تقارير

البلاغة البصرية في الإعلانات

تعتبر الإعلانات وسيلة أساسية تلجأ إليها الشركات من أجل زيادة وتيرة بيع المنتجات ومضاعفة الأرباح، وتستخدم الشركات في إعلاناتها كلمات جذابة وصورًا ساحرة تكون قادرة على استغلال نقاط الضعف العاطفية عند الجمهور، وذلك في سبيل خلق الرغبة في شراء المنتج أو الحصول على الخدمة، وهو ما يُطلق عليه البلاغة البصرية كأداة للتواصل وتحقيق الهدف النهائي المتمثل في الربح.
فيمكن وصف البلاغة البصرية بأنها شكل من أشكال الاتصال الذي يستخدم الصور للتعبير عن المعنى أو بناء حجة، وعلى الرغم من أن الأوصاف لا تعبر عن فكرة محددة، فإن المفاهيم التي لا يمكن التعبير عنها بالكلمات في الإعلانات يمكن تحقيقها غالبًا من خلال الاستعارات وغيرها من الأوصاف البلاغية.
تعريف البلاغة البصرية وأنواعها
ظهر مصطلح البلاغة البصرية في عام 1972 على يد دوجلاس آيننجر الذي عرفه بأنه المجال الذي يدرس جميع الطرق التي يمكن أن يؤثر بها البشر على تفكير وسلوك بعضهم البعض من خلال الاستخدام المنظم للرموز، أي أنها “فن التواصل الموجه”، بينما عرفها آخرون بأنها استكشاف كيف يحقق عرض المعلومات وتنظيمها معنى، أي أنها المنظور الخطابي للصورة الذي يمكن تمييزه بالتركيز على واحد أو أكثر من الجوانب التالية:
طبيعة الصورة: الاعتراف بالعناصر المقدمة والمقترحة.
وظيفة الصورة: كيف تؤثر على مشاهديها.
تقييم الصورة: باستخدام معايير لمعرفة ما إذا كانت الصورة تنجز وظيفتها أو من خلال التفكير في الآثار والنتائج المترتبة على تلك الوظائف.
هذا ويتوافق تحليل هذه العناصر تمامًا مع عناصر التكوين الأيديولوجي للدراسات الثقافية.
ووفقًا لما سبق يمكن القول إن البلاغة البصرية هي جزء من عملية الاتصال البصري تتأثر بمتغيرات معقدة تساعدنا على تفسير الأشياء التي نراها ونجعل لها معنى بهدف زيادة فاعلية عملية تبادل المعاني وتعزيز عملية الاتصال ذات الارتباط بالثقافات والمعاني، بهدف إنشاء المعنى وبناء الحجة وخلق المتعة وجذب الانتباه.
وترتبط البلاغة البصرية بتأطير الرسالة وطريقة الإقناع الفعال، ويتم ذلك وفقًا لثلاثة عوامل أساسية تعرف بـ”المثلث البلاغي” الذي يتألف من:
– نداء إلى الأخلاقيات: وهو وسيلة لإقناع الجمهور من خلال سلطة أو مصداقية القائم بالإقناع سواء كان شخصيةً بارزةً أو خبيرًا في المجال أو شخصًا مشهورًا.
– جاذبية العاطفة: طريقة تستهدف إقناع الجمهور بحجة من خلال إنشاء استجابة عاطفية للنداء العاطفي.
– نداء إلى المنطق: وهو وسيلة لإقناع الجمهور بالعقل، من خلال استخدام الحقائق والأرقام.
ولذلك فإنه عند مشاهدة أي إعلان يعتمد الحكم الجمالي على الخبرات البصرية لدى المشاهدين، مما يترتب عليه حكمهم بشأن مدى الثقة والفهم والتفاعل مع الإعلان.
المعنى والدلالة في البلاغة البصرية
تُشكل الدلالة المباشرة المعنى الذي يفهم بشكل محدد أو المعنى الشائع الذي اصطلحنا على الربط بينه وبين الدال، وبينما تحدد القواميس والمعاجم اللغوية الدلالة المباشرة للكلمات في اللغة اللفظية، فإن الدلالة المباشرة للعلامات التي ترى في الصورة المرئية تتمثل في ما يتعرف عليه المشاهدون مباشرة من أشياء في الصورة بغض النظر عن اختلاف ثقافاتهم، ولا يمكن فصل الدلالة المباشرة للعلامة عن الدلالة المصاحبة للصور الدعائية التي ترتبط بالثقافة الاجتماعية والجوانب النفسية والشخصية كالعواطف والمعتقدات، ولذلك فهي متعددة المعاني مختلفة التفسيرات بعكس الدلالة المباشرة، ومع ذلك فإن تفسيرها يتوقف على فهم الشفرات الاجتماعية التي يشترك فيها كل من المرسل والمستقبل.
