في الخامس والعشرين من ديسمبر الماضي، أطلق التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية عملية عسكرية واسعة النطاق في إطار القانون الدولي الإنساني بعد تصعيد ميليشيا الحوثي الإرهابية لهجماتها التي تستهدف المدنيين والمنشآت والأعيان المدنية في المملكة، وقد ألحقت عمليات التحالف خسائر فادحة بالحوثيين ليس فقط على صعيد الأسلحة والعتاد والأفراد، بل على الصعيد المعنوي أيضًا من خلال اختراق استخباراتي ومعلوماتي للهرم القيادي للميليشيا المدعومة من إيران، مُوثّق بأدلة صوتية ومرئية.
وأمام تلك الضربات الموجعة المتتالية، لم يجد الحوثيون سوى انتهاج “استراتيجية الهروب للأمام”، وهي استراتيجية المهزوم المأزوم، التي تعكس الإحباط وقلة الحيلة، حيث ظنت الميليشيا الإرهابية أن السبيل لتخفيف الضغط عليها هو تفجير أزمات أخرى أكبر وأكثر تعقيدًا، وفقًا لأسلوب إدارة الأزمة بالأزمة”، فقامت بعملية قرصنة بحرية استهدفت سفينة الشحن التجارية “روابي” التي ترفع علم دولة الإمارات أثناء إبحارها قبالة سواحل الحُديدة لاستغلالها كورقة للمساومة، وهو ما أثار موجة إدانات واسعة من جانب الدول العربية والغربية والمنظمات الدولية؛ لما في ذلك الفعل الإجرامي من انتهاك واضح للأمن والاستقرار الدوليين، ولحرية الملاحة العالمية، واستخفاف بجميع مبادئ القانون الدولي.
دوافع الحوثيين لاختطاف السفينة
شكّل الدافع الرئيسي وراء إقدام الميليشيا الحوثية على اختطاف السفينة “روابي” رغبتهم في تخفيف الضغط العسكري المكثف الذي يواجهونه، وتشتتهم عبر القتال في عدد من الجبهات، فبينما وجه التحالف العربي ضربات جوية في صنعاء استطاعت تدمير مخازن لأسلحة الحوثيين وورش لتجميع وتفخيخ الطائرات المسيّرة، قام أيضًا بشن غارات استهدفت الميليشيا الإرهابية في مأرب وشبوة، ووفّر إسنادًا جويًّا مُهمًّا مهّد لتقدم ألوية العمالقة التابعة للجيش اليمني في محافظة شبوة، مما أدى إلى تحرير مديرية بيحان والقرى المحيطة بها ذات الأهمية الاستراتيجية، التي تشرف على عديد من الطرق والممرات كانت تستخدمها الميليشيات الحوثية كشرايين إمداد وتعزيز قادمة من محافظة البيضاء الواقعة تحت سيطرتها.
وقد انتهج الحوثيون بخطوتهم الإجرامية المتمثلة في عملية القرصنة بالبحر الأحمر، سياسة التصعيد مع كافة الأطراف سعيًا لإيجاد مخرج ولو مؤقتًا لأزمتهم، ظنًّا أن تهديد الملاحة في تلك المنطقة الحيوية، وتحديدًا في مضيق “باب المندب” الذي يمر من خلاله 10% من التجارة العالمية سيدفع المجتمع الدولي والإقليمي لانتهاج مقاربة مختلفة إزاء الأزمة اليمنية.
ورافقت جريمة القرصنة الحوثية ادعاءات كاذبة بشأن طبيعة نشاط السفينة، بالزعم أنها تحمل أسلحة وذخائر، وقد عمل الحوثيون في سبيل ذلك على تغيير حمولتها بوضع أسلحة محل المعدات الخاصة بتشغيل المستشفى السعودي الميداني في جزيرة سقطرى.
التحالف العربي يعرّي الحوثيين بالأدلة والوثائق
وإزاء ذلك المشهد، واصل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن فضح أكاذيب وادعاءات الحوثيين، وكشف خيوط التآمر الحوثي- الإيراني وممارساته الإرهابية ضد اليمن وشعبه ودول المنطقة، إذ استعرض أدلة تشمل صورًا ومقاطع فيديو تكشف بصمات الحرس الثوري الإيراني في التخطيط لتلك الجريمة، واستخدام الحوثيين الموانئ لأغراض عسكرية عبر تحويلها إلى مخازن وورش لتجميع الصواريخ الباليستية، وتجهيز الزوارق المفخخة المسيّرة عن بُعد.
