يعد تزييف الوعي ركنًا أساسيًّا في استراتيجية جماعة الإخوان الإرهابية، فهو ممارسة دأبت الجماعة على توظيفها لخدمة أهدافها وطموحها نحو تحقيق السيطرة والوصول إلى سدة الحكم.
فمنذ نشأة الجماعة عام 1928، وهي تتبنى ذلك المنهج، حيث سعت إلى التغلغل في المجتمع عبر خطاب المظلومية، وكجماعة تعمل تحت الأرض سعت إلى نشر أيديولوجيتها من خلال اختراق أنظمة التعليم والمناهج، حيث تمثل تلك المنطقة تربة خصبة لنشر فكر الجماعة.
وبينما استمر هذا الوضع لعقود متتالية، إلا أن فترة ما بعد عام 2011 والتي تسمى إعلاميًّا ـبمرحلة “الربيع العربي” أدت إلى تحوُّل في استراتيجية الجماعة من التركيز على استقطاب الشعوب إلى مخاطبة الغرب في محاولة للاستقواء بالخارج والتشبث بحاضنة دولية، بعدما فقدت الجماعة الحاضنة الشعبية التي عملت على تشكيلها لسنوات، فتجربة الإخوان في الحكم ببعض الدول العربية أدت إلى انكشاف استراتيجي لتلك الجماعة الإرهابية.
واللافت أن الخطاب الحالي للجماعة القائم على نشر الشائعات هو أحد تجليات حروب الجيل الرابع التي تستهدف المنطقة العربية، إذ تعد حروب المعلومات أحد أبرز أنماط حروب الجيل الرابع بما تمثله من خطر داهم على اقتصادات الدول والبنى التحتية والأمن القومي بمفهومه الشامل.
وسائل الإعلام وحروب الجيل الرابع
وقد ظهر مفهوم أجيال الحرب في مقال نشرته مجلة “The Marine Corps Gazette” في عام 1989، حيث قام المؤلفون بتقسيم الحرب إلى أجيال، وفقًا لتطوُّر التكتيكات والتقنيات المستخدمة في الحرب.
ويعرف البروفيسور ماكس مانوراينج المحلل بمعهد الدراسات الاستراتيجية التابع لكلية الحرب بالجيش الأمريكي حروب الجيل الرابع بأنها الحرب بالإكراه لإفشال الدولة وزعزعة استقرارها ثم فرض واقع جديد يراعي مصالح العدو.
وتتضمن حروب الجيل الرابع مجموعة من الأدوات، من أبرزها استخدام كل الضغوط المتاحة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو عسكرية، فضلًا عن ممارسة حرب نفسية متطورة للغاية من خلال الإعلام والتلاعب النفسي، واستخدام محطات فضائية تكذب وتقوم بتزوير الصور وتزييف الحقائق.
كما تُستخدم في هذه الحروب وسائل الإعلام الجديدة والتقليدية، كما أنها تعتمد على شبكة صغيرة من الاتصالات والدعم المالي، فليس من السهل القدرة على التعرف على مصدر الدعم المالي لهذه الشبكات مثل تمويل العناصر الإرهابية.
وتهدف تلك الحروب إلى تفتيت مؤسسات الدولة والعمل على انهيارها أمنيًّا واقتصاديًّا وتفكيك وحدة شعبها من خلال الإنهاك والتآكل البطيء للدول، فهي تحقق نفس أهداف الحروب التقليدية ولكن بتكلفة بشرية ومادية أقل.
الأكاذيب جوهر الاستراتيجية الإعلامية لجماعة الإخوان الإرهابية
وفي هذا الإطار، تعتبر جماعة الإخوان إحدى أدوات تنفيذ حروب الجيل الرابع في المنطقة العربية، سواء في الشق المادي المتعلق باستهداف الدول والشعوب بالعمليات الإرهابية، أو الشق المعنوي الذي يتعلق بإحباط الجماهير وزعزعة الثقة بينهم وبين السلطة، وهنا تبرز خطورة الاستراتيجية الإعلامية التي تتبناها الجماعة، والتي يمكن استعراض محاورها من خلال النقاط التالية:
أولا: المزج بين الإعلام التقليدي والجديد، حيث تعتمد الجماعة الإرهابية على استخدام وسائل الإعلام التقليدية لا سيما القنوات التليفزيونية من أجل بث الشائعات التي تستهدف الدول والحكومات والقادة، وتعمل على إثارة التوتر بين السلطة والمواطن وتشويه كل إنجاز وبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد ونشر الفتن والأفكار التخريبية الهدامة.
وفي مرحلة لاحقة يتم تسويق ذلك المحتوى المغرض عبر وسائل التواصل الاجتماعي وإيجاد حالة من التفاعل حوله عبر كتائب إلكترونية تحرِّكها الجماعة الإرهابية في محاولة لتضليل الرأي العام وخلق حالة من الالتباس لدى الجمهور.
وتجدر الإشارة هنا أيضًا إلى أن دورة الشائعات قد تبدأ من خلال منصات التواصل الاجتماعي، فهي في حد ذاتها بيئة خصبة وصالحة لانتشار الشائعات.
