في الرابع من فبراير الجاري، ألقى الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن أول خطاب يحدد فيه معالم السياسة الخارجية في عهده، وذلك بعد مرور نحو 13 يومًا على تنصيبه، والذي أظهر اهتمامًا بالغًا بالأوضاع في اليمن التي شغلت حيزًا كبيرًا في الخطاب، الذي رسم إطارًا للتحركات الأمريكية المقبلة للتعامل مع هذا الملف الحيوي والمهم للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة.
ومن منطلق اعتبارات تتصل بالتأثيرات الخطيرة المترتبة على التهديدات الإرهابية الحوثية بالنسبة لاستقرار إمدادات النفط العالمية وخطوط الملاحة الدولية، بجانب تفاقم التداعيات الإنسانية للأزمة اليمنية، حمل خطاب الرئيس بايدن دعوة إلى إنهاء الحرب في اليمن، والتأكيد الواضح على مواصلة واشنطن دعم المملكة العربية السعودية في الدفاع عن سيادتها وأمنها ومواطنيها، وفي التصدي للصواريخ التي يطلقها الحوثيون.
الدبلوماسية أولًا.. منظور أمريكي للأزمة اليمنية
وارتبط إعلان بايدن بسلسلة من الخطوات العملية، فعلى صعيد الدعوة لإنهاء الحرب جاء قراره بتعيين تيموثي ليندركينغ مبعوثًا أمريكيًّا خاصًّا إلى اليمن؛ ليمثل ترجمة عملية للنهج الأمريكي الساعي لإعطاء دفعة للجهود الدبلوماسية لتسوية الأزمة اليمنية التي طال أمدها واستفحلت تداعياتها الإنسانية نتيجة لتعنت ميليشيا الحوثي المرتهنة للأجندة الإيرانية وسط غياب للضغوط الدولية الجادة على تلك الميليشيا.
وفي تحرك يؤشر على رغبة في التعامل السريع مع الشق الإنساني للأزمة اليمنية، بدأت إدارة بايدن في الخامس من فبراير الجاري إجراءات شطب المتمردين الحوثيين من لائحة الإرهاب، نظرًا لما قد ينطوي عليه هذا الإدراج في ظل الأوضاع الميدانية الراهنة من إضرار بشأن تقديم مساعدات إنسانية ضرورية لليمنيين.
وقد ركَّزت تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية على هذا المنظور، حينما أكد أن قرار شطب الحوثيين لا علاقة له بنظرة الإدارة الأمريكية إلى تلك الميليشيا وسلوكها المستهجن، بما في ذلك الهجمات على المدنيين، وخطف المواطنين الأمريكيين.
وشددت العديد من الدوائر الرسمية الأمريكية على أن التحرك لشطب الحوثيين من لائحة الإرهاب ناجم فقط عن العواقب الإنسانية لهذا التصنيف الذي قامت به إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في الدقائق الأخيرة، في إشارة إلى قرار وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو إدراج الحوثيين على لائحة الإرهاب قبل أيام من مغادرته منصبه الشهر الماضي، نظرًا لصلاتهم بإيران وهجوم مطار عدن في 30 ديسمبر الماضي.
الفهم الحوثي الخاطئ لرسالة إدارة بايدن
ورغم وضوح الموقف الأمريكي، فإن سلوك ميليشيا الحوثي الإرهابية قد عكس فهمًا خاطئًا لرسائل الإدارة الأمريكية الجديدة، فبينما تتسارع الجهود نحو الحل السياسي للأزمة اليمنية، لم تتوقف الميليشيات المدعومة من إيران عن سلوكها التخريبي الذي يقضي على أي بادرة للسلام في مهدها، وهو ما تمثَّل في إقدام الميليشيات الإرهابية الإجرامية على تكثيف الهجمات الإرهابية ضد المملكة والقوات الحكومية اليمنية، وهو ما يتضح في ما يلي:
إطلاق الميليشيا الحوثية الإرهابية طائرة من دون طيار “الدرون” مفخخة لاستهداف الأعيان المدنية والمدنيين بالمنطقة الجنوبية، والتي تمكن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن من اعتراضها وتدميرها.
واللافت أن ذلك الهجوم الإرهابي جاء بعد ساعات قليلة من إجراءات رفع الميليشيا من قائمة الإرهاب، وتزامن مع بدء المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن جريفيث، زيارة إلى إيران ضمن الجهود الدبلوماسية التي يبذلها للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية.
استهداف الحوثيين لمطار أبها بنسخة من طائرة أبابيل تي إيرانية الصنع، ما أدى إلى إلحاق أضرار جزئية في جسد إحدى الطائرات المدنية.
