في السادس والعشرين من ديسمبر الجاري، نشر التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية، مقطع فيديو يعرض أدلة على تورط ميليشيا حزب الله اللبناني في حرب اليمن، عبر إرسال خبراء وعناصر إلى مطار صنعاء لمساعدة ميليشيا الحوثي على إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة في إطار الهجمات الإرهابية التي يشنها الحوثيون من الأراضي اليمنية ضد المدنيين والأعيان المدنية في المملكة.
وأماط ذلك المقطع اللثام عن التعاون الوثيق بين هذه الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران من أجل تنفيذ مشروع نظام الملالي التخريبي في المنطقة، الذي تحشد طهران في سبيله شبكة من الميليشيات الطائفية في عدد من الدول العربية، وتجاهر قيادات تلك الميليشيات بولائها لإيران وتأتمر بأمر ميليشيا الحرس الثوري الإيراني، إذ تسعى إيران إلى تحريك تلك الأذرع المسلحة لتوسيع نفوذها دون التورط المباشر في أعمال عسكرية، وتمثل الطائرات دون طيار “الدرونز” أداة رئيسية في تنفيذ ذلك التكتيك الإيراني الخبيث.
المملكة توجه صفعة استخباراتية قوية لإيران وحزب الله والحوثيين
شكلت الإحاطة الإعلامية التي قدمها العميد الركن تركي المالكي المتحدث باسم القوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية في اليمن، صفعة قوية لكل من إيران والحوثيين وحزب الله بعدما كشف خلالها عن اختراق استخباراتي كبير طال قيادات الصف الأول لميليشيا الحوثي، وتحديدًا لاجتماعات رئيس الاستخبارات العسكرية للحوثيين الإرهابي أبو علي الحاكم، إذ عرض التحالف مقطع فيديو بالصوت والصورة لقيادي من حزب الله اللبناني الإرهابي يعطي توجيهات لرئيس الاستخبارات العسكرية للحوثيين -المطلوب رقم 5 في قائمة المطلوبين التي وضعها التحالف- فضلًا عن انتقادات لاذعة للخلافات التي تدور بين عناصر ميليشيا الحوثي. كما عرض التحالف فيديو آخر يقوم أحد خبراء حزب الله الإرهابي بتدريب الحوثيين على تفخيخ الطائرات المسيرة من داخل أحد المقرات بمطار صنعاء الدولي.
وتوجد ثمة دلالات مهمة تعكسها مقاطع الفيديو التي نشرها التحالف يمكن إجمالها في النقاط التالية:
إن إعلان التحالف العربي بقيادة المملكة عن ذلك الاختراق الاستخباراتي يمثل تكتيكًا بارعًا لخلخلة صفوف الحوثيين، حيث يدفع هذا الاختراق قيادات الحوثيين إلى حالة من الصدام الداخلي والارتباك، بحثًا عن مصدر الاختراق، كما يظهر هشاشة المنظومة الأمنية للحوثيين، ويؤكد أن اليد الطولى للمملكة قادرة على الوصول للحوثيين وقياداتهم أينما كانوا.
كشف مقطع الفيديو أن الميليشيا الحوثية مجرد أدوات بيد ميليشيا الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، فهم بيادق تحركهم طهران للعبث بأمن واستقرار المنطقة، فأكبر قادتهم يجلس بحضرة مرتزق لبناني كمندوب عن نظام الملالي ليتلقى الأوامر دون أي قدرة على المناقشة، فهو لا يملك سوى السمع والطاعة، فالقرار السياسي تملكه إيران وإدارة المعركة يقودها حزب الله اللبناني بتوجيه إيراني.
أظهرت التسجيلات بكل وضوح تحويل ميليشيا حزب الله والحوثي مطار صنعاء إلى منصة للإرهاب، بعدما بات قاعدة عسكرية لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة ضد المنشآت والأعيان المدنية بالمملكة.
محورية الدور الذي تلعبه ميليشيا حزب الله اللبناني في تنفيذ أجندة إيران التخريبية ومشروعها التوسعي في المنطقة، والذي ظهر في انخراط الحزب في الحرب السورية أيضًا بجانب الميليشيات الإيرانية هناك.