ثانيا: توجه الجماعة الإرهابية نحو مخاطبة الغرب، من خلال تقارير إعلامية ومساحات مدفوعة وشركات علاقات عامة، فبين الحين والآخر تقوم بشن حملات إعلامية تتضمن تقارير وأخبارًا تهدف لترسيخ ادعاءاتها وأكاذيبها وتشويه كل صوت وطني يعارض تلك الجماعة، وتتخذ تلك التقارير من روايات عناصر الجماعة مصدرًا رئيسيًّا وشِبْهَ أوحد لنسج القصة الخبرية، هذا فضلًا عن إفساح المجال لأقلام إخوانية في المنصات الإعلامية الغربية، وهو ما أدى في بعض الحالات إلى وضع مصداقية تلك المنصات على المحك ودفعها لاتخاذ خطوات تهدف لإنقاذ صورتها، فعلى سبيل المثال نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية في يونيو 2019 مقالًا للقيادي الإخواني المصري الهارب يحيى حامد، زعم فيه أن مصر على حافة الإفلاس، لكنها نشرت بعد عدة أيام مقالًا للخبير الاقتصادي المصري الأستاذ المساعد بالجامعة الأمريكية، أحمد شمس الدين مقالًا يرد فيه على مزاعم حامد.
كما تلجأ جماعة الإخوان الإرهابية للتأثير في “مراكز الأبحاث-Think Tank”، ولطالما كانت قضية حيادية واستقلالية مراكز الفكر ومراكز الأبحاث في الغرب والولايات المتحدة تحديدًا موضع خلاف، فمن المعروف أن العديد من هذه المراكز تتلقى تمويلًا كبيرًا من دول وشركات أجنبية، مما يجعل تحليلاتهم وأنشطتهم في بعض الأحيان موضع تساؤل وأنهم يسعون للترويج لأجندات معينة.
وتوجد العديد من مراكز الأبحاث في واشنطن، تربطها علاقات قوية مع جماعات الإسلام السياسي عمومًا، وجماعة الإخوان المسلمين على وجه الخصوص.
وفي هذا الإطار كشف تحقيق أجراه موقع “The Levant” الإخباري أن “مركز السياسة العالمية – Center for Global Policy” في واشنطن تجمعه صلات قوية بقيادات في جماعة الإخوان الإرهابية، فبالبحث في قواعد البيانات الحكومية في واشنطن أتضح أن المركز تم تسجيله في 2 أكتوبر 2019 كاسم تجاري للمعهد العالمي للفكر الإسلامي، الذي تأسس بتمويل من جماعة الإخوان.
ثالثا: ترويج ادعاءاتهم في تقارير المنظمات الحقوقية الدولية مثل منظمتي “هيومان رايتس ووتش” و”العفو الدولية”، وتشير تقارير صحفية عديدة إلى أن بعض مسؤولي التقارير المعنية بالأوضاع الحقوقية في المنطقة في هذه المنظمات إمَّا يرتبط تنظيميًّا بجماعة الإخوان أو يرتبط بمؤسسات إعلامية ودول في منطقتنا ترعى الجماعة وتوفر غطاءً سياسيًّا وماليًّا وإعلاميًّا لدعمها.
بالإضافة إلى ذلك تحرص جماعة الإخوان بشكل مكثف على الاستعانة بشركات العلاقات العامة الدولية، التي توفر للجماعة فرصة التواصل مع المشرِّعين في البرلمانات الغربية والهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان من أجل تسويق تلك التقارير التي تدَّعي زورًا التنكيل بالجماعة وتشوِّه صورة الحكومات التي تتخذ إجراءات لمكافحة الإرهاب الذي تصنعه وتموِّله وترعاه جماعة الإخوان وداعموها.
تعزيز الوعي المجتمعي من أجل التصدي للشائعات
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن الاستقواء بالغرب بات الرهان الوحيد لجماعة الإخوان الإرهابية، بعدما لفظت الشعوب العربية تلك الجماعة ومشروعها التخريبي، وبدأت الحكومات في اتخاذ خطوات لمجابهة ذلك الخطر بتصنيف الجماعة منظمةً إرهابيةً، والتخلص من كل الأفكار المتطرفة التي عملت جماعة الإخوان على توطينها في وجدان وعقل المجتمع.
كما تلعب الجماعة على وتر الشائعات والتشويه بالتركيز على ملفات حقوق الإنسان التي تلقى رواجًا واهتمامًا في الغرب، وإعادة تسويق لخطاب المظلومية القديم ضد الجماعة وأتباعها، ممَّا يتطلب التحرك الفاعل لكشف زيف ادعاءات الجماعة الإرهابية في الغرب.
وتأتي تحركات جماعة الإخوان الإرهابية لتجسد إحدى صور حروب الجيل الرابع، التي تقوم على سيناريو خبيث يُستخدم فيه الإعلام لإدارة ماكينة الشائعات ونشر الأكاذيب.
ولذلك تتطلب المواجهة الإعلامية لتلك المخططات الهدامة، العمل على رفع الوعي المجتمعي والاهتمام بالتربية الإعلامية لمحاربة الشائعات وتعزيز الفكر النقدي لدى المواطنين.
4 دقائق