات الاجتماعية الإيجابية مثل الإعجابات التي يتلقاها المستخدمون عادةً عند مشاركة المحتوى على الأنظمة الأساسية.

ووجدت الدراسة أنه بعد التغيير في هيكل المكافأة، شارك المستخدمون عينة الدراسة محتوى أكثر دقة بشكل ملحوظ. والأمر الأكثر أهمية أنهم استمروا في مشاركة المحتوى الدقيق حتى بعد إزالة المكافآت في مرحلة لاحقة من الدراسة.

في السياق ذاته، تلقت مجموعة مختلفة من المستخدمين ضمن الدراسة مكافآت لمشاركة معلومات خاطئة وعدم مشاركة محتوى دقيق. والمثير للدهشة أن مشاركتهم كانت تشبه إلى حد كبير المشاركة المعتادة للمستخدمين للأخبار دون أي مكافأة مالية. ويكشف التشابه اللافت للنظر بين هذه المجموعات أن منصات وسائل التواصل الاجتماعي تشجع المستخدمين على مشاركة المحتوى الذي يجذب الانتباه ويقبل الأفراد على تشاركه، وذلك على حساب الدقة والأمان.

  • استعادة الثقة وتعزيز المشاركة

ووفقاً للدراسة، يعد الحفاظ على مستويات عالية من مشاركة المستخدم أمرًا بالغ الأهمية للنموذج المالي لمنصات التواصل الاجتماعي، لأن المحتوى الذي يجذب الانتباه يبقي المستخدمين نشطين على المنصات، ويوفر هذا النشاط لشركات التكنولوجيا المالكة للمنصات بيانات مستخدم قيّمة لمصدر إيراداتها الأساسي وهو الإعلانات المستهدفة.

ومن الناحية العملية، قد تشعر الشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي بالقلق من أن تغيير عادات المستخدم يمكن أن يقلل من التفاعل مع منصاتهم. ومع ذلك أظهرت نتائج الدراسة أن تعديل مكافآت المستخدمين لا يقلل من المشاركة الإجمالية، وبالتالي يمكن لمنصات التواصل بناء عادات لمشاركة المحتوى الدقيق دون المساس بقاعدة مستخدميها.

كما يمكن للمنصات التي تقدم حوافز لنشر محتوى دقيق أن تعزز الثقة وتحافظ على أو تزيد من التفاعل معها، فخلال الدراسة أعرب المستخدمون عن مخاوفهم بشأن انتشار المحتوى المزيف، مما دفع بعضهم إلى تقليل مشاركتهم على المنصات الاجتماعية، لذا يمكن أن يساعد هيكل المكافأة المستند إلى الدقة في استعادة الثقة المتضائلة لدى المستخدمين.

  • التكيف مع الأنظمة الأساسية

تقدم تلك الدراسة نهجًا يمكنه معالجة انتشار المعلومات المُضللة دون تعطيل نموذج أعمال تلك المنصات بشكل كبير، وهذا النهج يتمثل في تغيير المكافآت بدلاً من فرض قيود على المحتوى، والتي غالبًا ما تكون مثيرة للجدل ومكلفة من الناحية المالية والبشرية.

ويتطلب تنفيذ نظام المكافآت المقترح في تلك الدراسة لمشاركة الأخبار تكاليف قليلة ويمكن دمجه بسهولة في الأنظمة الأساسية الحالية، نظرًا لأن الفكرة الأساسية هي تزويد المستخدمين بمكافآت في شكل تقدير اجتماعي عندما يشاركون محتوى إخباريًا دقيقًا، ويمكن تحقيق ذلك من خلال إدخال أزرار استجابة للإشارة إلى الثقة والدقة.

ومن خلال دمج التعرف الاجتماعي على المحتوى الدقيق، يمكن للخوارزميات التي تضخّم المحتوى الشائع الاستفادة من الحشد الجماعي لتضخيم المعلومات الصادقة.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن منصات التواصل الاجتماعي تحتاج إلى البحث عن حلول إبداعية لمكافحة المعلومات المُضللة من دون المساس بتصميم تلك الأنظمة، وذلك من خلال إشباع حاجات المستخدمين للحصول على التقدير عبر مزايا تفاعلية كاستحداث علامة تظهر موثوقية المنشور أو وضع إشارات بألوان محددة بحيث يعبر كل لون عن درجة ثقة معينة في المحتوى المتداول.     

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى