تقارير

المجتمع الدولي ومسؤولية إنهاء أزمة اليمن

تمثل الأزمة اليمنية إحدى أكثر الأزمات تعقيدًا على أجندة المجتمع الدولي ومؤسساته الحكومية والإنسانية، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة المعنية بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وتجلى ذلك الاهتمام في تعيين مبعوث أممي لليمن، حيث تعاقب على تلك المهمة 3 دبلوماسيين بدءًا من المغربي جمال بنعمر ومرورًا بالموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد ووصولاً إلى المبعوث الحالي البريطاني مارتن غريفيث الذي يستعد لمغادرة منصبه قريبًا، لكن المحصلة أن الأزمة لم تراوح مكانها إن لم تزدد استفحالًا بالنظر إلى تداعياتها لدرجة تصنيفها كأسوأ أزمة إنسانية في العالم.

ويعود ذلك الأفق المسدود إلى السلوك المتعنت من قبل الحوثيين ورفضهم أي دعوات ومبادرات للتسوية السياسية، فهم لا يرغبون في الحوار، ويتمسكون بحمل السلاح لنهب ثروات اليمن وقمع المواطنين، وشن هجمات إرهابية تستهدف المملكة في محاولة يائسة للنيل منها لوقوفها في صف الشرعية ودفاعها عن إرادة اليمنيين في مواجهة مخططات إقليمية توسعية يخطط لها النظام الإيراني. كما يتحمل المجتمع الدولي أيضًا جانبًا من المسؤولية عما يحدث في اليمن لتقاعسه عن التحرك الجاد والفاعل لكبح جماح تلك الميليشيا وإيران الداعمة لها.

في المقابل، انتهجت المملكة العربية السعودية سياسة ترتكز إلى ثلاثة محاور لمعالجة الأزمة اليمنية تجمع بين الحل السياسي لدفع جهود التسوية، والأداة العسكرية للدفاع عن الشرعية في اليمن والتصدي للاعتداءات الحوثية، أما المحور الثالث فيتمثل في المساعدات الإنسانية لتخفيف معاناة اليمنيين.

حراك دبلوماسي أمريكي يتعثر في دفع مسار التسوية

ويشير موقع “DiplomacyModern” المتخصص في الشأن الدبلوماسي، إلى أنه مع وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السلطة في يناير الماضي، طرأت العديد من التغييرات في السياسة الأمريكية تجاه اليمن، وتسارعت الجهود الإقليمية والدولية لحل الأزمة اليمنية، وقد أكد بايدن في أول خطاب حول سياسته الخارجية أن الحرب “يجب أن تنتهي”، معلنًا عن حزمة من القرارات التي تتعلق بسياسة واشنطن تجاه الأزمة اليمنية من أبرزها تعيين الدبلوماسي الأمريكي تيم ليندركينغ مبعوثًا خاصًّا إلى اليمن. كما جاء إلغاؤه قرار إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية في سياق المقاربة الأمريكية الجديدة للملف اليمني، وبدعوى أن ذلك جزء من مسار تقديم الإغاثة الإنسانية، والعمل على وقف الصراع من خلال التفاوض، ودعم جهود السلام التي تبذلها الأمم المتحدة.

لكن في المقابل، رد الحوثيون بتصعيد هجماتهم وتوسيعها نحو محافظة مأرب الغنية بالنفط، في محاولة للسيطرة على مناطق مهمة ومد نفوذهم إلى أكبر عدد ممكن من المناطق لفرض وجودهم وتحسين موقفهم التفاوضي في أي مفاوضات لإنهاء الصراع.

وشهدت الرياض وعدد من عواصم المنطقة حركة دبلوماسية أمريكية نشطة خلال تلك الفترة، حيث التقى المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، والسفير الأمريكي لدى اليمن كريستوفر هينزل، مسؤولين سعوديين ويمنيين وعمانيين، كما تم لقاء مع المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، إضافة إلى لقاء في العاصمة العمانية مسقط مع رئيس الوفد التفاوضي لجماعة الحوثي محمد عبد السلام.

مراوغة الحوثيين بتجزئة مسارات التفاوض

وفي ظل ذلك الحراك الدبلوماسي، قادت المملكة العربية السعودية خطوة مهمة بإعلانها في 22 مارس الماضي عن مبادرة لإنهاء الأزمة اليمنية والتوصل إلى حل سياسي شامل يتضمن وقف إطلاق للنار تحت إشراف الأمم المتحدة، وإعادة فتح مطار صنعاء الدولي، وبدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة، ورغم الترحيب الواسع بتلك المبادرة إقليميًّا ودوليًّا، وموافقة الحكومة اليمنية عليها، رفضتها ميليشيا الحوثي بالقول في تصريحات على لسان قيادييها، وبالفعل عبر شنّ هجمات إرهابية استهدفت المنشآت والأعيان المدنية جنوب المملكة، لكن الدفاعات الجوية السعودية كانت لها بالمرصاد.