وقد تضمن المؤتمر الصحفي الذي عقده التحالف في الثامن من يناير الجاري، مجموعة من الرسائل والمضامين المهمة، تمثلت فيما يلي:
– الكشف عن تكتيكات الحوثيين في استهداف الملاحة بالبحر الأحمر من خلال الزوارق المفخخة وزرع الألغام في البحر، وهو ذات الأسلوب الذي تنتهجه إيران في مضيق هرمز وبحر العرب.
– إبراز القدرات الاستخباراتية للتحالف عبر استعراض أسماء المشاركين في عمليات القرصنة الحوثية في البحر الأحمر وتحديد مسؤولياتهم، وفي مقدمتهم الإرهابي منصور السعدي مسؤول عمليات القرصنة الحوثية بميناء الحُديدة.
– عرض أدلة التورط الإيراني التي تمثلت في تجميع الصواريخ الإيرانية في ميناء الحُديدة، ومواقع مخازن صواريخ إيران الباليستية قرب الحُديدة، واستخدام منظومة الصواريخ “نور” الإيرانية لاستهداف السفن، والدور المشبوه للسفن الإيرانية في منطقة العمليات، ممثلًا في السفينة الإيرانية سافيز والسفينة العسكرية بهشاد وكذلك السفينة “تباندا”، فضلًا عن إشراف قائد الحرس الثوري في صنعاء المدعو حسن إيرلو على عمليات القرصنة، في إشارة إلى السفير الإيراني لدى الحوثيين الذي أعلنت إيران وفاته قبل أسابيع بفيروس كورونا بعد وصوله طهران للعلاج.
– الرصد الدقيق للاعتداءات على حركة الملاحة، حيث ارتكب الحوثيون 13 انتهاكًا على السفن التجارية انطلاقًا من الحديدة، فضلًا عن مهاجمة القاطرة “رابغ 3” جنوب البحر الأحمر، واستهداف ناقلة النفط السعودية “بقيق”.
– تسليط الضوء على إمعان ميليشيا الحوثي في انتهاك القانون الدولي، عبر استغلال ميناء الصليف عسكريًّا، وتجنيد الأطفال، واتخاذ المدنيين دروعًا بشرية.
كما وجه التحالف ثلاث رسائل، الأولى للحوثيين وهي رسالة تحذير، مفادها أن استخدام الميليشيا الإرهابية لميناء الحديدة وميناء الصليف في أغراض عسكرية يسقط الحصانة الدولية عنهما كموقعين مدنيين، ويجعلهما هدفًا عسكريًّا مشروعًا. أما الرسالة الثانية فهي موجهة إلى المجتمع الدولي بالحديث عن الرغبة في التوصل إلى حل سياسي شامل عبر التأكيد على أن المبادرة السعودية لحل الأزمة اليمنية ما زالت مطروحة، والتطلع للعمل مع الشركاء الدوليين والأمم المتحدة ومبعوثها الخاص.
وفيما يتعلق بالرسالة الثالثة فكانت موجهة إلى اليمنيين، بدعوتهم إلى الاتحاد، وتجنب الخلافات الحزبية، والتشديد على دعم التحالف للجيش الوطني اليمني، والتزامه بحماية المدنيين والوقوف مع الشعب اليمني.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن أعمال القرصنة التي تمارسها الميليشيا الحوثية الإرهابية بدعم وتخطيط إيراني تُمثّل تهديدًا خطيرًا لحرية الملاحة البحرية في باب المندب والبحر الأحمر، ويُبرهن على إصرارها على زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، ويتطلب من المجتمع الدولي تحمل مسؤوليته في التصدي لذلك الإرهاب من خلال اتخاذ مواقف حازمة تجاه الحوثيين عبر تجفيف منابع تسليح الميليشيا الإرهابية، وقطع الطريق على أي منفذ للإمدادات الإيرانية إليهم، وكذلك التفكير في مقاربة أكثر عملية لتأمين حرية الملاحة في تلك المنطقة الاستراتيجية، كتشكيل قوة بحرية دولية بقرار من مجلس الأمن الدولي؛ لمكافحة أعمال القرصنة والإرهاب، على غرار ما حدث في الصومال قبل سنوات.
3 دقائق