تقارير

نظام التخصيص.. رافد دعم للاقتصاد وفائدة للمواطن السعودي

بذلت المملكة العربية السعودية خلال السنوات الماضية، وتحديدًا مع إطلاق رؤية المملكة 2030 في 25 أبريل عام 2016، العديد من الخطوات لتعزيز الإيرادات غير النفطية، وتحريك عجلة الإنتاج والاقتصاد الوطني المحلي، وتحديث الأنظمة الاقتصادية من أجل تحقيق أكبر استفادة ممكنة.

ويشكل برنامج التخصيص أحد الأضلاع الأساسية في تلك المسيرة التحديثية الرائدة، حيث تسعى حكومة المملكة من خلاله إلى ترشيد الإنفاق العام وزيادة إيرادات الدولة، وأيضًا رفع كفاءة الاقتصاد الوطني وزيادة قدرته التنافسية لمواجهة التحديات والمنافسة الإقليمية والدولية، وكذلك زيادة مساهمة القطاع الخاص من 40% إلى 65% من الناتج المحلي الإجمالي. كما يهدف إلى رفع مستوى شمولية وجودة الخدمات وتوفيرها في الوقت والتكلفة المناسبين، ورفع كفاءة الأصول الحكومية وتحسين مستوى إداراتها.

وقد انتهجت المملكة في إدارتها لذلك الملف مقاربة متعددة الأبعاد، تجمع بين الرؤية الاستراتيجية والضوابط القانونية المنظمة للعملية، واستحداث ذراع مؤسسية تشرف على تنفيذ عمليات التخصيص، وذلك من أجل بلوغ الأهداف المتوخاة من وراء البرنامج بما يُعزز مسيرة التنمية المستدامة.

برنامج التخصيص في رؤية المملكة 2030

يشير مفهوم التخصيص إلى نقل ملكية الأصول من الحكومة إلى القطاع الخاص، أو إسناد تقديم خدمات حكومية معينة إلى القطاع الخاص، ويشمل ذلك عقود بيع الأصول بشكل كامل وجزئي، وعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والتي يمكن أن تأخذ أشكالاً متعددة مثل العقود التي تتضمن قيام جهة من القطاع الخاص ببناء أصل معين وتشغيله، ونقل حقوق الملكية فيه إلى الحكومة.

وقد تمت مناقشة خطط التخصيص وتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالمملكة العربية السعودية وتلبية المطالب المتزايدة للسكان في أواخر تسعينيات القرن الماضي، لكن الانطلاقة الحقيقية تمت مع إطلاق صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، رؤية السعودية 2030 في عام 2016، والتي تعد وثيقة استراتيجية تحديثية وضعت معالم ورسمت مسارات التنمية وبرامجها التنفيذية، ومن بين تلك البرامج جاء برنامج التخصيص في عام 2018، والذي سعى لتحديد الأصول والخدمات الحكومية القابلة للتخصيص في عدد من القطاعات، وتطوير منظومة وآليات التخصيص، بجانب تحديد أطر الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتعزيز جودة وكفاءة الخدمات العامة، ودعم المساهمة في التنمية الاقتصادية.

وقد نجح البرنامج بالفعل في وضع الأطر العامة لمنظومة التخصيص من خلال إنشاء المركز الوطني للتخصيص الذي يتولى تنظيم الإجراءات المُتعلقة بمشاريع هذه المنظومة، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص وفق إجراءات تنظيمية بشكل شفاف وعادل، والتأكد من نزاهة الإجراءات المرتبطة بالعقود لتوفير بيئة تنظيمية واستثمارية جاذبة ومُحفزة للقطاع الخاص من أجل الاستثمار على المدى القصير والطويل.

ويتولى البرنامج مهمة تطوير استراتيجيات تخصيص قطاعية، تشمل النقل والصحة والتعليم وغيرها، بما يؤدي لتركيز الجهود الحكومية على الأدوار التشريعية والتنظيمية. واتصالًا بالهدفين الاستراتيجيين للتخصيص المتمثلين في تحرير الأصول المملوكة للدولة أمام القطاع الخاص وتخصيص خدمات حكومية محددة، وضعت المملكة إطارًا تشريعيًا لتنظيم تلك العملية تمثل في نظام التخصيص، الذي أقره مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حفظه الله، في مارس الماضي، ومن المقرر أن يدخل هذا النظام حيز التنفيذ  الشهر المقبل.

160 مشروعًا في 16 قطاعًا ضمن مخططات التخصيص بالمملكة

وقد استهدف نظام التخصيص بعض الخدمات الحكومية وإتاحتها أمام القطاع الخاص المحلي والدولي في 16 قطاعاً حكوميًا، من أبرزها البيئة والصحة والتعليم، والطاقة والإسكان والنقل، والرياضة.

وحددت قواعد عمل اللجان الإشرافية للقطاعات المستهدفة بالتخصيص ومهماتها في سبتمبر الماضي، مدة عامين كحد أقصى لإعداد خطط التخصیص في 13 قطاعًا تشمل البيئة والمياه والزراعة، والنقل، والطاقة، والصناعة والثروة المعدنیة، والعمل والتنمية الاجتماعية، والإسكان والتعليم، والصحة، والبلديات والحج والعمرة، والاتصالات وتقنية المعلومات، والإعلام، والرياضة، على أن تتولى وزارة المالیة تقدیم أنواع الدعم المالي والائتماني للمشروع المستهدف بالتخصیص.

وتستهدف المملكة جمع ما يصل إلى 55 مليار دولار من خلال عمليات التخصيص خلال السنوات الأربع المقبلة، حسبما أوضح وزير المالية، محمد الجدعان في تصريحات لصحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، بما يعزز إيرادات الدولة ويؤدي إلى تقليص عجز الميزانية، لافتًا إلى أن الحكومة السعودية حددت 160 مشروعًا في 16 قطاعًا للتخصيص من خلال بيع الأصول أو الدخول في شراكات بين القطاعين العام والخاص حتى عام 2025.

وتشمل قائمة الأصول المنتظر بيعها فنادق مملوكة للدولة وأبراج بث تلفزيوني وإذاعي ومحطات تحلية مياه. وتوقع وزير المالية وصول حصيلة بيع الأصول إلى 38 مليار دولار وحصيلة الشراكة مع القطاع الخاص إلى 16.5 مليار دولار. وتجدر الإشارة هنا إلى أن خطة التخصيص لا تتضمن المؤسسات والشركات المملوكة لصندوق الاستثمار السعودي.

ومن مشاريع منظومة التخصيص التي تمت ترسيتها، عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مشاريع إنتاج المياه المحلاة، ومشاريع معالجة مياه الصرف الصحي، ومشاريع تطوير محطات الحاويات في ميناء جدة الإسلامي، وميناء الملك عبد العزيز بالدمام، ومحطة الشحن الثانية بمطار الملك خالد بالرياض، ومشروع المباني المدرسية؛ 60 مدرسة في منطقة مكة المكرمة (مكة وجدة)، بحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس”.

إضافة إلى مشاريع بيع الأصول مثل تخصيص أصول المؤسسة العامة للحبوب عن طريق بيع كامل حصص شركات المطاحن الأولى والثانية والثالثة والرابعة، ومشروع الوحدة الطبية التابعة للخطوط السعودية بمدينة جدة، وتم أيضًا إكمال عدد من مشاريع التخصيص في قطاعات التعليم والمياه (ومعالجة مياه الصرف الصحي والتحلية) باستثمارات من القطاع الخاص بلغت قرابة 15 مليار ريال، بينما لا يزال هناك 21 مشروعًا في مراحل مختلفة من الطرح في قطاعات من أبرزها التعليم والصحة والبلديات والمياه والزراعة.

المزايا المتحققة للمواطن السعودي من برنامج التخصيص

تعود عملية التخصيص بالنفع على المواطن في أكثر من جانب، فهي تؤدي إلى توسيع مشاركته في ملكية الأصول الحكومية، وتعمل على رفع مستوى جودة وكفاءة الخدمات المقدمة في مختلف القطاعات المشمولة بالتخصيص، وتؤدي إلى توفير خدمات تلبي احتياجات وتطلعات المواطن وتعزز من قدرته ومهارته وهو ما يتجلى على نحو خاص في التعليم بوصفه من الأعمدة الرئيسية للتنمية والتطوير في المجتمع، فضمان جودة عالية للمخرجات التعليمية يعود بنفع ذاتي على المواطن ونفع عام على المجتمع.

بالإضافة إلى ذلك فإن التخصيص يؤدي إلى زيادة فرص العمل والتشغيل الأمثل للقوى الوطنية العاملة من خلال تشجيع رأس المال المحلي والأجنبي للاستثمار محليًّا.

انعكاسات برنامج التخصيص على قوة الاقتصاد السعودي

ووفقًا لتقرير صادر عن مركز المعلومات الأوروبي الخليجي (مركز بحثي مقرة روما)، توجد العديد من المكاسب المنتظرة من وراء عملية التخصيص في السعودية، والتي تؤكد أن المملكة تسير على الطريق الصحيح. ولعل من أبرزها زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي من 40% إلى 65% حيث من المتوقع أن تصل القيمة الإجمالية للاستثمارات الناجمة عن الشراكات بين القطاعين العام والخاص إلى 62 مليار ريال بحلول عام 2025، كما يسهم التخصيص في تحفيز نمو صندوق الاستثمارات العامة، الذي تضاعف ثلاث مرات منذ إطلاق رؤية 2030، وسط توقعات بنمو إضافي بنسبة 200% على مدى السنوات الخمس المقبلة، ليصل في النهاية إلى 10 تريليونات ريال بحلول عام 2030.

ولن يسمح التخصيص للحكومة السعودية بتعزيز تركيزها على دورها التشريعي والتنظيمي فحسب، بل سيساعد في تعزيز التنمية الاقتصادية الوطنية وتنويع اقتصاد المملكة، وسيوفر المزيد من فرص العمل للسكان، حيث يتم تقديم فرص اقتصادية جديدة لأصحاب المشاريع والشركات لإنشاء وتوسيع أنشطتهم.

وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يؤدي فتح بعض القطاعات للسوق الخاصة إلى توفير خدمات عالية الجودة، وتقليل التكاليف بالنظر إلى أن الشركات الخاصة تعتمد في أسلوب إدارتها على هذا النهج الذي يجمع بين الكفاءة في المنتج أو الخدمة المقدمة مع الحرص على تقليل التكاليف وتجنب أي هدر للموارد.

وسيؤدي التخصيص أيضًا إلى تحسن القدرة التنافسية الإقليمية والدولية للمملكة العربية السعودية، كما سيساهم في التعافي الاقتصادي من تداعيات وباء فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، ويحقق الاستدامة في جهود التنمية بما يتماشى مع رؤية 2030.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن التخصيص ضرورة فرضتها متغيرات العصر ومتطلبات التنمية المستدامة، حيث يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي عبر تهيئة المناخ اللازم لجذب المستثمرين سواء من المحليين أو الدوليين، ما يجعل القطاع الخاص شريكًا فاعلاً في جهود التنمية، ويعمل على تحسين استغلال الأصول الحكومية بكفاءة وفاعلية، كما يؤدي التخصيص إلى تحول دور الحكومة من مزود للخدمة إلى تولي مهمة التنسيق والرقابة على تقديم الخدمة.

وتعود عملية التخصيص بمنافع متعددة على المواطن سواء من حيث إتاحة فرص أكبر للعمل والتشغيل، أو رفع الجودة والكفاءة للخدمات المقدمة وشموليتها لأكبر عدد.

زر الذهاب إلى الأعلى