لا يكلّ ولا يملّ، عبدالملك الحوثي، زعيمُ الميليشيا الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران، من ترديد مجموعةٍ من الأساطير، التي يملأ بها عقول أتباعه، ويبرّر بها عدوانه وجرائمه الدموية وتنفيذه لمخططات طهران.
يحرص الحوثي، على زعم التأييد الإلهي لجماعته وأنصاره، وتصديهم للمؤامرة ضد الأمة الإسلامية
وفي معظم خطاباته، يحرص الحوثي، على زعم التأييد الإلهي لجماعته وأنصاره، وتصديهم ومواجهتهم للمؤامرة العالمية التي تحاك ضد الأمة الإسلامية.
وتتواصل الخطابات التعبوية لزعيم الميليشيا الإرهابية، المشحونة بمعاني ومفردات الكراهية والتحريض، مُحاوِلةً تعويضَ هزائم وخسائر الحوثيين، والتغطية على ما تَسَبَّبُوا فيه من خراب وتدمير لليمن وشعبه.
يهدف خطاب الحوثي إلى تدعيم فكرة أو تبرير موقف أو تأكيد إيجابيات وهمية ومزعومة، أو إبراز سلبيات الخصوم
وفي الثاني من أبريل 2019، ألقى عبدالملك الحوثي أمام أتباعه، خطاباً بمناسبة ذكرى مقتل شقيقه حسين الحوثي، حيث وصف الخطابُ تلك الذكرى بأنها “محطة مهمة نكتسب منها المزيدَ من العزم والقوة”.
وضِمْن تحليل هذا الخطاب، يتضح بدايةً أنه يَندرج تحت تصنيف الخطابات السياسية الجماهيرية التي ترتبط في الغالب بالمناسبات والأزمات، والتي تحاول أن تُضفي صبغةَ الشرعية على الحركات والجماعات السياسية.
ويهدف خطاب الحوثي إلى تدعيم فكرةٍ، أو تبرير موقف، أو تأكيد إيجابيات وهمية ومزعومة، أو إبراز سلبيات الخصوم.
سياق الخطاب الحوثي
جاء سياق الخطاب بعد قرار مجلس الأمن الدولي الذي صدر بالإجماع في 21 ديسمبر 2019، بخصوص اليمن، تأييداً ودعماً لاتفاق ستوكهولم، الذي تمخّض عن حوار الدولة اليمنية مع ميليشيا الحوثي في السويد، وهو القرار رقم (2451) الذي يؤكد المرجعيات الثلاث والقرار الأممي (2216)، ويسعى لضمان تنفيذ اتفاق ستوكهولم.
في القرار الأممي الجديد حديث صريح عن منع زراعة الألغام ومنع تجنيد الأطفال وحرية حركة المواطنين، وهي جرائمُ ثلاث لا ترتكبها في اليمن سوى ميليشيا الحوثي، والأهم في القرار الأممي، أنه يسعى لنشر مراقبين لرصد الخروقات الحوثية الدائمة للاتفاق، وهو ما يزيد من التضييق على الحوثي، ويضيق مساحة المناورة والتضليل التي كان يستغلّها في السابق.
مخاطبة الأتباع
الخطاب الحوثي يرى أن جماعته هي الأَوْلى بالحكم والقيادة وهي الأحق بالثروة والسيادة
يتجه الخطابُ الحوثي في الأساس إلى مؤيديه وأتباعه الحوثيين الذين يصفهم بالقناديل، ولا يُعِير باقي الشعب اليمني الاهتمامَ الكافي والاحترامَ اللازم، فهو يصف كلَّ مَن لا ينتمي إلى جماعته بالزنابيل.
فالخطاب الحوثي يرى أن جماعته هي الأَوْلَى بالحُكم والقيادة، وهي الأحق بالثروة والسيادة، لكونهم “الأطهار”، وأن طاعة ولاتهم واجبة وتصل إلى حَدِّ القداسة والتنزيه، وهو بذلك خطابٌ إقصائي طائفي لا يدعم قِيَمَ المواطنة، وليس معنياً بجميع الأطياف السياسية الموجودة على الساحة الوطنية اليمنية.
