تقارير

هل سقط حزب الله من أجندة إدارة بايدن لمكافحة الفساد؟

في يونيو عام 2021، جعل الرئيس الأمريكي جو بايدن محاربة الفساد العالمي أولوية رسمية، ووجه مجلس الأمن القومي الأمريكي لإجراء مراجعة مشتركة بين الوكالات، وإصدار استراتيجية حكومية لمكافحة الفساد صدرت في ديسمبر من العام ذاته، بحيث أصبحت مكافحة الفساد العالمي لأول مرة تمثل “مصلحة أساسية للأمن القومي الأمريكي”. لكن هذا الأمر سيكون أكثر فاعلية إذا استهدف العلاقة التكافلية بين الجريمة المنظمة وتمويل الإرهاب والفساد، بحسب تقرير لمجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية.

  • أدوات متعددة لملاحقة شبكات تمويل الإرهاب

يمتلك الرئيس الأمريكي بموجب التشريعات والأوامر التنفيذية التي سنها أسلافه، مجموعة من الأدوات لملاحقة الجريمة المنظمة العابرة للحدود وشبكات تمويل الإرهاب. كما قام البيت الأبيض في عهد بايدن بتوسيع مجموعة أدواته في عام 2021، حيث عيّن منسقًا لوزارة الخارجية لمكافحة الفساد العالمي، وأنشأ المجلس الأمريكي لمكافحة الجريمة العابرة للحدود، وأصدر أمرًا تنفيذيًا بفرض عقوبات على الأشخاص الأجانب المتورطين في تجارة المخدرات العالمية غير المشروعة.

ومع ذلك، فإن ما ينقصه هو نهج متكامل قائم على فهم كيفية تقاطع هذه التهديدات، التي يتعين استهدافها في وقت واحد. فلا يكفي إعطاء الأولوية للفساد، بل يجب أن تلاحق استراتيجية بايدن لمكافحة الفساد كل من يتلقى الرشوة ومن يقدمها، وهنا تبرز ميليشيا حزب الله اللبنانية كمرشح مثالي.

  • الفساد كمصدر لتمويل المنظمات الإرهابية

تعمل المنظمات الإرهابية على تمويل نفسها بنفسها من خلال الانخراط في أنشطة إجرامية واسعة النطاق، تكون في كثير من الأحيان بالتعاون الوثيق مع العصابات الإجرامية الدولية. وتعتبر العلاقة بين تمويل الإرهاب والجريمة ليست بالأمر الجديد، فعلى سبيل المثال انخرط الجيش الجمهوري الآيرلندي، والكتائب الحمراء الإيطالية، ومنظمة “إيتا” الانفصالية في إقليم الباسك، والقوات المسلحة الثورية لكولومبيا وحركة طالبان، وتنظيما القاعدة و”داعش” في أنشطة إجرامية لجمع الأموال، بما في ذلك تجارة المخدرات والآثار والاتجار بالبشر وبيع الأعضاء.

وبالمثل، انخرطت ميليشيا حزب الله في العديد من الأنشطة الإجرامية، بما في ذلك غسل الأموال نيابة عن العصابات الإجرامية الدولية. وقد صنفت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب “حزب الله” منظمة إجرامية عابرة للحدود.

وفي 18 أبريل الماضي، وجهت وزارة العدل الأمريكية لائحة اتهام إلى رجل الأعمال ناظم سعيد أحمد و8 من مساعديه لدورهم المزعوم في صفقة احتيالية تتعلق بأعمال فنية وسلع فاخرة وأحجار كريمة، تم شراء العديد منها في الولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، عاقبت وزارة الخزانة شبكة ناظم الدولية، مؤكدة أنه ممول لحزب الله وشريك لممول حزب الله محمد بزي، الذي أدرجته وزارة الخزانة على قوائم العقوبات عام 2018، وقد اعتقلته السلطات الرومانية في بوخارست في فبراير الماضي، ومن المنتظر تسليمه إلى الولايات المتحدة.

وقد استفادت شبكة ناظم أحمد من “نفوذ ميليشيا حزب الله في الموانئ لنقل تلك الأعمال الفنية والسلع إلى لبنان دون دفع الضرائب والرسوم المطبقة، وهي إشارة مرجحة إلى حصول مسؤولي الهجرة والأمن والجمارك على رشى من حزب الله.  كما استفاد بزي من علاقته مع رئيس جامبيا السابق يحيى جامع لإدارة أعمال غير مشروعة مولت حزب الله في النهاية.

يتضح من ذلك أن الفساد يعد أداة مهمة في استراتيجية ميليشيا حزب الله للتمويل الذاتي من خلال الأنشطة غير المشروعة، وهو ما تم التأكيد عليه في تصنيفات وزارة الخزانة لعمليات حزب الله في جامبيا وغينيا وباراغواي.

