تقارير

جماعة الإخوان في حكومة إسرائيل.. قراءة تحليلية

في سابقة هي الأولى من نوعها، شاركت الحركة الإسلامية الإخوانية في تشكيل الحكومة الائتلافية الجديدة في إسرائيل جنبًا إلى جنب مع غلاة اليمين المتطرف، لتسقط ورقة التوت عن جماعة الإخوان التي لطالما تاجرت بالقضية الفلسطينية، وسعت لاحتكار دور المدافع عن القضية، وتوزيع صكوك الوطنية المزعومة على أتباعها وحلفائها، وتشويه كل من يعادي الجماعة باتهامات التخوين والعمالة لكل التيارات السياسية في مختلف الأقطار على مدى سبعة عقود هي عمر الصراع العربي الإسرائيلي.

وفي الوقت الذي شنت فيه الجماعة وأذرعها الإعلامية هجومًا على ممارسة بعض الدول العربية حقها السيادي في إدارة علاقتها الخارجية بعدما وقّعت كل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب اتفاقات لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، التزمت الجماعة الصمت التام إزاء مشاركة حركة منبثقة عنها في تشكيل الحكومة الإسرائيلية بعدما كانت في أدبيات الجماعة وخطابها الإعلامي حكومة صهيونية محتلة.

تاريخ طويل من التلاعب الإخواني والمتاجرة بالقضية الفلسطينية

منذ بداية تأسيس جماعة الإخوان المسلمين على يد حسن البنا وهي تتخذ من القضية الفلسطينية محورًا مركزيًّا لتجنيد الأتباع وغسيل عقولهم، واللعب على وتر البعد الديني للصراع، واستخدام مفاهيم تعزز من أهدافهم، كالحديث عن الجهاد لتحرير الأرض بدلاً من مفهوم المقاومة المنصوص عليه في القانون الدولي، فقد سعى البنا إلى طبع القضية بأيديولوجية الجماعة وفصلها عن إطارها العروبي والوطني، كما كانت القضية وسيلة أساسية لجمع التبرعات وتوفير التمويل اللازم لأنشطة الجماعة.

ولطالما رفعت الجماعة شعارات الشهادة من أجل تحرير القدس في إطار مزايدات سياسية على الحكومات العربية، والمطالبة بما سمّته “فتح باب الجهاد” لتحرير فلسطين، كما هاجمت الجماعة اتفاقية كامب ديفيد عام 1977 واتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 ووصفتها بأنها استسلام، واعتبرت أن السلام مع إسرائيل تم بالإكراه، في إطار خطاب لدغدغة المشاعر يستهدف تسجيل مكاسب سياسية ومادية.

لكن شهوة السلطة لدى الجماعة كانت كفيلة بإظهار حجم الزيف والتناقض في خطابات الإخوان وأفعالهم، فعندما تمكن الإخوان من الوصول إلى الحكم في مصر عام 2012 تبخرت خطابات العداء تجاه إسرائيل، وظهر الود والصداقة في رسالة بعث بها محمد مرسي خلال توليه الحكم إلى الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، استهلها بوصف بيريز بـ”عزيزي وصديقي العظيم” واختتمها بتوقيعه مسبوقًا بعبارة “صديقكم الوفي”.

واللافت أن الجماعة في حينها سعت للتهوين من الخطاب بالقول إنه مجرد صيغة بروتوكولية متعارف عليها في مثل هذه الخطابات، وبعد الإطاحة بالإخوان في ثورة 30 يونيو عام 2013، عادت الجماعة إلى خطاب “العداء الظاهري” عله يمكنها من أن تستعيد شيئًا من صورتها التي سعت على مدى عقود إلى بنائها مرتكزة إلى البعد الديني واستغلال ورقة القضية الفلسطينية.

وكان العام الماضي 2020 بما شهده من أحداث سياسية مهمة بالنسبة للقضية الفلسطينية تمثلت في إبرام عدد من الدول العربية اتفاقات لتدشين علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، بمثابة فرصة – من منظور الجماعة – لمهاجمة تلك الدول وتشويهها من أجل خدمة أهداف الجماعة.

