تقارير

الشراكة السعودية المصرية.. حصن للأمة العربية

في دفعة جديدة لجهود التنسيق والتكامل في الرؤى والمواقف المشتركة إزاء التطورات الإقليمية والدولية، جاءت الزيارة الرسمية التي أجراها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الرياض، واشتملت على عقد سلسلة من اللقاءات والمباحثات مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله.
وقد عكست تلك الزيارة الرسمية المهمة بما تضمنته من محطات مختلفة رسائل متعددة تعبر عما تتسم به العلاقات المصرية السعودية من تميز وخصوصية ورسوخ وثبات، وتُعزز من القدرات الشاملة على مجابهة التهديدات التي تمس الأمن القومي العربي والتصدي لتدخلات أطراف إقليمية في الشؤون الداخلية لدول عربية شقيقة، وأطماع في ثروات ومكتسبات شعوب تلك الدول.
زخم مُتنامٍ في العلاقات السعودية المصرية
تستند العلاقات بين السعودية ومصر إلى أواصر راسخة من التاريخ والمصالح المشتركة، وتجسد نموذجًا يُحتذى به في الكثير من المجالات سواء السياسية أو الاقتصادية، فضلًا عن العلاقات الثقافية والدينية الممتدة. كما تعد تلك العلاقات ركيزة أساسية للعمل العربي المشترك، إذ اتسمت على الدوام بالحرص المتبادل على مواصلة التشاور والتنسيق إزاء أزمات المنطقة، دفاعًا عن قضايا ومصالح العالم العربي والإسلامي.
وتعتبر السعودية ومصر واحتين للاستقرار والتنمية والازدهار في المنطقة، إذ يشهد البلدان حاليًا نهضة غير مسبوقة تقوم على خطط تنموية شاملة تتمثل في رؤية المملكة 2030 ورؤية مصر 2030، وتفتح الرؤيتان آفاقًا واسعةً للتعاون التنموي، ويُسهل ذلك وجود إطار مؤسسي للتعاون يتمثل في مجلس التنسيق السعودي المصري، فضلًا عن أكثر من 70 اتفاقية وبروتوكولًا ومذكرة تفاهم بين المؤسسات الحكومية السعودية والمصرية.
وتعد العلاقات التجارية والاقتصادية انعكاسًا قويًّا لمتانة العلاقات السياسية بين البلدين، ومن مؤشرات ذلك أن مصر تأتي كثامن أكبر مستقبل للصادرات السعودية، بإجمالي تبادل تجاري في السلع البترولية وغير البترولية تخطى 7.5 مليار دولار، فيما تأتي المملكة كثاني أكبر مستثمر في مصر باستثمارات تجاوزت 6 مليارات دولار موزعة على نحو 500 مشروع.
وخلال الأعوام العشرة الماضية، تجاوز حجم التبادل التجاري المائة مليار دولار، وجاءت مصر في المرتبة الثانية بقائمة أكبر الدول التي تم إصدار رخص استثمارية لها بالمملكة خلال عام 2020 بإجمالي 160 رخصة، وبلغ حجم الاستثمارات المصرية في السعودية نحو 1.4 مليار دولار بنهاية عام 2020.
وتمثل مشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية المشتركة أيضًا نموذجًا ناجحًا للتعاون بين البلدين الشقيقين، ففي شهر أكتوبر الماضي وقّعت المملكة ومصر عقود ترسية مشروع الربط الكهربائي بينهما، الذي يسمح بتبادل ما يصل إلى 3 جيجاوات في أوقات الذروة، مما يوفر إمدادات الطاقة لأكثر من 20 مليون شخص باستخدام أحدث التقنيات وبأكبر قدر من الكفاءة.
أما على صعيد السياسة الخارجية، تنطلق مواقف كل من الرياض والقاهرة من ذات الثوابت المتمثلة في الرفض التام للتدخلات الخارجية في شؤون الدول العربية أيًّا كان مصدرها، ودعم كافة الجهود للحفاظ على سيادة واستقلال الدول العربية، والحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية.
محطات في زيارة الرئيس السيسي للمملكة
تضمنت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الرياض برنامجًا حافلًا، عكست كل محطة من محطاته حفاوة شديدة من جانب المملكة وقيادتها الرشيدة، حفظها الله، وشعبها الكريم، وبدا ذلك في استقبال سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، للرئيس المصري فور أن حطت طائرته بمطار الملك خالد الدولي، بحفاوة بالغة تجسدت في المصافحة والعناق، بجانب قيام طائرات الصقور السعودية باستعراض جوي رسمت خلاله ألوان العلم المصري ترحيبًا بوصول الرئيس السيسي إلى المملكة.
وظهرت أيضًا الحفاوة خلال جلستي المحادثات التي جمعت سمو ولي العهد والرئيس السيسي، وكذلك مباحثات خادم الحرمين الشريفين- حفظه الله- مع الرئيس المصري في قصر اليمامة، والتي أعقبها مأدبة غداء تكريمًا له.
