تقارير

كيفية علاج أزمة المصداقية على وسائل التواصل الاجتماعي

هل يجب أن تتحمل الشركات المالكة لوسائل التواصل الاجتماعي المسؤولية عن المحتوى المنشور على مواقعها، أم ينبغي أن تستفيد من امتياز الحياد الممنوح لها بموجب قانون آداب الاتصالات الأمريكي؟ تثير الإجابات بـ “نعم” أو “لا” الكثير من الخلاف والاستقطاب، وفي الوقت نفسه يثير المحتوى المتطرف بجميع أشكاله المخاوف. ويمكن القول بأنه من حيث المبدأ يجب التغلب على هذه التحديات بروح التعديل الأول للدستور الأمريكي عبر التركيز على الحقوق والالتزامات والفرص التي تمنحها منصات التواصل الاجتماعي للمستخدمين بوصفهم المستفيدين النهائيين من محتوى المنصات، سواء من حيث حرية التعبير أو الملكية الفكرية.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة “ذا ناشونال إنترست” الأمريكية مقالا لكل من  سورين آدم ماتي، زميل أول في معهد كراش لدبلوماسية التكنولوجيا بجامعة بيرديو بالولايات المتحدة، وتشارالامبوس باتريكاكيس أستاذ الهندسة بجامعة ويست أتيكا باليونان، وجورج لوكاس أستاذ الأمن السيبراني في جامعة غرينتش ببريطانيا، نستعرضه على النحو التالي:

 

  • التنظيم الذاتي لوسائل التواصل الاجتماعي:

وفقًا للمادة 230 من قانون آداب الاتصالات الأمريكي، “لن يتم التعامل مع أي مزود أو مستخدم لخدمة الكمبيوتر التفاعلية كناشر أو متحدث لأي معلومات مقدمة من مزود محتوى معلومات آخر”، ويعني ذلك أن شبكات الكمبيوتر ووسائل التواصل الاجتماعي على وجه التحديد، تشبه شبكات الطرق المفتوحة لأي شخص، لكن لا يمكن تحميلها المسؤولية عن أي حوادث مرورية.

وفي هذا السياق، ألقى كل من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والحالي جو بايدن باللوم على مبدأ “الانفتاح غير المسؤول” باعتباره سببًا لانتشار المحتوى الإشكالي حيث يرغبان في إلغائه، باعتبار أن تلك الخطوة قد تمهد لحل أزمة مصداقية المحتوى.

لكن إذا كان المحتوى الذي يتم مشاركته على وسائل التواصل الاجتماعي أقل من التوقعات، فنحن بحاجة إلى دفع الأشخاص أنفسهم للحكم على جودته وقيمته، ويتم ذلك بالفعل من خلال ميزة التعليقات المعتمدة عالميًا من قبل جميع منصات الشبكات الاجتماعية الرئيسية.

 

  • فشل تصميم وسائل التواصل الاجتماعي:

وتجدر الإشارة هنا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تعاني من فشل كبير في التصميم، إذ تركز على أزرار “الإعجاب” أو “المشاركة”، فعلى سبيل المثال يغرس “الإعجاب” استجابة عاطفية لدى المستخدمين، مما يؤدي أحيانًا إلى المبالغة، والنبرة اللاذعة، والهجمات الشخصية، وحتى اختراع الحجج والحقائق، ويمكن معالجة ذلك، جزئيًا على الأقل، من خلال إجراء تقني يتجنب التنظيم وتأثيره على حرية التعبير، حيث يمكن تقليم السلوكيات السلبية لمشاركة المعلومات عن طريق استبدال وظيفة “الإعجاب” بواسطة زر “الثقة”، والذي سيُوفر لوسائل التواصل الاجتماعي آلية التنظيم الذاتي.

علاوة على ذلك، فإن منصة الوسائط الاجتماعية ذاتية التنظيم التي تتبنى صراحة آليات الثقة ستعيدنا إلى الرؤية الأولية للإنترنت: الثقة في الأشخاص ليثقوا ببعضهم البعض والمحتوى الذي يرونه صالحًا، لكن الثقة مثل الائتمان المالي يجب اكتسابها وليس منحها.

من جهة أخرى تحتاج شبكات التواصل الاجتماعي إلى آلية ثقة اجتماعية تعمل بشكل مستقل عن آليات التحكم من أعلى إلى أسفل؛ فنحن بحاجة إلى آلية حوافز جديدة تبني الثقة وتحافظ على تفاعل المستخدمين مع وسائل التواصل الاجتماعي، مع إدراك أن الدافع الرئيسي لاستخدام المنصات الاجتماعية هو التعبير عن الذات، والذي يدعمه الرضا العاطفي من “الإعجاب” أو إعادة النشر بشكل إيجابي، فالمكافأة العاطفية للمنشورات أو التعليقات التي يتم الإعجاب بها أو التعليق عليها تغري الأفراد لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والبقاء على اتصال.

