تكبّد التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في يونيو 2019 هزيمتين موجعتين، حيث تعرّض حزب العدالة والتنمية التركي لهزيمة ساحقة، عقب إعادة انتخابات بلدية إسطنبول في 23 يونيو، وقبيل ذلك بساعات كان الشعب الموريتاني قد أسقط مرشح الجماعة سيدي محمد ولد بوبكر في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي يُوحي بالرفض الشعبي للإخوان في مناطق مختلفة حول العالم.
الشعب الموريتاني أسقط مرشح الإخوان سيدي محمد ولد بوبكر في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية
وأجريت الانتخابات الرئاسية الموريتانية في 22 يونيو عام 2019، وسط أجواء من الشفافية بين 6 مرشحين، في سابقة للتداول السلمي للسلطة، وانتهت المنافسة بفوز وزير الدفاع السابق محمد ولد الغزواني بمقعد الرئاسة بنسبة وصلت إلى 52%، وجاء في المرتبة الثانية مرشح حركة “إيرا” بيرام ولد عبيدي بحصوله على 18.65%، ثم حلّ مرشح الإخوان محمد ولد بوبكر في المرتبة الثالثة بنسبة 17.97%.
جاءت هزيمة الإخوان في الانتخابات الرئاسية بعد أقل من عام على خسارتهم للانتخابات المحلية
ولم يكن الاستحقاقُ الرئاسي ساحةَ الهزيمة الأولى للإخوان في موريتانيا، بل أتى بعد أقلّ من عام على خسارة الانتخابات المحلية في سبتمبر 2018، وانعكست موجةُ الانحسار العالمي للتنظيم على الداخل الموريتاني، وكان الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبدالعزيز قد حذّر من الإخوان، ودعا الشعبَ الموريتاني إلى عدم التصويت لمرشّحيهم، وهذا ما طبقه الشعب الموريتاني بلفظ الجماعة من الحياة السياسية.
الإخوان في موريتانيا
عملت عناصر الإخوان في موريتانيا على بناء إطار تنظيمي شامل، على غرار الأفرع الدولية للجماعة، وكانت النواحي التي ارتكزوا عليها هي:
سياسياً:
سعت عناصر التنظيم لإنشاء حزب سياسي، وقُوبلت محاولاتهم بالرفض القانوني والدستوري، الأمر الذي دعاهم للالتفاف وتأسيس ما يسمى بـ “لجنة المتابعة والاتصال للإصلاحيين الوسطيين” عام 2005، وبعد فتح باب المشاركة أمامهم قاموا بتدشين حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، المعروف بـ”تواصل”، عام 2007، الذي يعتبر الذراع السياسي للجماعة.
يتلقى اخوان موريتانيا دعماً مالياً من قطر، بالإضافة إلى امتلاكهم هيئات تتكفل بالعمل لجمع المال وتسهيل اكتتاب الحركات الإرهابية
اقتصادياً:
يتلقى التنظيم دعماً مالياً لا محدوداً، خاصةً من قطر، بالإضافة إلى امتلاكه هيئات تتكفل بالعمل لجمع المال وتسهيل اكتتاب الحركات الإرهابية، ويسيطر على مؤسساتٍ تجاريةٍ كبيرة، تشمل صيدلياتٍ ومحطاتِ بنزين ومحلات بيع ملابس ومواد الغذائية ووكالات تأجير سيارات، وبيع العملات الصعبة في السوق السوداء، كما يعتمدون على فتاوى خاصة بهم بضرورة دفع أموال الزكاة لصناديق لتمويل الحزب، وأصبحت زكاة الأعضاء توجّه إلى تمويل الحزب بدلاً من وضعها في مصارفها الشرعية.
إعلامياً:
أغلقت السلطات الموريتانية مركز تكوين العلماء وجامعة عبدالله بن ياسين التابعين للإخوان عام 2018
يمتلك الإخوان في موريتانيا، قناةَ المرابطين الخاصة، التي تلقى طاقمُها تدريباتٍ مكثفةً في شبكة الجزيرة القطرية، كما يسيطر حزب “تواصل” الإخواني على عددٍ من المنصات والصحف مثل: الأخبار، والسراج، بالإضافة إلى ذلك امتلك التنظيم ذراعاً دينياً هو مركز تكوين العلماء، وعلمياً متمثلاً في جامعة عبدالله بن ياسين، وقد قامت السلطات بإغلاقهما العام الماضي.
يقوم بالدور القيادي للتنظيم محمد الحسن ولد الددو، الذي يترأس أغلب المؤسسات السابق ذكرها، ويعيش متنقلاً بين قطر وتركيا، ويُعتبر ولد الددو “قرضاوي” موريتانيا، ويقوم بنفس دوره في التحريض على العنف ونشر الفتن، وفي هذا يقول محمد الأمين ولد الشيخ، الناطق باسم الحكومة الموريتانية، إن ولد الددو يسيء للرئيس الموريتاني والحكام العرب، وما يفعله تحريضٌ واضح على الفتنة.
حاول الحزب نقل خلافاته مع الحكومة إلى الشارع، فقام بتنظيم العديد من التظاهرات لرفض التعديلات الدستورية عام 2017
يستغل التنظيم إمكانياتِه لخلق الأزمات السياسية، فافتعل حزب “تواصل” أزمةَ انسحاب نوابه من البرلمان خلال جلسة التصديق على النشيد الوطني الجديد، ورفضهم التعديلات الدستورية التي أجريت عام 2017، وحاول الحزبُ نقلَ خلافاته مع الحكومة إلى الشارع، فقام بتنظيم العديد من التظاهرات لرفض هذه التعديلات، لكنهم في النهاية فشلوا في فرض رأيهم.
جاءت الانتخابات الرئاسية الأخيرة لتُظهر الوجهَ القبيح للتنظيم، وتنفيذه للأجندة الخارجية، والقطرية منها على وجه الخصوص، فقامت الدوحة بتقديم الدعم اللازم للموالين لها، وتكفلت بتمويل الحملات الدعائية لهم، وحاول الحزبُ استمالةَ محمد ولد الغزواني – وزير الدفاع وقتها والفائز بالانتخابات الأخيرة – ليكون مرشحَها، لكنه لم يقبل، مقتنعاً بخطورة الأجندة القطرية على بلاده، ونتيجةَ هذا الرفض، كلفت الدوحة حزبَ “تواصل” بدعم وتأييد المرشح سيدي محمد ولد بوبكر، بعد أن اختاره صديقُه وحليفه معاوية ولد سيدي أحمد الطايع الرئيس الموريتاني السابق، الذي يقيم في منفاه بالدوحة.
وبوبكر هو رئيس وزراء سابق ما بين عامي 1992 و1996 في عهد الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، كما ترأس الحكومة في فترة انتقالية إثر انقلاب عام 2005.
قطع اليد القطرية
عكست الانتخابات الرئاسية الموريتانية حالةَ العَزْل الحكومي والشعبي لتنظيم الإخوان في البلاد، ورفض الأجندة القطرية التركية التي يمثّلها، فقد سارت نواكشوط على نهج الرباعي العربي، وقطعت العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة في 6 يونيو 2017، وذلك بعد يومٍ واحد من إعلان التحالف العربي للمقاطعة.
ولم يأتِ قطعُ موريتانيا لعلاقاتها مع قطر من فراغ، بل جاء في ظلِّ إصرار الدوحة على التمادي في السياسات العدائية التي تنتهجها، في حين أكدت نواكشوط التزامَها القويَّ بالدفاع عن المصالح العربية العليا، وتمسّكها الثابت بمبدأ احترام سيادة الدول، وعدم التدخّل في شؤونها، وسعيها الدؤوب لتوطيد الأمن والاستقرار في الوطن العربي والعالم.
وقبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وبعد مرور عامين على المقاطعة العربية لقطر، قال ولد عبدالعزيز إنه ليس نادماً على قطع العلاقات مع قطر، وإن ذلك كان شرفاً له، شارحاً أن ما قامت به الدوحة تجاه بعض الدول العربية يتساوى مع ما فعلته ألمانيا النازية، فقد ساهمت في خراب تونس وليبيا وسوريا واليمن، بالإضافة إلى تهديد أمن بعض الدول الأوروبية والغربية، عبر دعمها الإرهاب ونشر التطرّف والعنف.
