تقارير

الاستماعُ الاجتماعيُّ.. أداة فاعلة للنهوض بالمؤسسات

تُعد مواقع التواصل الاجتماعي حجر الزاوية في منظومة الإعلام الجديد، الذي يوفر العديد من الفرص أمام عمل المؤسسات أو الشركات أو الهيئات، ويفرض في الوقت ذاته العديد من التحديات، لذلك تُقبل تلك المؤسسات على الانخراط في تلك البيئة؛ لمواكبة العصر والاقتراب أكثر من الجمهور.
ويلعب “الاستماع الاجتماعي- Social Listening” دورًا بارزًا في جهود جمع المؤسسات أو الشركات أو الهيئات معلومات عن صورتها في أذهان الجماهير، ليس هذا فحسب، ولكنه يعتبر مكونًا أساسيًّا في صناعة المنتج أو الخدمة المقدمة، وأيضًا صياغة الاستراتيجية التسويقية وما تتضمنه من رسائل اتصالية.
ولا يقتصر استخدام أداة الاستماع الاجتماعي على قياس الأداء التنافسي بين الشركات والعلامات التجارية، فمن الممكن أن تستخدمه أيضًا الجهات الحكومية الخدمية لمعرفة صدى ما تقدمه من خدمات، وبالتالي استكشاف آفاق تطوير تلك الخدمات، ووضع استراتيجيات جديدة تتضمن مستهدفات تعالج الشواغل لدى الجمهور، وتُحقق النهوض بأداء المؤسسات.
الفارقُ بين الاستماع الاجتماعي ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي
ويُقصد بالاستماع الاجتماعي تتبع الإشارات لبعض الكلمات أو العبارات أو حتى الاستفسارات المعقدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، وتكون تلك العملية متبوعة بتحليل للبيانات.
ووفقًا لموقع “marketingland” المتخصص في التسويق، قد تكون الكلمة النموذجية التي يجري تتبعها هي اسم العلامة التجارية، لكن إمكانيات مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي تتجاوز ذلك، حيث بالإمكان مراقبة إشارات المنافسين أو هاشتاقات مرتبطة بحملات ما.
وعلى الرغم من المسمى، فإن الاستماع عبر الشبكات الاجتماعية لا يقتصر فقط على وسائل التواصل الاجتماعي، فالعديد من أدوات الاستماع تراقب أيضًا مواقع الأخبار والمدونات والمنتديات وبقية أجزاء الإنترنت.
ويُطلق البعض على الاستماع الاجتماعي العديد من الأسماء المختلفة مثل “تحليل الطنين- buzz analysis”، و”قياس الوسائط الاجتماعية social media measurement –”، و”مراقبة العلامة التجارية – brand monitoring”، واستخبارات الوسائط الاجتماعية- social media intelligence”، وأخيرًا وليس آخرًا “مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي-social media monitoring “، وعلى الرغم من أن هذه المصطلحات لا تعني نفس الشيء بالضبط، فغالبًا ما يتم استخدامها بالتبادل.
ووفقًا لشركة “hootsuite” المتخصصة في وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الاستماع الاجتماعي عملية من خطوتين؛ الأولى تتضمن مراقبة قنوات التواصل الاجتماعي من أجل التعرف على مكانة علامتك التجارية ومنافسيك ومنتجاتك والكلمات الرئيسية المتعلقة بعملك. أما الخطوة الثانية فتتمثل في تحليل المعلومات للاستفادة من النتائج التي خرجت بها من عملية الاطلاع.
وللوهلة الأولى قد يبدو الاستماع الاجتماعي مثل مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي – لكنّ المفهومين يختلفان في الواقع من نواحٍ مهمة، حيث تقوم مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي بإلقاء نظرة على مقاييس مثل: الإشارة للعلامة التجارية، والهاشتاقات ذات الصلة، والإشارة للمنافسين، واتجاهات الصناعة.
أما الاستماع الاجتماعي فينظر إلى ما وراء الأرقام، فهو لا يتوقف أمام معدل المشاركة وعدد الإشارات، ولكن الاهتمام ينصبُّ حول الحالة المزاجية وراء تلك البيانات، عبر المساعدة في فهم شعور الأفراد تجاه العلامة التجارية وتجاه منافسيها أيضًا.
ويسمى هذا “المزاج عبر الإنترنت- online mood” أيضًا بمشاعر وسائل التواصل الاجتماعي، وتُعد مراقبة تلك المشاعر جزءًا أساسيًّا من عملية الاستماع، حيث تُسهم في الحفاظ على جهود التسويق، وتطوير المنتجات على المسار الصحيح، فضلًا عن السماح بالرد الفوري على المشاركات الإيجابية أو السلبية.
أبرز الفوائد المُتحققة من توظيف الاستماع الاجتماعي
يُوفر الاستماع إلى وسائل التواصل الاجتماعي فرصة الوصول إلى رؤى قيّمة حول العملاء والسوق والمنافسين، فهو يساعد في الحصول على إجابات للأسئلة التي تهم عملك دون الحاجة إلى طرح الأسئلة بشكل صريح.
وهنا تجدر الإشارة إلى وجود عدد لا حصر له من الطرق التي يمكن من خلالها استخدام بيانات الوسائط الاجتماعية من أبرزها:
• إدارة السمعة: تُعد واحدة من الأسباب الأكثر شيوعًا لاستخدام الشركات للاستماع الاجتماعي، حيث تُراقب الشركات إشارات المستخدمين لعلامتها التجارية ومنتجاتها لتتبع سمعة العلامة التجارية، والاستجابة للتغيرات في حجم الإشارات والمشاعر في وقت مبكر لمنع أزمات السمعة.
• تحليل المنافسين: تمكّنك أدوات مراقبة الشبكات الاجتماعية من القدرة على تتبع ما يقال عن المنافسين على الشبكات الاجتماعية، وفي وسائل الإعلام وفي المنتديات وغيرها.
إن هذا النوع من جمع المعلومات مفيد في كل خطوة من خطوات تحليل المنافسين، مثل قياس سمعة العلامة التجارية للمنافسين وعقد مقارنات معها، ومعرفة ما يحبه أو يكرهه عملاء المنافسين بشأن منتجاتهم، واكتشاف المؤثرين والناشرين الذين يعملون معهم.
• ملاحظات بشأن المنتج: حيث يُمكِّن الاستماع الاجتماعي من تتبع ما يقوله العملاء عن المنتج عبر الإنترنت، ويسهم في معرفة كيفية تفاعلهم مع التغييرات التي تطرأ على المنتج، وما الذي يحبونه في المنتج، وما يعتقدون أنه ينقصه.
بعبارة أخرى يسمح بمعرفة المزيد عن الجمهور من خلال فهم احتياجاتهم بشكل أفضل وتعلم التحدث بلغتهم، وبالتالي يؤدي إلى تحسين الرسائل التسويقية التي تلقى صدى لدى العملاء.
• العلاقات العامة: يمكن أن يساعد الاستماع الاجتماعي فريق العلاقات العامة بأكثر من طريقة، منها أنه يتيح له مراقبة وقت نشر البيانات الصحفية والمقالات التي تشير إلى شركتك. كما يمكن لمحترفي العلاقات العامة تتبع الإشارات للمنافسين، والكلمات الرئيسية الخاصة بالمنتج للعثور على منصات جديدة للحصول على تغطية أوسع للمنتج أو نشاط الشركة.
• البحث: لا يقتصر الاستماع عبر الشبكات الاجتماعية على العلامات التجارية فحسب، بل يتيح أيضًا مراقبة ما يقوله الأشخاص عن أي ظاهرة عبر الإنترنت، ما يعني إمكانية استخدام تلك الأداة من جانب الصحف ووسائل الإعلام لتقييم حجم المحادثات حول قضية اجتماعية، أو يستخدمها رائد أعمال يتطلع إلى بدء عمل تجاري ضمن أدوات إجراء أبحاث السوق.
إرشادات بخصوص الإعداد لعملية الاستماع الاجتماعي
يتوقف الاستماع الاجتماعي الجيد على كيفية تنفيذ تلك العملية، ما يعني اختيار الكلمات الرئيسية الصحيحة للقيام بالعملية، ومن المحتمل أن تتطور الكلمات الرئيسية والموضوعات التي تراقبها بمرور الوقت.
وتشير شركة “hootsuite” إلى وجود قائمة بالكلمات والموضوعات المهمة التي يجب مراقبتها منذ البداية، وتشمل اسم العلامة التجارية، واسم المنتج بما في ذلك الأخطاء الإملائية الشائعة له، الأسماء التجارية وأسماء المنتجات الخاصة بالمنافسين، شعارك وشعارات منافسيك، أسماء الأشخاص الرئيسيين في شركتك والشركات المنافسة لك مثل الرئيس التنفيذي أو المتحدث الرسمي، وأيضًا الأسماء أو الكلمات الرئيسية للحملات التسويقية، والهاشتاقات الخاصة بعلامتك التجارية وأيضًا بمنافسيك.
وفي ذات السياق، يثار تساؤل هنا حول كم البيانات اللازمة لعملية الاستماع الاجتماعي؟ أو بعبارة أخرى المدة التي ستستمع إليها اجتماعيًّا.
والجواب ببساطة أن تحديد المدة يكون وفقًا لهدف القائم على العملية، فبالنسبة لبعض القطاعات مثل خدمة العملاء، ستكون المدة مفتوحة لأنها عملًا مستمرًّا، لكن في حالات أخرى لا بد من أن تكون العملية أكثر تحديدًا من خلال الإجابة على عدة تساؤلات، ومنها هل تحتاج إلى بيانات لمدة عام أم أقل؟ هل يجب أن تأتي من بلد واحد أم من جميع أنحاء العالم؟ هل المطلوب بيانات من جميع المنصات الاجتماعية أم منصة واحدة فقط؟
من ناحية أخرى، هناك مجموعة من الإرشادات ذات الصلة بالاستماع الاجتماعي، تؤدي إلى الحصول على أقصى استفادة من استخدام تلك الأداة ويكون لها أثر بالغ في توجيه استراتيجية المؤسسة، وتتمثل فيما يلي:
الاستماع في كل مكان: بمعنى أن تقوم باكتشاف المكان الذي يتحدث فيه جمهورك وليس فقط ما يقولونه، وهذا يعني إنشاء شبكة واسعة لجهود الاستماع الاجتماعي الخاص بك.
فعلى سبيل المثال من المحتمل أن تكون المحادثات حول علامتك التجارية على منصة “لينكدإن” مختلفة كثيرًا عنها على إنستغرام، وقد تجد أن الجمهور يتحدث عنك طوال الوقت على تويتر وليس فيسبوك، لذلك فإن معرفة أين يتحدثون عنك لا يقل أهمية عن كيفية حديثهم عنك.
تعلم من المنافسين: يمكن دائمًا تعلم شيء ما من المنافسين، عبر ما يقوله الجمهور عنهم، ومشاهدة ما يفعلونه بشكل صحيح ينال استحسان الجمهور، ولكن الأهم من ذلك التعلم من أخطائهم.
التعايش مع التغييرات: البدء في جمع المعلومات الاجتماعية، يُنمي إحساسًا بالمحادثات المنتظمة والمشاعر حول العلامة التجارية. وبمجرد معرفة شعور الجمهور بشكل منتظم، يمكن معرف متى يتغير ذلك.
التعاون مع فرق أخرى داخل المؤسسة: يُوفر الاستماع الاجتماعي مجموعة كبيرة من المعلومات المفيدة لشركتك بأكملها. ربما تكون إحدى مشاركات العميل بحاجة إلى رد على الفور أو تكون فكرة لمنتج جديد أو ميزة جديدة لمنتج موجود بالفعل.
ويُمكن أن تستفيد فرق خدمة العملاء وتسويق المحتوى وتطوير المنتجات مما تتعلمه عند الاستماع على وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك لا بد من التأكد من مشاركة الدروس المستفادة مع تلك الفرق.
اتخذ إجراءات: إذا لم تتخذ أي إجراء، فستصبح منخرطًا فقط في مراقبة الشبكات الاجتماعية، وليس الاستماع الاجتماعي، فالأخير لا يقتصر فقط على تتبع المقاييس.
إن الأمر يتعلق بالحصول على إحصاءات حول ما يريده العملاء الحاليون والعملاء المحتملون وكيف يمكن منحهم إياها، لذا لا بد من التأكد من تحليل الأنماط والاتجاهات بمرور الوقت، بدلاً من مجرد التعليقات الفردية.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن الاستعانة بأدوات الاستماع الاجتماعي لا تُعد ترفًا، بل هي مكوّن رئيسي ومحوري في تطوير استراتيجية التسويق والخدمات والمنتجات التي تقدمها أي مؤسسة.
وتتمثل الميزة الكبرى هنا في أن الاستماع الاجتماعي يسمح بتتبع شعور العملاء أولاً بأول، وبهذه الطريقة يمكن معرفة المشاركات التي تحقق أداءً جيدًا للعلامة التجارية أو المؤسسة وتلك التي لا تحقق، فضلًا عن رصد الأخطاء التي قد تهدد سمعة وربما بقاء العلامة التجارية قبل أن تخرج تلك الأخطاء عن نطاق السيطرة، أي أنها توفر مؤشرًا للتنبؤ بالأزمات والتحرك الاستباقي لاحتوائها.

زر الذهاب إلى الأعلى