وشهدت مسقط خلال الأشهر القليلة الماضية تحركات مكثفة، عمل خلالها مبعوثا الأمم المتحدة والولايات المتحدة إلى اليمن على نقل مقترحات في محاولة لدفع المبادرة السعودية لوقف إطلاق النار واستئناف المشاورات السياسية، ورغم كل هذا الزخم الدبلوماسي، لا يوجد تقدم في المفاوضات حتى الآن، نتيجة تعلل الوفد التفاوضي الحوثي برئاسة محمد عبدالسلام بعدم وجود صلاحيات لدى الوفد لحسم بعض أمور الخلاف.

وفي محاولة ربما تكون الأخيرة لمبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث، الذي من المفترض أن يغادر منصبه قريبًا بعد تعيينه مساعدًا للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، قام بزيارة إلى صنعاء الأسبوع الماضي للقاء قادة الحوثيين، وذلك للمرة الأولى منذ ما يزيد على عام، حيث دعا غريفيث خلال زيارته إلى صنعاء إلى الاستفادة من الزخم الدبلوماسي الإقليمي والدولي لإنهاء الحرب ووقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أن هناك قدرًا استثنائيًّا من الإجماع الدبلوماسي لدعم وقف إطلاق النار.

في المقابل، يصر الحوثيون على انتهاج أسلوب يقوم على فصل المسارات العسكرية والسياسية والإنسانية للأزمة اليمنية عن بعضها البعض، وذلك في مناورة خبيثة لإطالة أمد الأزمة، ويشكل هذا التكتيك الحوثي- الإيراني أساسًا لتبرير رفض المبادرة السعودية المدعومة من الأمم المتحدة، والتي تربط رفع الحظر عن مطار صنعاء ودخول المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة باعتباره جزءاً من حزمة حلول متزامنة تتضمن وقفًا شاملًا لإطلاق النار في جميع المحافظات.

تقاعس المجتمع الدولي عن معاقبة الحوثيين لعرقلتهم الحل السياسي

ويشير موقع “DiplomacyModern” إلى أنه على الرغم من كل ما قامت به الولايات المتحدة بالتعاون مع القوى الأوروبية والمبعوث الأممي في العمل على الملف اليمني قرابة ثلاثة أشهر حتى الآن، لا يوجد تغيير أو اختراق لجلب الأطراف إلى طاولة الحوار وإيقاف إراقة الدماء، ويرجع ذلك إلى عدد من الأسباب المرتبطة بالأوضاع الميدانية والإقليمية والدولية، في مقدمتها رغبة الحوثيين في تحقيق المزيد من المكاسب العسكرية على الأرض، لا سيما في الحرب الدائرة على أطراف مدينة مأرب آخر معقل للحكومة اليمنية في الشمال، لذا يرون أن الحكومة هي التي يجب أن تقدم تنازلات وليس هم. أما الحكومة اليمنية فترى أن الجانب الإنساني لا ينفصل عن الجانب العسكري، وأن رفع الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة دون الاتفاق على صيغة لوقف إطلاق النار سيكون مكسبًا إضافيًّا للحوثيين لتعزيز قوتهم وقدراتهم.

وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن المجتمع الدولي يتحمل المسؤولية كونه لم يكن صريحًا وواضحًا في تحركاته بين أطراف النزاع ولم يحدد الطرف الذي يعرقل أي تسوية سياسية مطروحة، ويرى مراقبون للشأن اليمني أنه لا توجد إرادة دولية حقيقية وتحديدًا من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الذي يتمتع بكل الصلاحيات لفرض العقوبات والتدابير الحاسمة، لكن تشابك وتضارب مصالحهم جعل قضايا وملفات الشرق الأوسط محل نزاع، فأي قرارات قوية وحاسمة يطرحها البعض يعارضها البعض آخر، كما يربط الكثيرون قضية اليمن بملفات أخرى في المنطقة مثل محادثات إحياء الاتفاق النووي الإيراني في فيينا.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إنه على الرغم من الجهود الدولية والزخم الدبلوماسي غير المسبوق الذي حدث مؤخرًا، خاصة مع وصول بايدن إلى السلطة في الولايات المتحدة وتعيينه مبعوثًا خاصًّا لليمن، فإن تلك الجهود لم تفض إلى وقف الاعتداءات الحوثية وجلوس الأطراف اليمنية على طاولة المفاوضات حتى الآن.

وعلى هذا، لن تتمكن الجهود الدولية من أن تتوصل إلى اختراق أو أي تقدم ملموس لحل الأزمة اليمنية، إلا إذا كانت هناك مصداقية في التعامل مع الأزمة وردع الحوثيين الذين يعرقلون التسوية السياسية، وهذا الردع يتحقق بتكثيف الضغوط على تلك الميليشيات، وإيران الداعم والموجه للحوثيين.

زر الذهاب إلى الأعلى