يعتبر إدمان الأطفال للألعاب الإلكترونية واحدًا من أبرز المخاطر المرتبطة بالتقدم التقني الذي يعيشه العالم حاليًا، وهي ظاهرة ليست قاصرة على المجتمعات المتقدمة دون غيرها من المجتمعات الأقل نموا أو رفاهية، إذ سجلت صناعة الألعاب الإلكترونية خلال العام الماضي 2020 إيرادات بلغت 159,3 مليار دولار، بنسبة نمو 9,3%، ووفقًا لشركة “Newzoo” لأبحاث السوق.
وتعرف مشكلة إدمان الألعاب الإلكترونية علميًّا باسم “اضطراب الألعاب”، وقد تم تصنيفها كمرض في التصنيف الإحصائي الدولي للأمراض والمشكلات المتعلقة بالصحة الصادر عن منظمة الصحة العالمية عام 2018.
واللافت أن “اضطراب الألعاب” أو إدمان الألعاب الإلكترونية لا يقتصر على الأطفال فحسب، بل يمكن أن يتعرض له اللاعبون من جميع الأعمار ليشمل المراهقين والبالغين أيضًا، ولا يتم تشخيص الإصابة بتلك الحالة من خلال الممارسة الكثيفة، أو عدد ساعات اللعب الطويلة، ولكن عندما يتعارض اللعب مع ممارسة أنشطة الحياة اليومية.
مؤشرات نفسية وسلوكية لإدمان الألعاب الإلكترونية
ووفقًا للمعايير الواردة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الصادر عن الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين، تتمثل مؤشرات اضطراب الألعاب عند الأطفال في المعاناة من خمسة أو أكثر من الأعراض التالية خلال فترة زمنية مدتها عام واحد:
- التفكير في اللعب طوال الوقت أو في كثير من الأحيان.
- الشعور بالسوء عندما لا يستطيع اللعب.
- الحاجة إلى قضاء المزيد والمزيد من الوقت في اللعب للشعور بالرضا.
- عدم القدرة على الإقلاع عن اللعب أو حتى اللعب لفترات أقل.
- عدم الرغبة في القيام بأشياء أخرى كانت محببة.
- مواجهة مشاكل في المدرسة أو المنزل بسبب اللعب.
- اللعب على الرغم من هذه المشاكل.
- الكذب على الأشخاص المقربين بشأن مقدار الوقت الذي يتم استهلاكه في اللعب.
- استخدام الألعاب لتخفيف الحالة المزاجية والمشاعر السيئة.
أما موقع “conversationThe“ الأمريكي، فيشير إلى أن خبراء في مجال الطب النفسي يرون أن تشخيص إصابة الطفل بـ”اضطراب الألعاب” يتم حينما تظهر عليه الأعراض الثلاثة التالية -لمدة 12 شهرًا على الأقل- وهي: فقدان السيطرة على اللعب، وإعطاء الأولوية للعب إلى الحد الذي يكون له الأسبقية على الأنشطة والاهتمامات الأخرى، والاستمرار في اللعب على الرغم من الآثار السلبية على الوضع الصحي أو المستوى الدراسي أو العلاقات الأسرية والاجتماعية.
ويركز “اضطراب الألعاب” المصنف من قِبل منظمة الصحة العالمية على الألعاب فقط، ولا يشمل السلوكيات الرقمية الأخرى مثل الإفراط في استخدام الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي أو الهواتف الذكية، كما أنه يتعلق بالألعاب على أي جهاز وذلك على الرغم من أن معظم الأشخاص الذين يعانون من إدمان الألعاب الإلكترونية، يمارسونها بشكل أساسي عبر الإنترنت.
وبالطبع، ليس كل من يلعب كثيرًا يعاني من “اضطراب الألعاب”، إذ يرى خبراء أنه من الضار تصنيف الأطفال الذين قد يكونون متحمسين جدًا للألعاب بأنهم مدمنون، إذ يمكن لبعض الأطفال ممارسة ألعاب الفيديو بشكل ترفيهي لعدة ساعات مع الحفاظ على أداء ممتاز في المدرسة وممارسة الرياضة والأنشطة البدنية الأخرى، وقضاء الوقت مع والديهم، أي لا تتحول عادة ممارسة ألعاب الفيديو لديهم إلى حد الإدمان.
وينوه موقع “HealthyGamer” الأمريكي، إلى أنه إذا وجد الآباء أن أطفالهم يسجلون نتائج سيئة في المدرسة، ولا يشاركون في نشاط بدني، ويمارسون ألعاب الفيديو لمدة تتراوح ما بين 8 إلى 12 ساعة يوميًا، فإن هؤلاء الأطفال يكون لديهم مشكلة تتصل بإدمان الألعاب الإلكترونية.
ويوجد شبه إجماع على أن النسبة المئوية للاعبين الذين يستوفون المعايير المقترحة لإدمان ألعاب الفيديو تتراوح ما بين 1% و9% من بين جميع اللاعبين البالغين والأطفال على حد سواء، وأنها تكون أكثر شيوعًا بين الصبية عن الفتيات، وفقًا لموقع “webmd” الأمريكي المتخصص في الأخبار الصحية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه إذا كان الآباء قلقين بشأن مقدار الوقت الذي يقضيه الأبناء في ممارسة الألعاب الإلكترونية، فعليهم البحث عن أدائهم في المدرسة وعلاقتهم مع أصدقائهم، فالحصول على درجات جيدة في المواد الدراسية والاحتفاظ بعلاقة جيدة مع الوالدين مؤشرات دالة على أن ألعاب الفيديو لن تمثل مشكلة للطفل.
التوظيف الإيجابي للألعاب الإلكترونية للطفل
وعلى الرغم من أن الكثير من الآباء يخشون من أضرار الألعاب الإلكترونية على أطفالهم، لكن توجد ثمة فوائد لألعاب الفيديو تشمل تحسين قدرات التركيز والإبداع والذاكرة واللغات والعمل الجماعي.
وقد وصلت فوائد ألعاب الفيديو أيضًا إلى التعليم من خلال التعلم القائم على الألعاب، حيث تستخدم طريقة التدريس هذه جوانب مفيدة لألعاب الفيديو لنقل المعرفة إلى الطلاب، وهي تعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية:
إضفاء الحيوية على العملية التعليمية: فهي تحول التعلم إلى لعبة ممتعة ومثيرة دون دروس مملة، حيث يستوعب الطلاب المعلومات ويحتفظون بها تقريبًا دون أن يلاحظوا ذلك.
تعزيز الدافع: فالأطفال هم الشخصيات الرئيسية في قصص الألعاب ويكافأ نجاحهم بميداليات، وما إلى ذلك، ما يجعلهم حريصين على التعلم من خلال حرصهم على الفوز في اللعبة التي يمارسونها.
توفير فرص لممارسة المعرفة: يمكن للطفل تطبيق المعرفة التي يكتسبونها دون الوقوع في مواقف خطرة، على سبيل المثال يظهر ذلك في الألعاب التي تحاكي الطيران والملاحة.
وقد رصدت دراسات وأبحاث للعديد من الجامعات الفوائد التي يمكن أن تعود على الأطفال من خلال ألعاب الفيديو، وهو ما يتمثل في الآتي:
تحفيز الإبداع والتركيز والذاكرة البصرية: فقد وجدت جامعة كاليفورنيا أن تلك الألعاب تحفز هذه الجوانب من خلال تحديد الأهداف التي تتطلب التركيز والخيال وتذكر التفاصيل لتحقيقها.
تنمية القدرة على القيادة: حيث أظهرت دراسة لجامعة بيتسبرغ أن ألعاب الفيديو تضع اللاعبين في موقع القيادة، وتشحذ قدراتهم على حل النزاعات والتفاعل مع اللاعبين الآخرين واتخاذ القرارات.
تعلم اللغات: إذ وجدت جامعة هلسنكي أن تلك الألعاب مفيدة لتعلم لغات أخرى من خلال التعليمات التي تظهر على الشاشة أو المحادثات للتواصل مع لاعبين آخرين أو سرد قصة اللعبة نفسها.
تنمية التفكير النقدي: فقد نشر معهد مونتيري للتكنولوجيا دراسة أكد فيها الأساس الأخلاقي والفلسفي والاجتماعي لهذه الألعاب، وقدرتها على جعل اللاعبين يفكرون ويحسنون تفكيرهم النقدي.
بالإضافة إلى الشق التعليمي، توجد أيضًا ثمة فوائد تتعلق بالجانب الصحي لبعض الفئات من الأطفال، إذ تشير مجلة “ADDitude Magazine” الفصلية المعنية باضطراب نقص الانتباه مع فرط الحركة (ADHD) أن ألعاب الفيديو يمكن أن تساهم في تحسين التنسيق بين اليد والعين، وتعزز التفاعلات الاجتماعية الإيجابية لدى الأطفال الذين يعانون من اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD).
وتحتوي ألعاب الفيديو على عوامل جذب خاصة للأطفال المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، فقد يكون الطفل الذي يضايقه التشتت في العالم الحقيقي قادرًا على التركيز الشديد أثناء اللعب. كما أن فرط النشاط قد لا يمثل مشكلة؛ حيث يمكن للطفل حمل وحدات التحكم والوقوف أو التحرك للخلف وللأمام أمام التلفزيون أثناء اللعب.
ويدرك أي والد لطفل صغير مصاب باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة أن هؤلاء الأطفال غالبًا ما يفتقرون إلى القدرة على التنظيم الذاتي، وهذا صحيح بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالأنشطة الممتعة التي تدعو إلى التركيز المفرط. وبالتالي، يجب أن يكون الآباء هم من يضعون الحدود ويفرضونها.
أساليب معالجة “اضطراب الألعاب” لدى الأطفال
من الآثار المهمة لتصنيف “اضطراب الألعاب” كإدمان أنه يمهد الطريق للعلاج من قبل المتخصصين الصحيين، ولكن مثلما أن التصنيف ما زال جديدًا، فإن خطط العلاج القائمة على الأبحاث لا تزال في مهدها. وقد وجدت دراسة استقصائية للأطباء النفسيين في أستراليا ونيوزيلندا أن 16.3% فقط شعروا بالثقة في إدارة هذا الاضطراب.
ويوجد نوعان شائعان من العلاج، الأول يركز على فهم حالة اللاعب، والآخر يركز على تعلم سلوكيات جديدة، وغالبًا ما يتضمن العلاج جلسات علاجية مع استشاري متخصص في علاج الإدمان، وقد تتخذ الجلسات شكل جلسات فردية أو جماعية أو جلسات عائلية.
ويكون لكل جلسة تركيز مختلف، فعلى سبيل المثال، تركز جلسات العلاج الأسري على استكشاف ومعالجة المشكلات في أسرة المريض التي قد تساهم في الإدمان. أما العلاج الشائع الثاني فهو العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، ويعتمد على فرضية أن الأفكار تحدد المشاعر ومن خلاله يتعلم اللاعب طرقًا مختلفة للتفكير والتصرف والاستجابة للمواقف العصيبة، ويتم استخدامه لعلاج العديد من الاضطرابات النفسية الأخرى مثل اضطرابات تعاطي المخدرات والاكتئاب والقلق.
وتشمل العلاجات الطبية الأخرى التي أثبتت نجاحها العلاج بالفن والتمارين الرياضية، وهذا بالإضافة إلى الأدوية المناسبة.
كما توجد بعض النصائح الواجب على الآباء مراعاتها لدعم الممارسة الصحية لألعاب الفيديو لدى الأطفال، من أبرزها تشجيع الرياضة والنشاط البدني، لما لها من تأثير إيجابي على الحالة المزاجية للطفل، بجانب الحديث مع الطفل والاستماع له لمعرفة الإشباعات المتحققة لديه من اللعب، ومعرفة ما إذا كان لديه مشكلات أخرى يواجهها ويلجأ إلى الألعاب الإلكترونية كملاذ.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن ألعاب الفيديو الإلكترونية سلاح ذو حدين بالنسبة للأطفال، ويتوقف تحديد مدى استفادة الطفل من الأثر الإيجابي لتلك الألعاب في المجال التعليمي والعلاجي لتقويم السلوك، أو تضرره من الآثار السلبية الناجمة عن إدمان هذه الألعاب، على دور الأسرة ورعايتها لأبنائها وفهمها لاحتياجاتهم وإدارتها الواعية لتلك القضية التي باتت ظاهرة مجتمعية تؤرق الجميع في مختلف البلدان وعلى اختلاف المستويات الاجتماعية، وهو ما يتطلب قيام الجهات المعنية بتنظيم حملات تثقيفية عبر وسائل الإعلام التقليدية والإعلام الجديد من أجل نشر المعرفة بأساليب التعامل مع تلك الإشكالية.