ومن أجل تشجيع المستخدمين على النظر في تأثير سلوكياتهم عبر الإنترنت، لا بد من تزويدهم بالمعلومات اللازمة للثقة أو عدم الوثوق بالمحتوى الذي يتعرضون له. بعبارة أخرى، يجب على وسائل التواصل الاجتماعي أن تنظم نفسها بنفسها وتتجنب التنظيم من أعلى إلى أسفل من خلال دعوة الناس للثقة بدلاً من “الإعجاب” بالمحتوى. وسيؤدي ذلك إلى إبطاء وقت رد الفعل، مما يتيح للمستخدمين الفرصة لاتخاذ قراراتهم بشأن من وما يثقون به.

 

  • أداة مبتكرة لبناء الثقة:

وضعت مجموعة “EUNOMIA” الاستشارية، التي أسسها الاتحاد الأوروبي عام 2020، مجموعة أدوات “ثقة” يمكن توصيلها بمعظم تجارب وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة تلك مفتوحة المصدر، إذ تطالب المستخدمين بالنظر في جودة المحتوى قبل “الإعجاب” به أو مشاركته، كما توفر آليات تقييم التعلم الآلي التي تعتمد على نماذج تمثيل اللغة بمعلومات حول أصل المنشور، ومحتواه العاطفي، ودرجة الذاتية، وغيرها من المعلومات التي قد تكون ذات صلة عند تقييم الجدارة بالثقة.

وتعمل آلية الثقة تلك على حماية المستخدمين من اتخاذ قرارات متهورة، فكل فعل يتم إجراؤه على الموقع – نشر محتوى جديد أو مشاركة محتوى موجود أو التعليق – يسبقه إشارات لمعلومات تدعم مثل هذه الإجراءات، حيث تتيح هذه الإشارات للمستخدمين معرفة ما إذا كان المحتوى الذي هم على وشك نشره غير موضوعي بشكل كبير أو لديه القدرة على التحريض أو يتضمن معلومات لم يتم التحقق منها.

فعلى سبيل المثال إذا كان المستخدمون على وشك إعادة مشاركة محتوى موجود، يتم إبلاغهم بسجل تتبع المنشئ الأصلي – كالمدة التي قضوها على الموقع وعدد المتابعين – ورحلة المحتوى وما إذا كان قد تغير منذ إنشائه الأصلي أم لا.

واللافت هنا، أن “EUNOMIA” أكثر من مجرد مجموعة أدوات، فقد دخلت في شراكة مع “Mastodon”، (برنامج مجاني ومفتوح المصدر لتشغيل خدمات الشبكات الاجتماعية ذاتية الاستضافة) التي تعد أكثر خدمات الوسائط الاجتماعية اللامركزية الأوروبية نجاحًا، حيث تقدم لأي منظمة القدرة على إنشاء تجربة وسائط اجتماعية خاصة بها، فعند تحسين “Mastodon”،  باستخدام مجموعة أدوات  EUNOMIA، يبدو البرنامج يعمل مثل تويتر، باستثناء بعض الميزات الأساسية. مثل: استبدال زر “أعجبني” البسيط بواسطة آلية دعم قرار “الثقة”، وتمكين أي منظمة من تثبيت خادم ” Mastodon” بجانب أدوات EUNOMIA، وهو ما يمنح هذا المؤسسات سيطرة مطلقة على من ينضم أو يبقى على خادمهم، وكيف يتم دعم النظام الأساسي ماليًا. وهنا يمكن أن تفرض بعض المؤسسات رسومًا، أو تستخدم الإعلانات أو جمع الأموال للأعمال الخيرية وتقديم خدمات مجانية كمؤسسات غير ربحية.

وأخيرًا، يمكن لكل خادم الارتباط بأي خادم آخر، مما يسمح للمستخدمين “بالثقة” في محتوى بعضهم البعض أو مشاركته أو إنشاء محتوى جديد جدير بالثقة عبر الخوادم. وتتغلب هذه الميزة على تأثير الشبكة الذي تستفيد منه الوسائط التقليدية، ومع وجود عدد أكبر من المستخدمين، يكون النظام الأساسي أكثر قيمة، ويكون المستخدمون أقل حماسة للتنقل بين الأنظمة الأساسية الأخرى.

وتأسيسًا على ما سبق، خلص المقال إلى أن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يجب أن يكونوا مسؤولين عن كلماتهم، لأن التركيز على القيود القانونية سيؤدي للتخلف عن قيمتين إنسانيتين أساسيتين هما الحرية والفرصة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى