في الرابع والعشرين من أغسطس الجاري، قررت قمة “بريكس” التي عقدت في مدينة جوهانسبرج توسيع التكتل المكون من (الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا) ليشمل 6 دول جديدة، وهي: السعودية والإمارات ومصر وإيران وإثيوبيا والأرجنتين، في تطور يمكن قراءته ضمن سلسلة من التحولات الجيواستراتيجية التي طرأت خلال العام الأخير على منظمات وتكتلات وأحلاف في مناطق مختلفة حول العالم، كجزء من حالة ارتدادية لتطورات كالحرب الروسية الأوكرانية، واحتدام المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، إذ ساهم هذان العاملان في تسريع التحول بعيداً عن النظام العالمي الذي يقوده الغرب نحو نظام جديد ما زال قيد التشكُّل بأُطره المؤسسية السياسية وهياكله الاقتصادية وتحالفاته العسكرية أيضًا.
- من “بريك” إلى “بريكس”
عندما صاغ الخبير الاقتصادي السابق في بنك جولدمان ساكس الأمريكي عام 2001 اختصار “بريك- BRIC” للإشارة إلى البرازيل وروسيا والهند والصين، لم يكن في ذهنه وجود تحالف يسعى إلى تحدي الهيمنة الغربية في الشؤون العالمية، بل كان يتناول فرص الاستثمار في الدول التي من المقرر أن تصبح من بين أكبر الأسواق الناشئة في العالم.
وفي عام 2006، التقى وزراء خارجية الدول الأربع على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك لإضفاء الطابع الرسمي على المجموعة، وبعد 3 سنوات انعقدت القمة الأولى لزعماء المجموعة، ثم انضمت جنوب إفريقيا إلى المجموعة في العام التالي 2010 لتصبح “بريكس- BRICS”، لكن مع موجة التوسع الراهنة يبدو أن الكتلة الآن لديها طموحات جيوسياسية واضحة.
ومن المعروف أن مجموعة بريكس تُحرِّكها دوافع يأتي في مقدمتها الاستياء من الممارسات والسياسات الغربية، لا سيما الاستخدام المُفرط والمتعسِّف لأداة العقوبات، وكذلك الشعور بالافتقار إلى إصلاح هيكل النظام العالمي، حيث مجلس الأمن الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، ومؤسسات التمويل الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي).
وتضم دول البريكس مجتمعة 3.24 مليار نسمة (41% من سكان العالم)، ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لها 26 تريليون دولار (يعادل 60% من الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة السبع) وهو يمثل 31.5% من الاقتصاد العالمي، متجاوزًا حصة مجموعة السبع البالغة 30.4 %.
وعلى الرغم من ذلك، فإن دول البريكس تحصل على 15% فقط من قوة التصويت في صندوق النقد الدولي، وهو مصدر لاستياء البلدان النامية من إدارة المؤسسات المالية الدولية، لذلك كان من اللافت إقبال كثير من الدول لا سيما في الجنوب العالمي على التقدم بطلبات للانضمام للتكتل، إذ كشفت وزيرة الخارجية والتعاون بجنوب إفريقيا، ناليدي باندور، قبيل قمة جوهانسبرج أن 23 دولة تقدمت بطلبات رسمية لعضوية المجموعة التي تكتسب أهمية في التعاملات التجارية العالمية (18% من التجارة العالمية).
- “بريكس+” والنظام العالمي
وبعد مداولات في جوهانسبرج شهدت في كواليسها شداً وجذباً بين الدول الأعضاء – لا سيما الصين والهند – في التكتل الذي يتخذ قراراته بالتوافق، جاء قرار دعوة كل من المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر وإثيوبيا وإيران والأرجنتين إلى الانضمام في يناير 2024، علما بأن مصر والإمارات عضوان بالفعل في “بنك التنمية الجديد” التابع لبريكس الذي تم إنشاؤه عام 2015.
وكان إدراج الأرجنتين، وليس أوروغواي، وهي عضو في البنك، مفاجئا. ويعتبر كذلك ضم إيران، الخاضعة لعقوبات أمريكية وغربية وأممية، المسألة الأكثر إثارة للجدل.