والمفارقة الكبرى أنه لم تمض شهور حتى صار الإخوان أنفسهم شركاء في حكومة إسرائيل، وهو ما يظهر أن الجهاد المزعوم الذي يمارسه الإخوان في سبيل القضية الفلسطينية هو مجرد “جهاد الشعارات”  أو جعجعة بلا طحين، وأن رغبتهم في الوصول إلى مقاعد السلطة تفوق أي اعتبار.

الحركة الإسلامية في إسرائيل شريك رسمي في “حكومة التغيير”

تمثل مشاركة القائمة العربية الموحدة بزعامة منصور عباس  وهو من أبرز قيادات الجناح الجنوبي في الحركة الإسلامية، التي خرجت من رحم جماعة الإخوان، في الحكومة الائتلافية الجديدة في إسرائيل سابقة هي الأولى منذ أكثر من 40 عامًا.

فوفقًا لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية هيمن حزب ماباي وخليفته حزب العمل بين عامي 1949 و1977 على السياسة الإسرائيلية. وكانت الأحزاب العربية التابعة لـ “ماباي” جزءًا اسميًّا من الحكومات الائتلافية الإسرائيلية، فهي لم تلعب أبدًا دورًا محوريًّا ولم تمثل بالضرورة مصالح الناخبين العرب داخل إسرائيل، ثم أصبحت الأحزاب العربية مستبعدة من الائتلافات الحاكمة منذ عام 1977، عندما شكل حزب الليكود اليميني الحكومة الإسرائيلية الثامنة عشرة.

وكانت موافقة رئيس القائمة العربية الموحدة في إسرائيل الإخواني منصور عباس حاسمة لتشكيل ائتلاف حكومي يصعد باليميني المتطرف نفتالي بينيت إلى رئاسة ما تسمى إعلاميًّا بـ”حكومة التغيير”، ويطيح ببنيامين نتنياهو من الحكم بعد نحو 12 عامًا متصلة في الحكم وهو أطول رؤساء الوزراء بقاء في السلطة في إسرائيل.

وينتمي عباس لبلدة المغار القريبة من بحيرة طبرية والتي يتألف سكانها من المسلمين والدروز، وحزبه هو الجناح السياسي للفرع الجنوبي من الحركة الإسلامية في إسرائيل التي تأسست عام 1971 وترجع أصولها إلى جماعة الإخوان المسلمين، بل إنه قبل الانضمام للائتلاف طلب موافقة مجلس شورى الحركة الإسلامية – الجناح الجنوبي، وفقًا لمحطة “فرانس 24” الإخبارية.

وروج منصور عباس لتلك الخطوة بالقول إنها ستسهم في  تحسين أوضاع المواطنين العرب في إسرائيل والذين يشكون من التمييز وإهمال الحكومة لهم، مع الإشارة إلى أن الاتفاق يقضي بتخصيص أكثر من 53 مليار شيكل إسرائيلي (16 مليار دولار) لتحسين البنية التحتية والتصدي لجرائم العنف في المدن العربية، كما يتضمن أيضًا بنودًا لتجميد هدم البيوت التي بنيت دون تراخيص في قرى عربية، ومنح بلدات البدو في صحراء النقب، والتي تعتبر معقلاً للدعم الإسلامي، وضعًا رسميًّا.

لكنّ وثيقة التفاهمات حول الخطوط العريضة لعمل الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي من المقرر أن يتم التصويت بالثقة عليها خلال جلسة الكنيست الإسرائيلي الأحد المقبل، شددت على الدور المركزي للحكومة في تعزيز أسس إسرائيل كدولة يهودية، ما يعني ضمنًا أن ما يروج له منصور عباس من تحسين لأوضاع العرب داخل إسرائيل مجرد وعود لن يكون لها أي مجال للتطبيق العملي، بل إن الأدهى من ذلك التزام منصور عباس والقائمة العربية الموحدة الصمت التام إزاء انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق المقدسيين في حي الشيخ جراح والمضي قدمًا في مخططات تهجيرهم من منازلهم في تجاوز صارخ لحقوقهم المشروعة التي يكفلها لهم القانون الدولي بما يترتب على السلطة القائمة بالاحتلال من التزام بعدم إجراء تغييرات ديموغرافية في نطاق الأرض المحتلة.