يستمر الخطاب في تضليله لأتباعه وذلك بمحاولته رسم صورة أممية للمشروع الحوثي
ومن أجل التأثير على المتلقي، يواظب الخطاب الحوثي على استخدام الاستمالات العاطفية لأتباعه، ودغدغة مشاعرهم الدينية، مع الاستمرار في إضفاء الهالة المقدسة على سلالتهم المذهبية، حيث يصف شقيقه حسين بدر الدين بأنه “صاحب المشروع القرآني العظيم”، وأنه القدوة والقيادة والنور والهداية والبصيرة!
يستمر الخطاب في تضليله لأتباعه، وذلك بمحاولته رسم صورة أممية للمشروع الحوثي، فيقول إن هذا المشروع ليس قاصراً على اليمن فقط، بل هو مشروع الأمة بكاملها، وأن مسار الأحداث في الساحة الإسلامية وفي المنطقة العربية وفي اليمن، يُقدِّم في كل يومٍ الشواهدَ تلو الشواهد، على صواب المشروع الحوثي وأهميته وضرورته والحاجة إليه.
ويأتي كلُّ ذلك في محاولةٍ لتغليف مشروعهم السياسي بغلافِ الكمال والعصمة الدينية، معتمداً على النمطية واللغة الخشبية التي لا تلامس قضايا الواقع، ولا تسعى إلى إيحاد حلولٍ حقيقية لها.
خصائص خطاب الحوثي
ويرتكز الخطابُ في الأساس على الوصفات السياسيّة الجاهزة، التي غالباً ما يتواتر ذِكرُها عند الجماعات والأحزاب الإيديولوجية، فتبدو أقربَ إلى الشعارات المتعالية على الواقع ومخرجاته.
يستمر الخطاب الحوثي في تكريس سياسة الإقصاء، وتقسيم أبناء الشعب اليمني الواحد
يستخدم الحوثي لغة الاستعلاء على الجميع، وذلك عبر ترويجه بأن مشروعهم فقط هو الذي يمتلك الحقيقة المطلقة، دون أية رؤى أخرى في العالمين العربي والإسلامي.
ويستمرّ الخطاب الحوثي في تكريس سياسة الإقصاء، وتقسيم أبناء الشعب اليمني الواحد، مبتعداً كلَّ البُعد عن قيم التسامح والاعتراف بالحق في الاختلاف والتعدّد والتنوّع.
لا يملُّ الخطابُ الحوثي من الحديث عن كلِّ مَن يُعارضه، سواء في الداخل أو الخارج، مُتعمِّداً السكوتَ عما يَعتزم تحقيقه وَفقَ رؤيةٍ واضحةِ المعالم، فنجده دائمَ التنديد بالنظام اليمني الحالي، وبفشل كلِّ السياسات السابقة في شتى المجالات، وبالفساد الذي أنتج هذا الواقع اليمني الصعب، دون الاعتراف بدور جماعته العُنصرية والطائفية، في هدم السقف اليمني على جميع أبناء اليمن.
يحاول الخطاب الحوثي يائساً استغلال كره العرب التاريخي لأمريكا وإسرائيل
ويحاول الحوثي خداع أتباعه، بأن “عاصفة الحزم” ليست انتصاراً من التحالف العربي للشرعية في اليمن، ووقوفاً عربياً صادقاً لإنقاذ الشعب اليمني من سيطرة جماعته الإقصائية، ومن هيمنة ملالي إيران، ويَسُوق خدعته، بالقول إن هدف التحالف هو تنفيذ مخططات أمريكا “الشيطان الأكبر” وإسرائيل.
ويحاول الخطاب الحوثي يائساً استغلالَ كُرهِ العرب التاريخي لأمريكا وإسرائيل، وتوظيفَ ذلك في الرَّبطِ بين هذا الكُرهِ ومَن يَزعم أنهم أتباعٌ لهاتين الدولتين، وهو أسلوب خداعي مُكرَّر وبائس، يُدلِّلُ بوضوح على الإفلاس المنطقي وعدمية السياق العقلاني.