والصورة في الإعلان هي الدال والمعنى هو المدلول، وتقوم بالعديد من الوظائف منها الجمالية والتوجيهية والإيحائية والدلالية، وتكمن إشكالية العلاقة بين النسقين الأخيرين في تحديد أيهما الأهم فالشق البصري بإيحاءاته والشق اللفظي بدلالاته مكملان لتحقيق هدف الإعلان، فما يقدمه الجانب الإخباري يتم بصورة مباشرة، ويؤكده الجانب الأيقوني بصورة غير مباشرة لما تتضمنه الصورة من إيحاء وترميز؛ وهو ما يحتم تحليل الرموز واستكشاف إيحاءاتها، فمعناها لدى المتلقي بشكل عام ينتج من خلال التداخل بين التمثيلين الرمزي والأيقوني، ويعتبر التمثيل البلاغي للصورة الدعائية سواء كان رمزيًا أو أيقونيًا لغة خاضعة للتطور تنمو من خلال التداول الإنساني اليومي، فالأيقونة تجربة بصرية أما الرمزية فهي نتاج تجارب اجتماعية وثقافية ونفسية ودينية ذات هوية، فالصورة الدعائية تستعمل لإثارة المتلقي ذهنيًا ووجدانيًا من أجل التأثير فيه حسيًا وحركيًا لاقتناء المنتج محل الإعلان أو مشاركة الأفكار محور الحملة الإعلانية.
الصيغ البلاغية البصرية وترجمتها تشكيليًا في الإعلان
لا تأتي العلامة في الإعلان بمفردها وإنما تكتسب قيمتها من التعارض والتقابل مع العلامات الأخرى لتشكيل المعنى في إطار شبكة من العلاقات، وتستخدم الصورة في الإعلان عن العلاقات بين العلامات لتشكيل المعنى الذي تتضمنه، حيث يقوم مصمم الإعلان بجمع العلامات المرئية معًا في الصورة لتصبح بمنزلة علامة كبرى، ويمكن أن نطلق على نمط العلاقة السياقية التي تجمع هذه العلامات معًا لفظ “صيغة”، إذ تقوم هذه الصيغ البلاغية بوظائف مهمة بالنسبة إلى مشاهد الإعلان تتراوح بين تكثيف دلالة الصورة أو إحلال الرمز محل أشياء أخرى بدلًا من عرضها بذاتها، وذلك من أجل إبراز المعنى الذي لا تكفي الدلالة المباشرة للعلامة لتوضيحه، وتتمثل هذه الوظائف في الآتي:
– “التجسيد Visualization”: أي جعل المعنوي والمجرد متجسدًا في صورة حسية مرئية.
– “الإيجاز-Concision “: بحيث ينوب الرمز عن الشرح الطويل أو الوصف المسهب.
– “الإحلال-Displacement”: إذ يتم تفادي التعرض لأمور حساسة مثل الأمور العنصرية أو الوحشية أو السرية بإحلال الرمز محل الشيء الذي لا يصرح به.
كيفية تطبيق التحليل الأسلوبي على محتوى الإعلانات المرئية؟
يقصد بالتحليل الأسلوبي بأنه دراسة التعبير والنغمات العاطفية وإيقاع التركيز والتماثل والنشوة والعناصر الترابطية التي تضع الأسلوب في نمط أو نظام معين. كما أنه يعد أسلوبًا فكريًا ونفسيًا واجتماعيًا يستخدم القيم اللغوية كوسيلة للتواصل.
ويتألف التحليل الأسلوبي من 4 مستويات يتم من خلالها التحليل، وهي:
المستوى الصوتي: يتعامل مع دراسة النمط الصوتي للغة معينة وكيفية نطق الكلمات في النص من خلال دراسة المستوى الصوتي.
المستوى الخطي: يحلل التعبير عن اللغة التي تتميز عن كتابات الآخرين، كما أنه يركز على الخصائص الفيزيائية للنص.
المستوى النحوي: يتعامل في هذا المحتوى مع البنية الداخلية للجملة، وكيف يمكن تجميع الكلمات معًا.
المستوى المعجمي: في هذا المستوى يتم دراسة الكلمة المفردة في نص معين.
وتشتمل وحدات تحليل مكونات الإعلان على ما يلي:
الألوان: حيث التعرف على الدلالات والمعاني المختلفة لكل لون وفقًا لتوظيفها البلاغي في الإعلان.
الخلفيات: التعرف على مدى التباين الذي تخلقه الخلفيات في الإعلانات.
الخطوط: من خلال التعرف على أنواع الخطوط ودلالاتها في الكتابة داخل الإعلان سواء كانت خطوطًا أفقية، أو رأسية، أو مائلة.
الإضاءة: التي تستخدم في الإعلانات لجذب الانتباه إلى كافة محتويات الإعلان .
الظلال: تُحاكي بدقة طريقة تصور الجمهور للهيئات على الطبيعة.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن عملية تفسير الإعلانات ليست مجرد عملية فك ترميز ولكنها عملية تخليق نشطة، حيث يتم توسيع المعنى وتفصيله لينخرط الجمهور المعني في عمليات تنطوي على الإدراك والعاطفة.
وعلى هذا، نخلص إلى أن البلاغة البصرية في الصورة الدعائية بمخزونها الدلالي أصبحت أداة اتصالية عالية التأثير الثقافي والبصري والجمالي، وقادرة على إدراك الرسالة الإعلانية، كما أن إجادة توظيفها في المحتوى الإعلاني تستلزم تفهم مصممي الإعلانات لعملية التفكير البصري ونظريات تفسير الإدراك البصري التي تؤثر في جودة استخدام أسس وعناصر الإعلان، وهو ما يعني وجوب إيلاء مزيد من الاهتمام بتدريس علم الدلالات في كليات ومعاهد الإعلام والاتصال، فضلًا عن تشجيع البحوث ذات الصلة بالبلاغة البصرية.

زر الذهاب إلى الأعلى