تحالف مع حكومة يمينية تتوعد غزة ولبنان وتتعهد بمواصلة الاستيطان

وتكشف القراءة السياسية لتصريحات نفتالي بينيت زعيم حزب “يمينا” الإسرائيلي والرئيس المنتظر للحكومة الائتلافية خلال العامين الأولين من عمرها، أيضًا بشكل ضمني عن تناقض وازدواجية الإخوان المسلمين ولعبهم بكل الأوراق لخدمة مصالحهم فقط فلا مبدأ أو قضية تحكم تحركاتهم السياسية.

ففي مقابلة مع القناة “12” الإسرائيلية مؤخرًا، قال بينيت إن حكومته لن تمتنع عن شن حرب على غزة أو لبنان إذا استدعت الحاجة، إذ أكد أنه إذا كانت هناك حاجة لعمل عسكري فسنقوم به، لا توجد قيود سياسية، كما رجح بينيت أن الحكومة ستتعرض لضغوط من الإدارة الأمريكية بشأن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكنه أكد أنه لن يوقف البناء الاستيطاني. ويعرف عن بينيت معارضته الشديدة لقيام دولة فلسطينية، ودعوته المتكررة لضم إسرائيل المنطقة “ج” التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية.

وهكذا وضع الإخوان عبر الحركة الإسلامية في إسرائيل أيديهم مع شريك يميني متطرف لا يتوانى عن تحريك الآلة العسكرية لضرب قطاع غزة بما يضم من آلاف المدنيين الأبرياء، ناهيك عن كونه ليس شريكًا لصنع سلام واستقرار، فسبق وأن أدلى بتصريح استفزازي في يوليو 2013 خلال حوار مع صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية تباهى فيه بقتل الكثير من العرب.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن مشاركة الإخوان المسلمين ممثلين في القائمة العربية الموحدة في الحكومة الإسرائيلية الجديدة هو أحدث مظهر على انتهازية الإخوان، وزيف ادعاءاتهم بشأن الدفاع عن القضية الفلسطينية، وإطلاق اتهامات التخوين والعمالة لتشويه كل من يخالفهم الرأي أو يتصدى لكشف حقيقتهم، فالجماعة التي انتقدت دول عربية لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، باتت شريكة في الحكومة الإسرائيلية ذاتها! 

كما أن تاريخ الجماعة وأذرعها وفروعها في مختلف أنحاء المنطقة يشهد على متاجرة رخيصة بالقضية الفلسطينية ولعب على وتر المشاعر الدينية لدى الجماهير من أجل اتخاذها مطية لتحقيق أطماعها في الوصول إلى السلطة، كما أن توزيع الأدوار وهو سمة أساسية في نهج وممارسات الإخوان أضحى أكثر وضوحًا في الحالة الفلسطينية، فالإخوان في غزة يمثلهم حركة حماس التي تسيطر على القطاع ويمتدحها الخطاب الإخواني الإعلامي كحركة مقاومة ضد الاحتلال، وفي أراضي الداخل المحتل يمثل الإخوان الحركة الإسلامية التي باتت شريكًا في حكومة إسرائيل، في ظل صمت تام من جانب قادة الجماعة وأنصارها.

وأخيرًا، لقد تحولت القضية الفلسطينية التي لطالما كانت ورقة بيد جماعة الإخوان تزايد بها على الحكومات في المنطقة، إلى شهادة على تناقض وزيف وعمالة تلك الجماعة التي لا تدين بولاء إلا لمصالحها وأهدافها البعيدة تمامًا عن أي دوافع دينية أو وطنية أو قومية.

زر الذهاب إلى الأعلى