في تطور نوعي لأهداف الاعتداءات الإرهابية التي تشنها ميليشيا الحوثي ضد دول الجوار اليمني، وقع انفجار في صهاريج لنقل المحروقات، واندلع حريق في منطقة الإنشاءات الجديدة في مطار أبوظبي الدولي، رجحت التحقيقات الأولية أن يكونا ناجمين عن “طائرات دون طيار”، كما أكدت الإمارات احتفاظها بحقها في الرد على الهجمات الإرهابية والتصعيد الإجرامي الآثم من قبل الحوثيين، الذين أعلنوا بدورهم عن عملية عسكرية نوعية في العمق الإماراتي.
وبالتزامن مع ذلك أعلن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن الذي تقوده السعودية، عن إسقاط 8 مسيرات مفخخة كانت تستهدف المنطقة الجنوبية السعودية.
ولاقى الهجوم الإرهابي الجبان موجة من الإدانات العربية والدولية ودعوات لاتخاذ موقف حازم إزاء الإرهاب الذي تمارسه ميليشيا الحوثي بدعم وتوجيه إيراني واضح، حيث يستخدم نظام الملالي الحوثيين كأدوات لزعزعة أمن واستقرار المنطقة، وكورقة لمساومة الغرب من أجل انتزاع تنازلات في إطار المفاوضات المتواصلة في فيينا حول إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وهو ما تؤكده العديد من الشواهد إذ جاء الهجوم الإرهابي الحوثي بعد أيام من تصريحات لافتة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أكد فيها أن أمام طهران أسابيع فقط لإنقاذ الاتفاق النووي وإلا سيتم اللجوء إلى خيارات أخرى، منوها بأن إيران تقترب أكثر فأكثر من اللحظة التي يمكن فيها أن تنتج خلال فترة زمنية قصيرة جدا، ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع سلاح نووي.
ورغم عدم توضيح بلينكن ماهية تلك الخيارات التي سبق وأن لوح بها الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أكثر من شهر، فإن وزير الخارجية الأمريكي أشار إلى جهود تقوم بها واشنطن تتمثل في العمل مع شركائها في أوروبا والشرق الأوسط بشأن تلك الخيارات.
أما إيران، فأكدت على لسان المتحدث باسم خارجيتها، سعيد خطيب زاده أن “ما تبقى هي مواضيع مهمة ومحورية تحتاج إلى قرارات سياسية”، لا سيما من الولايات المتحدة، ويبدو أن طهران ظنت أنه في اعتداء إرهابي كهذا الذي استهدف مطار العاصمة الإماراتية رسالة لن تخطئها إدارة بايدن وتدفعه لنهج متساهل أمام المطالب الإيرانية في فيينا.
أهداف الحوثي من الاعتداء الإرهابي على مطار أبوظبي
إذا كان ما سبق يمثل المصلحة الإيرانية من وراء الهجوم، فإن الميليشيا الحوثية تبغي تحقيق مجموعة من الأهداف عبر ذلك الاعتداء الإرهابي، تتمثل فيما يلي:
تقليل الضغط العسكري الشديد الذي يتعرض له الحوثيون على جبهات القتال المختلفة سواء في شمال أو جنوب اليمن، حيث تتلقى الميليشيا ضربات عسكرية متتالية من قبل طيران التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية في إطار عملية حرية اليمن السعيد، والتي ألحقت بالحوثيين خسائر فادحة على صعيد المقاتلين والعتاد.
وفي الجنوب، تمكنت قوات ألوية العمالقة الجنوبية الموالية للحكومة الشرعية من السيطرة على جميع مديريات محافظة شبوة، وذلك ضمن عملية “إعصار الجنوب” العسكرية، التي انطلقت مطلع العام الجاري.
إظهار القدرة على الاستهداف لرفع المعنويات المدمرة لعناصر الميليشيات، بعدما أدت الخسائر الميدانية والصفعات الاستخباراتية التي وجهها التحالف العربي للحوثيين إلى إرباك صفوف التنظيم الإرهابي لدرجة دفعت مسلحيهم في بعض الحالات لترك معداتهم خلف ظهورهم والفرار هربًا من القتال وهو السيناريو الذي حدث في مركز مديرية نعمان بمحافظة البيضاء، وتخشى قيادات ميليشيا الحوثي تكراره في باقي مديريات البيضاء، وكذلك في مأرب الغنية بالنفط، والتي تشكل السيطرة عليها ورقة قوة تحسن من موقفهم التفاوضي في أي مفاوضات لإنهاء الصراع.
واتصالًا بمسألة استعراض القدرة يبرز أيضًا السبب في استهداف أبوظبي وليس دبي رغم أنها تعتبر العاصمة الاقتصادية، فالإرهابيون الحوثيون استهدفوا مطارا بالعاصمة لما لذلك من دلالة رمزية، على الرغم من أن دبي تعتبر العاصمة الاقتصادية للإمارات العربية المتحدة.
إضافة أوراق جديدة لابتزاز المجتمع الدولي، حيث جاء الهجوم الإرهابي الجبان استكمالًا لخطوات استفزازية، واستخفافًا بالمجتمع الدولي، وتهديدًا لمصالحه المرتبطة باستقرار الإقليم وسلامة وأمن ممرات الملاحة البحرية، إذ رفضت ميليشيا الحوثي الاستجابة لبيان صادر عن مجلس الأمن الدولي دعاها إلى الإفراج عن السفينة “روابي”، التي اختطفتها قبالة السواحل اليمنية، زاعمة أن السفينة التي ترفع علم الإمارات كانت محملة بالأسلحة.
تضامن المملكة مع الإمارات سياسيًا وعسكريًا
أدانت السعودية بأشد وأقسى العبارات، الهجوم الإرهابي الجبان الذي استهدف مطار أبوظبي الدولي، ويمكن استخلاص أبرز مضامين الموقف السعودي من خلال فحوى اتصال سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، بالشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، والتي تمثلت فيما يلي:
إدانة الهجوم الإرهابي السافر الذي تعرضت له السعودية والإمارات من قبل ميليشيا الحوثي الإرهابية ونتج عنه وفاة عدد من المدنيين في الإمارات.
التأكيد على أن هذه الأعمال الإرهابية تزيد من عزم البلدين وتصميمهما على الاستمرار في التصدي لتلك الأعمال الإرهابية العدوانية التي تنفذها قوى الشر بهدف زعزعة أمن المنطقة واستقرارها ونشر الفوضى.
ضرورة وقوف المجتمع الدولي في وجه هذه الانتهاكات الصارخة للقوانين والأعراف الدولية برفض وإدانة هذه الجرائم الإرهابية التي تهدد السلم والأمن الإقليمي والدولي.
وقد انعكس التضامن السعودي مع الشقيقة الإمارات، بشكل عملي عبر إعلان التحالف العربي عن بدء ضربات جوية في صنعاء استجابة للتهديد والضرورة العسكرية، حيث تم استهداف قيادات إرهابية شمال العاصمة اليمنية الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي، كما أكد التحالف أن الموقف العملياتي يتطلب استمرار الضربات استجابة للتهديد.
المواقف العربية والدولية من الهجوم الإرهابي الحوثي
وقد قوبل الاعتداء الإرهابي الحوثي بإدانات واسعة من قبل الدول العربية والغربية والهيئات والمنظمات، التي جمع بين غالبيتها قواسم مشتركة منها وصف الهجوم بالإرهابي والعمل الإجرامي الجبان، والتحذير من خطورة الحوثيين على أمن واستقرار المنطقة، وتأكيد مساندة الإجراءات التي ستتخذها الإمارات دعمًا لأمنها، وذلك في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الخارجية الإماراتية أنها تحتفظ بحقها في الرد، وتتوعد بأن هذا “الاستهداف الآثم” لن يمر دون عقاب.
وفيما يلي أبرز المواقف العربية والدولية بعد الهجوم الحوثي الإرهابي:
مصر: أكدت تضامنها، حكومةً وشعبًا، مع الإمارات، وإدانة أي عمل إرهابي تقترفه ميليشيات الحوثي لاستهداف أمن الإمارات واستقرارها وسلامتها، مشددة على دعمها لكل ما تتخذه أبوظبي من إجراءات للتعامل مع أي عمل إرهابي يستهدفها.
قطر: اعتبرت أن استهداف المنشآت المدنية والمرافق الحيوية عملًا إرهابيًّا ينافي كل الأعراف والقوانين الدولية، مشددة على موقفها الثابت من رفض العنف والأعمال الإرهابية التي تستهدف المدنيين والمنشآت المدنية.
لبنان: أدان رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي ذلك التعدّي السافر الذي يندرج في سياق تهديد الأمن والاستقرار في الإمارات، وضمن مخطط يهدف إلى البلبلة وتوجيه رسائل دموية.
البحرين: وصفت الهجوم بأنه اعتداء إرهابي جبان يمثل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني وجميع القوانين الدولية، ويبرهن على إصرار الميليشيات الحوثية الإرهابية على مواصلة اعتداءاتها الإجرامية الجبانة.
الأردن: أكد إدانته واستنكاره الشديدين لهذا الاعتداء الإرهابي الجبان، وتضامن عمّان ووقوفها المطلق إلى جانب الإمارات.
الكويت: شددت على خطورة سلوك مليشيات الحوثي وضرورة تحرك المجتمع الدولي، ولا سيما مجلس الأمن، لوضع حد لهذا السلوك العدواني وصيانة الأمن والسلم الدوليين.
العراق: أدان بشدة الهجوم، مؤكدًا على موقف بغداد بالوقوف ضد أي اعتداء ورفض التصعيد في المنطقة، مجددًا الدعوة إلى حلِّ الأزمات بالطرق السلميّة ومن خلال المفاوضات.