وضمن القراءة التحليلية لهذا الخطاب الحوثي، يَتَّضِح أن ما سكت عنه الخطابُ كان أهمَّ مما ورد فيه، وأنه تجاهل تماماً موضوعاً رئيسياً يشغل الرأيَ العام في بلده وفي العالم. فهو لم يقترب من ذِكر اتفاق ستوكهولم الذي وقعته ميليشيا الحوثي مع الحكومة الشرعية في العاصمة السويدية، في الفترة 6 – 13 ديسمبر 2018، بل تعمّد الخطابُ تجاهلَ ذِكر هذا الاتفاق حتى ولو بالإشارة أو التلميح، وذلك بالطبع في محاولةٍ منه للهروب أمام المجتمع الدولي، من الالتزام بالاتفاق الذي وقّعه تحت المظلة الأممية والدولية، والتنصّل كذلك من تقديم إجابات مقنعة ومنطقية تبرّر عدمَ الوفاء بالاتفاقات والمواثيق.
يسعى الخطاب الحوثي إلى إلصاق عار الهزيمة أمام إسرائيل بالحكومات العربية، ونسبة الانتصارات عليها للجماعات الخارجة عن الدولة
يدرك كلُّ متابع ومهتمّ، أن الغدر طبيعة راسخة لدى هذه الميليشيات الانقلابية، ومن هنا تَجاهل الخطابُ الحوثي ملفّ الاتفاقات، ظناً منه أن ذلك يعفيه من الاستهجان العلني، ومِن تَحَمُّلِهِ عواقبَ جرائمه التاريخية بحق الشعب اليمني.
يسعى الخطاب الحوثي إلى إلصاق عار الهزيمة أمام إسرائيل بالحكومات العربية، ونِسْبةِ الانتصارات عليها للجماعات الخارجة عن الدولة، والتي خطفت منها قرارَ السلام والحرب، مثل حزب الله وحماس، ويزعم أن التجربة الشعبية هي التي جعلت إيران في موقع القوّة، وهي التي حمت العراق مؤخراً، أمام الهجمة التكفيرية التي هي امتداد للهجمة الأمريكية ومرتبطة بالهجمة الأمريكية، وحمت سوريا وستحمي أيَّ شعبٍ وأيَّ بلدٍ من بلدان المنطقة، ويَصف كلَّ هؤلاء بالأحرار والكرماء والشرفاء، وهم المُتحَمِّلون للمسئولية.
ويحاول الحوثي في صورةٍ ضمنية إلحاقَ ميليشياته بتلك النماذج، التي راح يضفي عليها كل الأوصاف المبهرة، معتمداً في خطابه على غريزةِ القطيع، عبر توظيفِ الاستمالات العاطفية، بهدف التأثير على وجدان المتلقي العادي وانفـعالاته، وإثارة حاجاته النفسـية والاجتماعية، ومخاطبة حَواسِّه، بما يحقق أهدافه الطائفية والمذهبية على حساب مصالح باقي الشعب اليمني.
وأخيراً يتجلى تحريفُ الخطاب الحوثي للكلام عن مواضعه، اعتماداً على استخدام كلمةٍ أو صفةٍ أو فعل، تكون مُحَمَّلةً بمشاعرَ معينة، قد تكون سلبية تُضفي نوعاً من الرفض لهذا الاسم أو الفاعل المصاحب لها، مثل استخدام صفات (الشيطان الأكبر)، و(سياسة الاسترضاء للأمريكي والإسرائيلي)، و(اختراق الأمة من الداخل)، و(لتنفيذ مؤامراته التدميرية لهذه الأمة)، و(حملة تشويه غير مسبوقة للإسلام )، و(تقوِّض كيانَ الأمة)، و(هم فريق الشرّ في هذا العصر)، و(يلعب الدور السلبي والتخريبي والعدائي لهذه الأمة)، وغيرها من الكلمات والجمل والعبارات التي تكرّرت في خطاباته، والدالة عن مخزون متراكمٍ في نفوس هذه الميليشيا الإرهابية، والتي تنضح بالحقد والشر والهدم والتخريب والعداء للجميع.