وتجلى حجم الترابط بين قيادتي البلدين وودية وأخوية العلاقات في اصطحاب سمو ولي العهد للرئيس السيسي في جولة تفقدية لمعرض الدفاع العالمي بالرياض، وكذلك في جولتهما بحي الطريف التاريخي في الدرعية المسجل ضمن قائمة التراث العالمي في اليونيسكو، إذ ظهرا يجلسان في عربة يقودها سمو ولي العهد في مشهد يعكس العلاقة الوطيدة والاحتفاء الكريم بضيف المملكة، بينما لم يتقيد الرئيس المصري بالمظهر البروتوكولي الرسمي، إذ تخلى عن ربطة العنق في لفتة ذات دلالة على الارتياح، وعمق العلاقات والأجواء التي سادتها روح المودة والإخاء.
رسائل في المباحثات السعودية المصرية
وجهت القمة السعودية المصرية في الرياض مجموعة من الرسائل البليغة في اتجاهات عدة داخل الإقليم وخارجه، وهي رسائل يمكن استخلاصها من مضامين المحادثات، وكذلك من البيان المشترك الصادر في ختام زيارة الرئيس السيسي للمملكة.
فقد ركزت الرسائل التي تضمنتها المحادثات على تعزيز الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب، والارتياح لمستوى التعاون والتنسيق القائم بين البلدين، والتأكيد على أهمية دعم وتعزيز التعاون على الصعيدين العسكري والأمني، إلى جانب التعاون في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والتنموية. بالإضافة إلى أهمية ضمان أمن البحر الأحمر، والتشديد على أن الأمن القومي لدول الخليج جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وتأكيد مصر أنها لن تسمح بالمساس بأمن واستقرار أشقائها في دول الخليج.
كما شكّل صدور بيان مشترك في ختام زيارة الرئيس المصري للمملكة توثيقًا لنتائجها، وإعلانها للمحيطين الإقليمي والدولي بصوت سعودي مصري مشترك وعبارات واضحة، فجاءت محاوره مؤكدة على مواصلة التعاون الثنائي وبلوغه آفاقًا أكبر خلال المرحلة المقبلة، وكذلك التضامن بين الرياض والقاهرة في مواجهة التحديات الإقليمية التي تجابه البلدين، كما عكس التوافق حول أطر تسوية الأزمات التي تشهدها العديد من الدول العربية، فضلًا عن تأكيد الدعم السعودي المصري لتسوية عادلة للقضية الفلسطينية بوصفها قضية العرب الأولى، وتمثلت أبرز النقاط التي تضمنها البيان فيما يلي:
– دعم السعودية الكامل للأمن المائي المصري باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الأمن المائي العربي، ودعوة إثيوبيا للالتزام بتعهداتها بمقتضى القانون الدولي بما في ذلك اتفاق إعلان المبادئ الموقع في 2015 بخصوص سد النهضة.
– تضامن مصر الكامل مع المملكة في كل ما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها القومي، ورفض أي اعتداءات على أراضي السعودية، مع التأكيد على أن أمن المملكة ومنطقة الخليج العربي يعد جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.
– رفض أي محاولات لأطراف إقليمية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، أو تهديد استقرارها وتقويض مصالح شعوبها.
– تأكيد أهمية التعامل بشكل جدّي وفعّال مع الملف النووي والصاروخي لإيران بجميع مكوناته وتداعياته بما يُسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وتأكيد مبادئ حُسن الجوار.
– مواصلة الجهود لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة اليمنية، ورفض استمرار الميليشيات الحوثية الإرهابية في تهديد الملاحة البحرية.
– التأكيد على أهمية التوصل إلى تسوية شاملة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي وفقاً لحل الدولتين، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية.
– الحرص على تعزيز التعاون خصوصًا في المجال العسكري، وتعزيز العلاقات والشراكات الاستراتيجية.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن الشراكة الراسخة والزخم المتنامي في العلاقات السعودية المصرية يُشكّلان حائط صد منيعًا للدفاع عن مصالح البلدين بوجه خاص ومصالح الأمة العربية بوجه عام، من منطلق ما تتمتع به المملكة ومصر من مكانة وثقل إقليمي ودولي.

زر الذهاب إلى الأعلى