مجلس التعاون لدول الخليج العربية: اعتبر الهجوم جريمة حرب تعرض حياة المدنيين للخطر، وهو ما يتطلب محاسبة الإرهابيين بما يتوافق مع القانون الدولي والإنساني.
جامعة الدول العربية: أكدت ضرورة “وقوف المجتمع الدولي صفًا واحدًا في مواجهة هذا العمل الإرهابي الذي يُهدد السلم والاستقرار.
منظمة التعاون الإسلامي: نددت بشدة بهذه العملية النكراء، مؤكدة وقوفها مع دولة الإمارات، وتأييدها في ما تتخذه من إجراءات لحماية أراضيها وأمنها.
وعلى الصعيد الدولي، أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الهجوم الحوثي، مشيرًا إلى أن القانون الإنساني الدولي يحظر الهجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية، داعيًا إلى التحلي بأقصى قدر من ضبط النفس.
وفي واشنطن، أعرب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في اتصال مع نظيره الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد، عن “إدانة واستنكار بلاده” للهجوم الحوثي على مناطق ومنشآت مدنية على الأراضي الإماراتية، كما أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان أن الولايات المتحدة ستعمل مع الإمارات والشركاء الدوليين لمحاسبة الحوثيين.
من جانبه، أدان الاتحاد الأوروبي في بيان، الهجوم الحوثي على الإمارات، قائلاً إن استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية أمر “غير مقبول”. كما اعتبرت الخارجية الفرنسية أن الهجوم يمثل تهديدًا لاستقرار المنطقة.
سيناريوهات ما بعد الهجوم الإرهابي الحوثي
ويبقى السؤال الأبرز الذي يشغل المراقبين حاليا، ماذا عن السيناريوهات المتوقعة بعد الهجوم الإرهابي الحوثي؟ وهو ما يمكن أن نستعرضه عبر ثلاثة سيناريوهات:
السيناريو الأول: يتمثل في تصعيد عسكري على كافة جبهات القتال ضد الحوثيين في اليمن، ردًا على اعتدائهم الإرهابي، وهو السيناريو الأقرب للحدوث، بالنظر إلى إعلان الإمارات أن الهجوم الحوثي لن يمر دون عقاب، فضلًا عن وجود إرادة قوية لدى كل من التحالف العربي بقيادة السعودية وقوات الحكومة اليمنية الشرعية على مواصلة العمليات العسكرية باعتبارها اللغة الوحيدة التي تفهمها ميليشيا الحوثي ومن ورائها إيران.
أما السيناريو الثاني فيفترض تحرك دولي –أمريكي بالأساس- لإجبار الحوثيين على وقف الاعتداءات الإرهابية والتعاطي بإيجابية مع جهود المبعوثين الأممي والأمريكي لليمن والمبادرات المطروحة للتسوية وفي مقدمتها المبادرة السعودية، وهذا السيناريو يتطلب اتخاذ خطوات أكثر حزمًا تجاه الحوثيين على رأسها قيام إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بتصنيف الحوثيين “جماعة إرهابية”، وهو القرار الذي اتخذه سلفه دونالد ترامب لكن بايدن قام بإلغائه بدعوى إفساح المجال أمام المفاوضات وعدم عرقلة وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين إلى مناطق سيطرة الحوثيين، وهي أهداف لم تتحقق حتى الآن، بل أدت لتمادي الحوثيين في سلوكهم الإجرامي واعتداءاتهم الإرهابية.
وبالنسبة للسيناريو الثالث فيتمثل في استمرار دائرة المراوحة الراهنة بين دعوات دولية خجولة لتسوية الأزمة اليمنية دون تحرك جاد عبر إجراءات عملية، ومعارك متواصلة على مختلف الجبهات ليبقى الوضع في اليمن على ما هو عليه منذ الانقلاب الحوثي على الشرعية، ويظل اليمن كبرميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن الهجوم الإرهابي الذي استهدف مطار أبوظبي ما هو إلا دليل جديد على الطبيعة الإرهابية لميليشيا الحوثي، وعملها على تنفيذ أجندات إيران التخريبية التي تضر بأمن واستقرار شعوب المنطقة ومصالحها وعلى رأسهم الشعب اليمني الذي أدت لإطالة الأزمة والمعاناة التي يعيشها نتيجة لتحويل الحوثيين اليمن ساحة لمغامرات النظام الإيراني ومخططاته التخريبية.
وأخيرًا، سيظل التوصل إلى تسوية للأزمة اليمنية وما يترتب عليها من ارتدادات إقليمية مسألة بعيدة المنال حال استمرار موقف المجتمع الدولي المتراخي إزاء السلوك الحوثي الإرهابي والتغاضي عن الدعم الإيراني للميليشيا الإرهابية.
6 دقائق