شكلت رؤية السعودية 2030 نقطة تحول فارقة في مسيرة تحديث المملكة وتعزيز مكانتها على الساحتين الإقليمية والدولية، فمنذ انطلاق تلك الرؤية الطموحة التي أطلقها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، في عام 2016، حققت المملكة قفزات نوعية ونهضة تنموية في شتى المجالات ومناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية في إطار ثلاثة محاور رئيسة، تتمثل في بناء اقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي ووطن طموح.
واعتمدت الرؤية وبرامجها المتعددة على استثمار مكامن القوة التي يتمتع بها الوطن الغالي، وفي مقدمتها الإنسان بوصفه صانع التنمية ومحورها وهدفها، ولم تقتصر أهدافها التنموية والاستثمارية على القطاعات الاقتصادية التقليدية، بل إنها اتجهت إلى توجيه الاستثمارات إلى قطاعات جديدة؛ كالترفيه والرياضة والسياحة.
وتعد الرياضة أحد الروافد الجديدة والمهمة في الاقتصاد العالمي، فهي محفز لتطوير البنية التحتية وتنشيط حركة الطيران والسفر، ما يجعلها قطاعًا جاذبًا للاستثمار، كما أنها أحد عناصر القوة الناعمة التي تعيد رسم الصورة الذهنية عن المملكة في العالم، وهو ما نسلط عليه الضوء في سياق هذا التقرير.
- مظاهر الاهتمام بالرياضة في السعودية
فتحت صناعة الرياضة في المملكة العربية السعودية فرصًا استثمارية كبيرة، وذلك في ظل مساعي الحكومة لتعزيز الرفاهية الجسدية والاجتماعية ونمط الحياة الصحي، وتشجيع المشاركة الواسعة والمنتظمة في الأنشطة الرياضية للوصول إلى نسبة 40 % بحلول عام 2030، وتنويع الاقتصاد، وتعزيز مساهمة قطاع الرياضة في الناتج المحلي الإجمالي.
وأولت القيادة الرشيدة للمملكة اهتمامًا كبيرًا بالرياضة اتخذ مظاهر مؤسسية في مقدمتها إنشاء وزارة مستقلة تُعنى بالرياضة لتحل محل الهيئة العامة للرياضة، مستهدفة بلوغ عدد من الأهداف منها زيادة نسبة الممارسة للرياضة والأنشطة البدنية، وصناعة رياضة تنافسية على مستوى عالٍ، وتطوير كفاءة وجودة المنشآت والمرافق الرياضية، بجانب تعزيز الاستدامة المالية للقطاع ومساهمته في دعم الاقتصاد الوطني.
كما أطلقت الحكومة عددًا من الاستراتيجيات الداعمة للقطاع، ومنها استراتيجية دعم الأندية في عام 2019 من أجل رفع مستوى الأندية الاقتصادي، وتحسين أوضاعها المالية، واستراتيجية دعم الاتحادات الرياضية السعودية في نوفمبر 2021 بميزانية تقدر بمليارين و600 مليون ريال سعودي ضمن برنامج جودة الحياة، والتي جاءت في ظل النمو الكبير في عدد الاتحادات الذي بلغ 91 اتحادًا ولجنة ورابطة رياضية بعدما كانت 32 اتحادًا فقط في عام 2015، كما سمحت المملكة أيضًا للمرة الأولى في عام 2020 بإنشاء شركات خاصة للاستثمار الرياضي بهدف ضمان الاستدامة المالية للأندية.
وفي إطار اهتمام المملكة بالأشكال الحديثة لممارسة الرياضات، أطلق سمو ولي العهد، حفظه الله، في سبتمبر الماضي الاستراتيجية الوطنية للألعاب والرياضات الإلكترونية؛ التي تستهدف جعل المملكة مركزًا عالميًا في قطاع الألعاب بحلول عام 2030.
- المملكة حاضنة للمسابقات الرياضية العالمية
ولم تقتصر الجهود السعودية على صعيد الاستراتيجيات والسياسات العامة المتصلة بقطاع الرياضة، بل اهتمت بالقدر ذاته بالأبعاد التنفيذية ما جعل المملكة حاضنة لمسابقات وبطولات وأحداث رياضية عالمية وإقليمية كبرى في شتى المجالات الرياضية، فعلى سبيل المثال استضافت رالي داكار، فورمولا 1، سباق إكستريم إي العُلا لسيارات الدفع الرباعي الكهربائية، بطولتي العالم لرفع الأثقال للشباب والملاكمة للوزن الثقيل، وكذلك مباريات مهمة في عالم كرة القدم؛ مثل كأسي السوبر الإسبانية والإيطالية، وإقامة مباراة تجمع نجوم الهلال والنصر السعودي أمام نادي باريس سان جيرمان الفرنسي.
كما فازت المملكة بحق استضافة دورة الألعاب الآسيوية الشتوية لعام 2029 في تروجينا، بمدينة نيوم، ولأول مرة في تاريخها فازت باستضافة دورة الألعاب الآسيوية لعام 2034.
وإلى جانب ذلك، استحدثت فعاليات رياضية؛ مثل بطولة الملك سلمان العالمية للشطرنج، وماراثون الرياض الدولي، وسباق كأس السعودية للخيل، وسباق طواف السعودية، وبطولة كأس الدرعية للتنس.