وجود ثمة اتجاه لنقل العناصر الإرهابية من جبهات القتال في سوريا بعدما تراجعت وتيرة الحرب هناك بدرجة كبيرة، إلى الجبهة اليمنية من أجل مساندة الحوثيين في ظل الضربات الموجعة التي ألحقها بهم التحالف العربي، ولا سيما مع استمرار مساعي ميليشيا الحوثي دون جدوى في السيطرة على محافظة مأرب الغنية بالنفط، آخر معقل للحكومة اليمنية الشرعية في الشمال.
اعتراف القيادي بحزب الله باستخدام الحزب والحوثيين ميناء الحديدة كشريان لتهريب الأسلحة، يظهر أهمية تضييق الخناق على الحوثيين فإحكام السيطرة على المنافذ الجوية والبحرية في اليمن يعني قطع الطريق أمام الإمدادات الإيرانية بالمال والسلاح والعتاد والمرتزقة والعناصر الإرهابية.
دعم حزب الله وراء زيادة هجمات الحوثيين الإرهابية
بالإضافة إلى ما عرضه التحالف من أدلة دامغة عن التحالف الشيطاني بين الحوثيين وحزب الله رصدت الولايات المتحدة الأمريكية والكثير من التقارير الغربية خلال الفترة الأخيرة العديد من المؤشرات على الاتصالات بين الميليشيات في اليمن ولبنان، والتي تتم بتوجيه إيراني، وكان لها انعكاس واضح على التصعيد العسكري الحوثي الذي يقوض كل الجهود المبذولة على صعيد التسوية السياسية للأزمة اليمنية، وفي مقدمة تلك الجهود تأتي المبادرة السعودية لإنهاء الأزمة اليمنية، والتي تفسح المجال لانتشال اليمن من أتون الفوضى والصراع.
ويشير تقرير لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية إلى أن الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، لعب دورًا محوريًا في دعم الحوثيين عسكريًا منذ منتصف عام 2015، فكانت البداية بتدريب الحوثيين على قصف أهداف على الحدود السعودية اليمنية، بقذائف هاون وصواريخ كاتيوشا، قبل أن تتطور الأسلحة التي يتم استخدامها في تلك الممارسات العدوانية، لتصبح أطول مدى وذات شحنات متفجرة أكثر قوة.
كما عمل حزب الله على تطوير تكتيكات الحوثيين العسكرية، ومساعدتهم في تجميع واستخدام وصيانة الصواريخ والطائرات دون طيار والأسلحة والأنظمة الأخرى، وقد أكد مسؤولون في الاستخبارات الأمريكية أن “حزب الله” وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ينشطان في اليمن.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن بصمات حزب الله بدت واضحة في عدد من مجالات التخطيط للعمليات الإرهابية التي يشنها الحوثيون، والتدريب على استخدام العبوات والصواريخ المضادة، وأيضًا الإعلام الحربي، وهو ما يؤكده التماثل التام في الطابع الخاص بالتقارير التي يبثها الحوثيون حول أنشطتهم الإرهابية مع نفس أسلوب حزب الله.
كما يشارك عناصر من حزب الله في المعارك على جبهات القتال في اليمن رغم نفي الحزب مرارًا وتكرارًا، فعلى سبيل المثال خسر حزب الله 8 عناصر بينهم قائد ميداني قتلوا في ضربة جوية استهدفت رتلًا عسكريًا للحوثيين في محافظة صعدة في 25 يونيو 2018، ومؤخرًا على جبهة مأرب لقي القيادي بحزب الله أكرم السيد حتفه، وتشير تقارير صحفية إلى أنه دخل الأراضي اليمنية في أغسطس 2017 على رأس مجموعة من عناصر الحزب، وقد توجه مطلع شهر ديسمبر الجاري إلى جبهات جنوبي مأرب، لقيادة العمليات هناك، حيث قتل إثر قصف مدفعي للجيش الوطني اليمني في جبهة أم ريش بمحافظة مأرب، حسبما أعلن وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني.