وأوضح الرئيس الموريتاني المنتهية ولايته، دورَ الأجهزة الإعلامية الكاذبة التي تمتلكها قطر بالمهاجمة وبث الفتن في جميع الدول، ولها الحرية في الحديث عن كل شيء إلا ما يدور حول مقرّها.
أسباب وتداعيات الهزيمة
تمثلت الأسباب المباشرة لخسارة مرشح الإخوان في:
– الانشقاقات في صفوف التنظيم، وبدأت باستقالة البرلماني البارز المختار ولد محمد موسى في يناير 2019، وتبعته الدكتورة حاجة بنت البخاري، وهي من مؤسسي الحزب، وأبرز القيادات النسائية في التيار، والإعلامية المعروفة عزة بنت مولاي الحسن، وعبدو الخطاط عضو مجلس شورى الحزب.
وأخيراً استقالة قياديين بارزين، هما مدير الرياضة السابق في وزارة الشباب سيدي أحمد ولد الحسين، وعضو مجلس شورى حزب الجماعة السعد أوفى، اللذين استقالا قبيل انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية بداية يونيو 2019، ليلحقا بركب العشرات من القيادات السابقة التي نقلت دعمَها للمرشّح الفائز فيما بعد محمد ولد الغزواني.
– نكث التنظيم للمواثيق والعهود التي وقّعها مع المعارضة لدعم مرشح موحّدٍ للرئاسة، وهي عادة ليست غريبة على الإخوان، ليس في موريتانيا وحدها، بل في كل الدول التي يمارس فيها التنظيم نشاطه السياسي.
– تكاتف القوى السياسية ضد مرشح الإخوان، بعد ظهور أجندتهم الخبيثة، وتنفيذهم لسياسات قطر وتركيا.
وكعادتهم في ممارسة التخريب عقب الفشل في كلّ انتخابات، زعم مرشحُهم الخاسر ولد بوبكر بأن النتائج لا تعبّر عن إرادة الشعب الموريتاني المتطلّع للتغيير، وقال السالك ولد سيدي محمود، الناطق باسم حزب تواصل، إن حزبه رافض لنتائج الانتخابات الرئاسية، وغيرُ معترفٍ بمخرجاتها، وتمّ الدفع بعناصر الجماعة للتظاهر في أحياء نواكشوط، مغلقين شوارع في حي البصرة بمقاطعة السبخة.
ازدادت موجات الرفض الشعبي لأجندة الإخوان من دولة إلى أخرى، رغم الدعم اللامحدود الذي تقدّمه تركيا وقطر لأفرع الجماعة حول العالم
واستمرّ التنظيم في تحريض عناصره على الفتن، فألقت السلطات القبض على القيادي البارز في حزب “تواصل” أحمدو ولد الوديعة، على خلفية تحريضه على الفوضى، بعد ادعائه بأن الانتخابات شابها تزوير، محرّضاً الموريتانيين على النزول في تظاهرات من أجل رفض الرئيس المنتخب ولد الغزواني.
ختاماً.. فقد كان سقوط جماعة الإخوان المسلمين في مصر من الحكم، بدايةً لانحسار التنظيم حول العالم، حيث فشل في تحقيق أهدافه في دُولٍ مثلِ تونس وليبيا والمغرب، وتتابعت عليه الهزائمُ المتتالية، وازدادت موجات الرفض الشعبي لأجندة الإخوان من دولة إلى أخرى، رغم الدعم اللامحدود الذي تقدّمه تركيا وقطر لأفرع الجماعة حول العالم، وسيمتدّ أثرُ تلك الهزائم للأفرع الأخرى للإخوان حول العالم، ما يُصيب أجندةَ الدوحة وأنقرة بالفشل الذريع، والخيبة الكبرى في تحقيق أهدافها في المنطقة.