- استقطاب نجوم الرياضة العالمية.. كريستيانو رونالدو نموذجًا
ويعد استقطاب كبار الرياضيين العالميين أحد مؤشرات نهضة القطاع الرياضي في السعودية، وأبرزها الصفقة التاريخية لنادي النصر السعودي مع النجم البرتغالي العالمي كريستيانو رونالدو، والتي تتجاوز أبعاد الرياضة لتشكل قوة دفع كبيرة لتعزيز المملكة كوجهة سياحية جذابة، فانضمام رونالدو إلى الدوري السعودي يجعله أكثر جاذبية لنجوم الصف الأول في عالم كرة القدم العالمية، وفرصة لإبراز حجم التطور الذي تشهده المملكة من خلال إقامة شخصيات عالمية على أرضها.
وعلى صعيد اقتصادات كرة القدم، أدت تلك الصفقة إلى ارتفاع القيمة التسويقية الإجمالية لأندية دوري كأس الأمير محمد بن سلمان للمحترفين إلى 331 مليون يورو، وفقًا لموقع ترانسفير ماركت العالمي المتخصص في سوق وانتقالات اللاعبين.
- إسهام الرياضة في الناتج المحلي
تعتبر الرياضة من المنظور الاقتصادي والاستثماري، ركيزة مهمة تسهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي، وتعمل على تحريك عجلة الاستثمار وتوفير فرص عمل للشباب، وقد حققت الرياضة السعودية زيادة في نسبة المساهمة في الناتج المحلي من 2.4 مليار ريال إلى 6.5 مليار ريال، بنسبة تقدر بـ170 %، الأمر الذي يساعد على نحو واضح في تعزيز الاستدامة المالية للقطاع.
ووفقًا لتقرير وزارة الرياضة السعودية لعام 2020، أوجد قطاع الرياضة أكثر من 14 ألف وظيفة في ذلك العام وحده، كما زادت الوظائف في النوادي الرياضية خلال 3 سنوات بنسبة 129% بسبب العروض الرياضية الجديدة. وبينما ارتفعت الوظائف الإدارية بين عامي 2018 و2021، بنسبة 156 %، زادت فرص العمل في مجال الرياضة بأكثر من 114 %، بحسب تقرير نشره المجلس الأطلسي (مركز بحثي مقره واشنطن).
ويعد الأثر الاقتصادي للسياحة فائدة رئيسية أخرى لاستضافة الأحداث الرياضية في المملكة، حيث تساهم هذه الأحداث في زيادة عدد الزوار من جميع أنحاء العالم مما يؤدي لتعزيز الاقتصاد السعودي، فقد حققت الأحداث الرياضية في عام 2020 إيرادات بقيمة 36.9 مليون ريال سعودي من التذاكر وإنفاق الزوار، بحسب تقديرات وزارة الرياضة.
علاوة على ذلك ، يساهم قطاع الرياضة بشكل عام في الإنفاق على الفنادق وصناعة الضيافة، فعلى سبيل المثال ارتفعت معدلات إشغال الفنادق في الرياض بنسبة 58 % في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022 ، وبلغ معدل الإشغال في جدة 52 %، بزيادة 13 % تقريبًا عن عام 2021.
وتؤكد العديد من التقارير الدولية على وجود آفاق واعدة للاستثمار في الرياضة بالمملكة، إذ توقع تقرير لشركة “إيرنست آند يونغ”، وهي إحدى أكبر الشركات المهنية في العالم، أن تسجل قيمة صناعة الفعاليات الرياضية في المملكة نحو 3.3 مليار دولار أمريكي بحلول العام المقبل 2024، مشيرا إلى أن تطوير الرياضة يوفر إمكانات تنمية اقتصادية هائلة، فقد استطاعت المملكة خلال فترة قصيرة نسبيًا، التحول إلى وجهة مهمة تضم منظومة متنامية من الفعاليات الرياضية، وذلك باستضافتها عددًا من أهم الأحداث الرياضية في العالم، وهذا يعني وجود فرصة كبيرة أمام القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب والمحليين للعب دور مهم في تنمية هذه الصناعة، إذ يمكن للقطاع الخاص السعودي أن يضيف قيمة هائلة كمنظم للفعاليات الرياضية، ومزود للبنية التحتية الرياضية، ووكالات التسويق الرياضي.
وختامًا، إن تطوير صناعة الرياضة في المملكة العربية السعودية يسهم في إعادة رسم الصورة الذهنية عن المملكة في العالم بإبراز حجم التطوير الذي تشهده كل مناحي الحياة على أرض وطننا الغالي، ويروج للمملكة كوجهة سياحية رئيسية، كما يساهم في توفير آلاف فرص العمل لمجتمع شاب نابض بالحياة، فأكثر من ثلثي سكان المملكة تقل أعمارهم عن 35 عامًا.
وقد استطاعت المملكة تحقيق إنجازات عديدة على صعيد المنافسات الرياضية منذ إطلاق الرؤية الطموحة 2030، منها الوصول لنهائيات كأس العالم مرتين متتاليتين في روسيا 2018 وقطر 2022، بعد غياب عن نسختي جنوب إفريقيا 2010 والبرازيل 2014، كما سجلت فوزًا تاريخيًا بهدفين لهدف على منتخب الأرجنتين في افتتاح مشاركتها بمونديال قطر والذي تمكن لاحقًا من الفوز بالبطولة.