  • انخراط حزب الله في أنشطة الفساد

تكثر الأمثلة على اعتماد “حزب الله” المنهجي على الفساد لتمويل أنشطته، ففي يناير الماضي، عاقبت وزارة الخزانة الأمريكية رئيس باراغواي السابق، هوراسيو كارتيس، ونائب الرئيس الحالي هوغو فيلاسكيز، لتورطهما في الفساد المستشري الذي يقوض المؤسسات الديمقراطية في باراغواي.

ووفقًا لوزارة الخزانة، فإن كلا السياسيين له علاقات مع أعضاء ميليشيا حزب الله، حيث قاما بمنح حزب الله امتيازات وعقودا حكومية ومعلومات عن جهود إنفاذ القانون ضد الميليشيا مقابل حصولهما على رشى، وهذا الأمر يستدعي عقوبات أمريكية ليس فقط ضد المسؤولين في باراغواي، ولكن أيضًا ضد عناصر حزب الله الذين قاموا بتقديم رشوة لهم.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن باراغواي، من أكثر البلدان فسادًا في أمريكا الجنوبية، حيث تحتل المرتبة 137 من أصل 180 في مؤشر الفساد لعام 2022 لمنظمة الشفافية الدولية.

ووفقًا لتقرير الاستراتيجية الدولية لمكافحة المخدرات لعام 2022 الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، تحولت باراغواي في السنوات الأخيرة إلى نقطة عبور رئيسية للاتجار بالمخدرات، لا سيما في منطقة الحدود الثلاثية التي تشترك فيها مع البرازيل والأرجنتين، إذ تعتمد عصابات الجريمة الدولية غالبًا على مساعدة مسؤولين حكوميين في عمليات التهريب.

وفي غينيا الواقعة في غرب إفريقيا، والتي تحتل مرتبة أسوأ من باراغواي في مؤشر الفساد العالمي، استغلت ميليشيا حزب الله اللبنانية العلاقات السياسية في ذلك البلد لتسهيل الأنشطة غير المشروعة. وخلال العام الماضي، عاقبت وزارة الخزانة الأمريكية اثنين من رجال الأعمال مزدوجي الجنسية “الغينية واللبنانية”، بتهمة تقديم رشوة لسلطات المطار لتسهيل عبور حقائب مليئة بالنقود موجهة إلى حزب الله في لبنان، وكانت لكليهما علاقات وثيقة مع الرئيس السابق لغينيا، ألفا كوندي، الذي عاقبته واشنطن مؤخرًا لدوره في انتهاكات حقوق الإنسان.

  • تأثيرات محتملة على قدرات حزب الله

مما لا شك فيه أن اتخاذ تدابير لمكافحة الفساد يسهم في تجفيف منابع ميليشيا حزب الله اللبنانية، ومن ثم التأثير على قدراتها في ممارسة الأنشطة التخريبية التي تزعزع الاستقرار في المنطقة.

وفي ظل تنامي التدابير الأمريكية التي تقيد العمليات المالية لحزب الله، أوردت تقارير إعلامية على مدى السنوات الأخيرة أن الموظفين في مؤسسات “حزب الله” الإعلامية والتربوية والطبية والعسكرية يشتكون من تخفيضات حادة في الرواتب والأجور.

ووفق تقرير صادر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، فقد أدى تراجع القدرات المالية للحزب إلى مواجهته تحديا صعبا حتى في حاضنته الأساسية المتمثلة في الطائفة الشيعية بلبنان، فالكثير منهم بدؤوا يشككون في الأجندة الحقيقية لحزب الله بعد احتجاجات عام 2019 والجهود الواضحة التي يبذلها الحزب لحماية المؤسسات الفاسدة، بينما يواجه الحزب المتظاهرين بعنف.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الترتيبات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط في المرحلة الراهنة، على صعيد الانفراجة في العلاقات بين القوى الإقليمية التي كان بعضها يشكل ظهيرًا داعمًا لحزب الله، وكذلك هدوء ساحات الصراع التي انخرطت فيها عناصر ميليشيا حزب الله، واتجاه البلدان المنكوبة بتلك الصراعات نحو مرحلة التسويات السياسية وإعادة الإعمار، يوحي بأن الحزب سيواجه ضائقة مالية أكبر خلال الأشهر القادمة، نتيجة للقيود التي ستعرقل نشاطه في تهريب المخدرات وتراجع الدعم المالي الذي كان يحصل عليه من دول بالإقليم، واشتداد الضغط الناجم من قواعده سواء منتسبيه من المقاتلين العائدين من سوريا أو جمهور الحزب الذي يئن تحت وطأة الأزمة الاقتصادية الطاحنة في لبنان.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن نهج الإدارة الأمريكية في مكافحة الفساد العالمي يجب أن يركز على استهداف العلاقة الوثيقة بين التنظيمات الإرهابية والأنشطة الإجرامية، وفي مقدمة تلك النماذج ميليشيا حزب الله التي تعتمد على الفساد والرشى ليس فقط داخل لبنان ولكن حول العالم، من أجل تأمين التمويل اللازم لممارسة أنشطتها التخريبية في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى