تقارير

استخدام التعلم الآلي في كشف نظريات المؤامرة على مواقع التواصل الاجتماعي

تساهم نظريات المؤامرة التي يتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي في تحول الخطاب العام بعيدًا عن الحقائق بما يمكن أن يسبب أضرارًا بالغة في المجتمع الفعلي، حيث تعكس تلك النظريات الابتعاد عن الحقيقة، وتراجع الثقة في المصادر الواقعية، واستبدال المعلومات الجديرة بالثقة من خلال معلومات زائفة.
وقد سهلت منصات التواصل الاجتماعي من عملية مشاركة المعلومات – بما في ذلك نظريات المؤامرة- عبر شبكة الاتصالات العالمية، وهو ما وضع تلك المنصات أمام تحد تقني وسياسي صعب أثناء محاولتها تخفيف الضرر الناجم عن لغة نظرية المؤامرة المنتشرة عبر الإنترنت.
كجزء من الجهود المبذولة لمواجهة التهديدات الناشئة واحتضان التكنولوجيا الجديدة للمساعدة في خلق عالم أكثر أمانًا، بذلت وحدة “Jigsaw” في شركة جوجل، التابعة للشركة الأم “ألفابت” جهودًا لتحسين تقنية التعلم الآلي لاكتشاف لغة نظرية المؤامرة من خلال دراسة تعتمد على استخدام النظرية اللغوية والخطابية إلى جانب التعلم الآلي.
تحليل الموقف كطريقة للكشف عن نظريات المؤامرة
وسعت الدراسة إلى الإجابة عن سؤال رئيسي مفاده كيف يمكن الكشف بشكل أفضل عن انتشار نظريات المؤامرة على نطاق واسع؟ في ظل صعوبات جمة من أبرزها حجم النصوص الهائلة على الإنترنت، لدرجة أنه حتى الفرق الكبيرة من البشر لا يمكنها سوى اكتشاف أو الإبلاغ فقط عن جزء بسيط من لغة نظرية المؤامرة الضارة أو الخبيثة.
ولما كانت معالجة هذه المشكلة أكثر من مجرد تحدٍ هندسي، نظرًا لكون انتشار نظريات المؤامرة يمثل مشكلة اجتماعية وثقافية، بحثت الدراسة مدى إمكانية تطوير تطبيقات “التعلم الآلي- machine-learning (ML)” لتوفير رؤية إضافية عن كيفية عمل نظريات المؤامرات على الإنترنت من الناحية اللغوية والبلاغية؟ ومدى القدرة على اكتشاف مجموعة متنوعة من نظريات المؤامرة على نطاق واسع.
واعتمدت الدراسة في منهجها على المزج بين التعلم الآلي والبحث النوعي لفهم واكتشاف الحديث عن نظريات المؤامرة عبر الإنترنت بشكل أفضل، وذلك عن طريق مراجعة الأدبيات العلمية الموجودة حول نظريات المؤامرة، وفهم كيف تعمل المؤامرات المختلفة بشكل بلاغي، وأيضا بناء نماذج محسنة للتعلم الآلي لاكتشاف نظريات المؤامرة.
وسحب فريق البحث القائم بالدراسة بيانات من موقع التدوينات القصيرة ” تويتر” متعلقة بأربع نظريات مؤامرة منفصلة وهي زيارة كائنات فضائية لكوكب الأرض، وخطر اللقاحات، وأصل فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” ، وإمكانية الإبادة الجماعية للبيض.
ولفهم كيفية عمل نظريات المؤامرة، تم الاعتماد على “تحليل الموقف- Stance analysis” وهو نهج يجري من خلاله التنقيب عن النص المستخدم لتحديد نبرة لغة المتحدثين، إذ يشير إلى الجزء الاجتماعي والثقافي من اللغة، ومن أمثلة ذلك درجة اليقين، حيث يمكن للكاتب أن يختار استخدام لغة التحوط عبر مفردات مثل (أعتقد، ربما، من الممكن أن) أو استخدام علامات اليقين المعرفي مثل (نعلم، ثبت أن، يوجد)، وتعتبر هذه خيارات يلجأ إليها المتحدثون في محاولة تحقيق تأثيرات اجتماعية (مثل الإقناع) ضمن السياقات الثقافية.
تحسين قدرة التعلم الآلي على اكتشاف نظريات المؤامرة من خلال النمذجة الهجينة
وقد قامت الدراسة ببناء نموذج هجين للتعلم الآلي يمكنه اكتشاف مجموعة متنوعة من نظريات المؤامرة، حيث يجمع بين تضمين الكلمات (المحتوى الدلالي) والموقف اللغوي (الأبعاد البلاغية).
وأحرز النموذج بالفعل تقدمًا كبيرًا في التعرف على المحتوى الدلالي للنص، فعلى سبيل المثال تم الاكتشاف التلقائي إذا ما كانت المقالة تتعلق بالرياضة أو الهوايات أو الأحداث العالمية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن عمليات دمج الكلمات باستخدام “شبكة عصبية عميقة- deep neural network” تعد مثالًا على الطريقة الفعالة لتصنيف النصوص عبر تفسير الكلمات كما تظهر في السياق، وبالتالي تقوم بعمل جيد للغاية في التقاط المعنى الدلالي للنصوص.
ونوهت الدراسة إلى أن جهد النمذجة الهجينة مهم لأنه على الرغم من أن التعلم الآلي يتحسن طوال الوقت في التعرف على محتوى النص، فإن التعرف على الأبعاد البلاغية كان يمثل تحديًا، فعلى سبيل المثال يمكن تحديد موضوع معارضة التطعيم لكن الأهم تفسير التعلم الآلي للبعد التآمري في الحديث عن معارضة التطعيم، أي التمييز بين الحديث الذي يروج لنظريات المؤامرة المضادة للتطعيم، والحديث الذي يتناول تلك النظريات ولكن من أجل معارضتها ودحضها.
وبالتالي، فإن النموذج الهجين الذي يستخدم القدرة الدلالية للشبكة العصبية العميقة جنبًا إلى جنب مع الموقف، سيسمح بتصنيف السمات الخطابية، وبالتالي فهم أفضل لكيفية عمل نظريات المؤامرة المختلفة بشكل بلاغي.
وباستخدام النماذج الهجينة، وجدت الدراسة تحسينات شاملة في الكشف عن موضوعات نظرية المؤامرة وتحسينات هائلة أيضا في تمييز المحتوى التآمري الحقيقي في الموضوعات المتعلقة بنظرية المؤامرة.
وخلصت أيضا إلى أن هذه القابلية للتفسير التي توفرها النمذجة الهجينة خفصت بشكل كبير المعدلات الإيجابية الخاطئة (أي رصد حديث عن نظريات المؤامرة، لكنه في إطار مكافحتها وليس الترويج لها) إلى النصف، ويعتبر هذا مهمًّا جدًا من منظور منصات التواصل الاجتماعي التي ترغب في تجنب الإبلاغ عن محتوى غير ضار أو الإشراف عليه.
توصيات للتخفيف من انتشار وأضرار نظريات المؤامرة
وقد قدمت الدراسة مجموعة من التوصيات للتخفيف من انتشار نظريات المؤامرة عبر الإنترنت والأضرار المترتبة عليها، من أبرزها:
الانخراط الهادئ في تفاعلات مع أنصار نظرية المؤامرة
توفر الطبيعة المفتوحة لوسائل التواصل الاجتماعي فرصًا عديدة للتعامل مع منظري المؤامرة، ولا ينبغي أن يؤدي هذا إلى استفزاز مؤيدي نظرية المؤامرة، فبدلاً من المواجهة قد يكون الأكثر فاعلية التعامل الهادئ معهم، إذ يوصي خبراء الصحة العامة بإنشاء مساحات آمنة لتشجيع الحوار وتعزيز الشراكات المجتمعية ومواجهة المعلومات المضللة، فالتثبت من صحة المخاوف النفسية لهؤلاء الأشخاص يمكن أن يشجع الحوار المثمر، وقد يؤدي هذا النهج إلى تحسين الاتصال بين المجتمعات الموثوقة (مثل الأطباء أو القادة الحكوميين) والمجتمعات المؤمنة بنظرية المؤامرة.
تصحيح الأخبار الكاذبة المتعلقة بنظرية المؤامرة
أحد التدخلات الممكنة لممارسي الصحة العامة هو التصحيح، باستخدام أدوات مثل التصحيحات الآنية، والتحقق من الحقائق من خلال الاستعانة بمصادر من الجماهير، ويلاحظ أنه في المجموعات السكانية التي لديها قناعات مسبقة بنظرية المؤامرة، تكون الأدلة على فاعلية تلك التصحيحات متفاوتة.
وبشكل عام، يبدو أن وزن الأدلة يدعم مثل هذه التصحيحات، بالإضافة إلى وجوب الالتزام في  الجهود المبذولة لتصحيح المفاهيم الخاطئة لدى السكان المعرضين لنظريات المؤامرة بنصيحة ممارسي الصحة العامة بأن يتم  بطريقة هادئة غير صدامية.
التعامل مع الأعضاء المعتدلين من مجموعات نظرية المؤامرة
عادة ما يكون لأنصار نظرية المؤامرة خبراء يعتمدون على دعمهم وتقوية وجهات نظرهم، وربما اعتمادهم على هؤلاء الأشخاص يحد من تأثير التوعية الرسمية من قبل المتخصصين في الصحة العامة، لذلك فإن أحد الأساليب للتغلب على ذلك يكمن في توجيه التوعية نحو الأعضاء المعتدلين في تلك المجموعات الذين يمكنهم بدورهم التأثير على المجتمع الأوسع.
واللافت هنا أن برامج التسويق التجاري تستخدم نهجًا مشابهًا عند إشراك المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي (أو سفراء العلامة التجارية) الذين يمكنهم بعد ذلك نقل مزايا العلامة التجارية بشكل موثوق إلى جماهيرهم على وسائل التواصل الاجتماعي. ويدعم هذا النهج بحث أكاديمي يقترح أن الأفراد يتأثرون بدوائرهم الاجتماعية أكثر من تأثرهم بالتواصل الجماهيري.
معالجة المخاوف والتهديدات الوجودية
يبدو أن المخاوف الكامنة لدى مجموعات مكافحة التطعيم والمجموعة المؤمنة بوجود تهديد لأصحاب البشرة البيضاء تحفز بقوة كلا المجموعتين، فبالنسبة إلى دعاة مناهضة التطعيم تتمحور المشكلة في المخاوف المتعلقة بسلامة اللقاح، أما بالنسبة للمجموعة الثانية، فإن الخوف يعتمد على الإيمان بالتهديد الوجودي المتصور للعرق الأبيض.
وبالنسبة لآلية التعامل بخصوص معارضة اللقاح، فلا بد من فهم المخاوف المتعلقة بسلامة اللقاح، ومعالجة تلك المخاوف من خلال تسليط الضوء على الأبحاث حول مأمونية اللقاحات، والأساليب الصارمة المستخدمة في تجارب سلامة اللقاح، أو الأخطار البديلة التي تنتظر أولئك الذين لم يحصلوا على اللقاح.
أما بالنسبة لأولئك المؤمنين بالتهديد الوجودي المتصور للعرق الأبيض، فنظرًا للنتيجة التي تفيد بأن بعض أنصار نظرية المؤامرة يرغبون في الانخراط في نقاش عقلاني، وأن الإقناع الناجح يتطلب استخدام قيم الجمهور المقصود بدلاً من قيم المتحدث، فقد يكون الأكثر فاعلية هو معالجة الادعاءات بأن الأقليات سوف تقضي على البيض عن محاولة الترويج لمواضيع المساواة العرقية.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن هناك ثمة أربعة أبعاد أساسية لرواج نظرية المؤامرة في المجتمعات تتمثل في تزايد الخلاف حول الحقائق والتفسيرات التحليلية للحقائق والبيانات، وعدم وضوح الخط الفاصل بين الرأي والحقيقة، وتزايد الرأي والتجربة الشخصية على الحقيقة، بالإضافة إلى تراجع الثقة في مصادر المعلومات الواقعية التي كانت تحظى باحترام سابق.
ويعتبر النهج الهجين الجديد في التعلم الآلي وسيلة مهمة لتحسين الأداء، ويقدم رؤى جديدة فيما يتعلق بكيفية عمل نظريات المؤامرة عبر الإنترنت، فمن خلال الجمع بين أساليب التعلم الآلي القائمة والمعرفة بمجال اللسانيات والدراسات البلاغية، يمكن تطوير الممارسة في مجال اكتشاف لغة نظرية المؤامرة، ويمكن أن يؤدي فهم الوظيفة الخطابية لنظريات المؤامرة إلى توجيه التدخلات القائمة على الأدلة التي تقلل من الالتزام بهذه النظريات وانتشارها.

زر الذهاب إلى الأعلى