وعلى هذا النحو، يمكن اعتبار أن “بريكس” باتت على مسار أن تتطور لتصبح نظيرًا لمجموعة السبع في الشؤون العالمية، وهو ما من شأنه أن يخلف تأثيرًا عميقًا على العلاقات الدولية، ولكن طبيعة هذا التأثير تعتمد على رؤية التكتل لمستقبله، إذا بدا أن هناك اختلافًا في الرؤى بين الهند من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى حول الكيفية التي ينبغي للمجموعة أن تمضي بها قُدمًا، ففي حين تعتبر بكين وموسكو أن التكتل ساحة أخرى للنشاط السياسي المناهض للولايات المتحدة، وهو ما يبدو واضحًا من لهجة الخطاب الذي تبناه زعيما الدولتين خلال القمة، تسعى نيودلهي في المقابل لخوض محادثات مع مجموعة السبع حول سبل إصلاح النظام الاقتصادي والمالي الدولي والتعامل مع المشاكل العالمية، مثل تأثيرات تغير المناخ. وهو نهج قد يبدو جذابًا لكثير من البلدان النامية، التي ترغب في إصلاح النظام الاقتصادي والمالي الدولي الحالي، وترغب في التزام مبدأ عدم الانحياز بين القوى الكبرى.
لذلك يمكن القول بأن دول مجموعة “بريكس” لا يجمعها توافق تام إزاء رؤيتها للتعامل مع القضايا الدولية، أو تتمتع بانسجام داخلي بين الأطراف المؤسسة للتكتل، فعلى سبيل المثال الهند والصين بينهما صراع حدودي محتدم في منطقة الهيمالايا، وتربطهما علاقة متباينة مع الولايات المتحدة، ففي حين تخوض بكين منافسة وعداء مع واشنطن، فإن الأخيرة تربطها علاقة ودية وثيقة بنيودلهي.
- دعوة السعودية للانضمام
تعتبر دعوة السعودية للانضمام لبريكس إحدى ثمار السياسة الخارجية التي تنتهجها المملكة، والقائمة على الانفتاح المتوازن على كافة القوى في النظام الدولي، والانخراط الفاعل في الأطر المؤسسية متعددة الأطراف، وممارسة نمط من الدبلوماسية الاقتصادية التي تعزز من حضورها وتأثيرها في المحافل الدولية.
ومما لا شك فيه أن عضوية المملكة بثقلها الاقتصادي ونفوذها السياسي تُسهم في تعزيز قدرات البريكس على الساحة العالمية، فإضافة الاقتصاد السعودي إلى مجموعة بريكس يرتقي بالمؤشرات الإجمالية لحصة وتأثير التكتل في الاقتصاد العالمي، هذا فضلًا عن تعزيزه لقدرات “بريكس”، فعلى سبيل المثال يمكن أن توفر تلك العضوية السيولة التي تشتد حاجة الأذرع التمويلية للمجموعة إليها، مثل بنك التنمية الجديد، الذي لا يربط قروضه للدول الأعضاء بأي شروط سياسية.
وبالتالي سيكون لهذا البنك آفاق رحبة للنمو والتوسع والتحول إلى مصرف مهم في النظام المالي العالمي، كبنك أسسته الدول النامية والصاعدة ليعمل من أجلهم ويساعد في تحقيق الأهداف التنموية.
كما ستسهم عضوية السعودية في دعم استراتيجية المملكة القائمة على الانفتاح والتنوع، وتعزز من وصولها إلى شبكة قوية من الشركاء الاقتصاديين في ظل تحديات جيوسياسية عالمية متنامية، وتحقق قدرًا من التحوط ضد تقلبات النظام الاقتصادي العالمي الحالي الذي يرتبط بالاقتصاد الأمريكي.
وتأسيسًا على ما سبق يمكن القول بأن توسيع مجموعة البريكس يعد خطوة على مسار صياغة نظام عالمي جديد، ويعد أيضًا جزءًا من تحول تدريجي في تركيز التكتل من الاقتصاد إلى الجغرافيا السياسية، لكن يبقى أمام دول البريكس مهمة شاقة تتمثل في تأمين التوافق بين أعضائها لاتخاذ قرارات تُعزز من تكامل المجموعة، على رأسها إصدار عملة موحدة.