إعلان قوات التحالف العربي لدعم الشرعية اعتراض وتدمير طائرة “مسيرة حوثية” مفخخة تم إطلاقها بطريقة ممنهجة ومتعمدة لاستهداف المدنيين في مدينة خميس مشيط جنوب غربي المملكة.
استئناف الحوثيين هجماتهم من أجل السيطرة على مدينة مأرب آخر معاقل الحكومة الشرعية في شمال اليمن، حيث اندلعت معارك عنيفة أوقعت عشرات القتلى.
الحراك الدبلوماسي السعودي النشط لدعم جهود التسوية السياسية اليمنية
وقد جاءت تلك الهجمات الحوثية الإرهابية ضد المملكة بالتزامن مع تحركات دبلوماسية نشطة في الرياض لدعم جهود التسوية السياسية للأزمة اليمنية، تمثلت في لقاء صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان بن عبد العزيز نائب وزير الدفاع مع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، والمبعوث الأمريكي إلى اليمن تيموثي ليندركنغ، وكذلك لقاء وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان مع المبعوث الأمريكي.
وتبعث تلك اللقاءات برسالة واضحة إلى المجتمع الدولي تؤكد على ثوابت الموقف السعودي، والتي تتمثَّل في ما يلي:
– استمرار دعم الرياض للجهود الدبلوماسية للتوصل لحل سياسي شامل في اليمن، وفق المرجعيات الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية، ومخرجات مؤتمر الحوار وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
– رفض المساس بأمن المملكة والوقوف بوجه الممارسات العدائية لميليشيا الحوثي المدعومة من إيران في استهداف المدن والمدنيين.
– دعم المملكة للشرعية اليمنية سياسيًّا وعسكريًّا في مواجهة الميليشيات الحوثية في كل الجبهات وبكل حزم.
ومما لا شك فيه أدت الهجمات الحوثية الأخيرة إلى وضع الإدارة الأمريكية الجديدة في موقف حرج في مستهل انخراطها في الملف اليمني، كما عزَّزت من موقف بعض الأصوات الناقدة لنهج الإدارة الأمريكية الجديدة، باعتبار أنه يدفع بصفقة هشة من غير المرجح أن تحقق سلامًا في اليمن، بل ستأتي بنتائج عكسية.
ومن أبرز تلك الأصوات وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو الذي اعتبر أن إلغاء التصنيف الإرهابي للحوثيين يعتبر هدية للإيرانيين، وسيسمح للحوثيين بمواصلة إثارة الإرهاب في جميع أنحاء العالم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإدارة الأمريكية الجديدة لم تكد تبدأ إجراءات شطب الحوثيين من لائحة الإرهاب حتى أصدرت بيانات إدانة للأنشطة الإرهابية للحوثيين، فضلًا عن تأكيد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس أن الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات عن قيادات الحوثيين.
ودعا برايس ميليشيا الحوثي إلى الوقف الفوري للهجمات التي تطال المدنيين داخل السعودية، ووقف أي هجمات عسكرية جديدة داخل اليمن، والتي لا تجلب إلا المزيد من المعاناة للشعب اليمني.
ولجأت إدارة بايدن إلي تشديد لهجتها ضد الحوثيين، وتجسد ذلك في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتونى بلينكن بعد اتصال هاتفي بنظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، لبحث الجهود المشتركة لتعزيز الدفاعات السعودية، حيث جدد بلينكن التأكيد على أن السعودية شريك أمني مهم لبلاده وأن واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي بينما يهاجم الحوثيون المملكة.
وختامًا، يظهر التصعيد العسكري الحوثي الأخير عدم امتلاك تلك الميليشيا الإرهابية أي إرادة سياسية لتحقيق السلام، والغياب التام للحرص على مراعاة المصلحة الوطنية اليمنية، فهي مجرد أدوات تحركها إيران وفقًا لأجندتها، حيث توظف الأزمة اليمنية كورقة في لعبة مساومات مع واشنطن والغرب بخصوص الملف النووي وبرامجها الصاروخية.
كما يفرض التصعيد الميداني الراهن على الإدارة الأمريكية الجديدة ضرورة تبني نظرة أكثر شمولاً للأزمة اليمنية تبتعد عن النظرة الضيقة المرتبطة بالرغبة في محو ميراث الإدارة السابقة في شتى الملفات الداخلية والخارجية على حد سواء.
وأخيرًا، يبقى التأكيد على أن أي تخفيف للضغوط عن إيران أو أذرعها المسلحة في المنطقة وعلى رأسها الحوثيون، لن يفضي إلى تحقيق الأمن والاستقرار وإرساء السلام، فالسبيل الوحيد لإجبارهم على الامتثال لمتطلبات السلام هو تشديد الضغوط، فهى اللغة الوحيدة التى يفهمها النظام الإيرانى وميلشيا الحوثي، والتى تجدي نفعا في تلجيم سلوكهم التدميري.