ووفقًا لتقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (مركز أبحاث في واشنطن)، فإن قيام ميليشيات “حزب الله” الإرهابية بتقديم الدعم للحوثيين في اليمن، وتدريبهم وتزويدهم بالسلاح أتاح الفرصة لتكثيف هجماتهم وعملياتهم التخريبية الرامية لزعزعة الاستقرار في المنطقة؛ فخلال الأشهر التسع الأولى من عام 2021، بلغ متوسط هجمات الحوثيين على المملكة السعودية 78 هجومًا شهريًا بإجمالي 702 هجوم، مقارنة بنفس الفترة من عام 2020، والتي بلغ فيها المتوسط الشهري 38 هجومًا.
وبحسب التقرير، نُفذت هجمات الحوثيين بشكل أساسي بواسطة طائرات دون طيار “درونز”، غالبًا ما تستخدم ضد البنية التحتية المدنية السعودية، فضلًا عن هجمات بحرية على ناقلات النفط وأهداف أخرى، إذ رصد التقرير أن الحوثيين شنوا 24 هجومًا أو محاولة هجوم باستخدام طائرات دون طيار بين يناير 2017 ويونيو 2021 معظمها حول الموانئ اليمنية على الرغم من أن الهجمات الأخيرة لم تعطل بشكل كبير شحن النفط أو إنتاجه.
وفي ذات الإطار، لعب حزب الله دورًا في دعم الحوثيين ماليًا عبر تهريب الأموال، إذ أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في 22 أغسطس الماضي مكافأة مالية قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن خليل يوسف حرب المستشار المُقرّب من الأمين العام حسن نصر الله، والذي قام بتحويل مبالغ مالية كبيرة إلى حلفاء حزب الله اللبناني في اليمن، في إشارة للحوثيين.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن التطورات الأخيرة على الساحة اليمنية، وما كشفه المؤتمر الصحفي للمتحدث باسم التحالف العربي لدعم الشرعية، هي رسالة واضحة للمجتمع الدولي بضرورة التكاتف، واتخاذ موقف حازم تجاه إيران لإجبارها على التوقف عن اللعب بورقة الميليشيات المسلحة في المنطقة، وهي الورقة المفضلة لها والتي تستغلها لخدمة مخططاتها التوسعية، ولتخفيف الضغوط عليها في محادثات فيينا المتعلقة بإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.
كما ظهر بشكل جلي أن الحوثيين ليسوا شركاء جادين لصنع السلام وتحقيق الاستقرار، فهم لا يملكون قرارهم، فإرادتهم مسلوبة وبوصلة تحركهم هي مصالح نظام الملالي وليس مصلحة الشعب اليمني، شأنهم في ذلك شأن ميليشيا حزب الله اللبناني وغير ذلك من الأذرع المسلحة التابعة لإيران في المنطقة الذين يغلبون ولاءاتهم التنظيمية والطائفية على ولائهم للوطن وللعروبة، وهم السبب وراء تفاقم معاناة الشعوب في الدول التي يوجدون فيها، ولعل وضع الشعب اليمني واللبناني خير شاهد على مآل ارتهان إرادة الدولة وسلطتها بيد تلك المليشيات.
من جهة أخرى، شكلت تصريحات المتحدث باسم التحالف العربي حول تفسير الحوثيين الصبر الاستراتيجي للتحالف بطريقة خاطئة، وتأكيده أن التحالف إذا “غضب أوجع”، وهذا بمثابة رسالة تحذير واضحة وإنذار أخير إلى ميليشيا الحوثي وقياداتهم بالعدول عن المسار الذي يسلكونه حاليًا، لا سيما وأن قياداتهم واجتماعاتهم وأماكن اختبائهم مكشوفة للتحالف، وهي رسالة للمجتمع الدولي بأن اللجوء إلى تكثيف العمليات العسكرية ضد الميليشيا الإرهابية خلال الفترة القادمة لا يتعارض مع مبادرة المملكة لتسوية الأزمة اليمنية التي قابلها الحوثيون بتصعيد عسكري، يستلزم الرد بقوة أكثر ردعًا.