قراءات

بريد هيلاري كلينتون.. المملكة حصن العروبة في مواجهة مخططات الفوضى

من جديد عادت قضية رسائل البريد الإلكتروني لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون تتصدر واجهة المشهد السياسي، بعدما رفعت وزارة الخارجية الأمريكية السرية عن أكثر من 35 ألف رسالة من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بكلينتون خلال تولِّيها منصب وزير الخارجية، والتي تضمنت العديد من الأسرار وكشفت كواليس المكائد التي كانت تدبَّر ضد دول عربية بغرض نشر الفوضى ودعم قوى الإرهاب في المنطقة خلال فترة الاضطرابات والاحتجاجات التي عُرفت إعلاميًّا بما يسمَّى “الربيع العربي”.

وقد شكلت تلك المراسلات نمطًا من أنماط التوثيق لتلك المرحلة التاريخية، ولأدوار مشرفة اتخذتها المملكة العربية السعودية بدافع عروبي وحرص على مصلحة الأمن القومي العربي والتصدي لمخططات قوى الشر، فظهر من خلال تلك المراسلات مواقف حاسمة اتخذتها المملكة وقيادتها الرشيدة، وفي الوقت ذاته كانت بمثابة وثيقة إدانة للسياسات القطرية، حيث فضحت الدور القطري الخبيث وسَعْي نظام الحمدين إلى مساندة جهود نشر الفوضى والتدخل في شؤون دول المنطقة، وكيف كانت، وما زالت، الأموال القطرية مصدر تمويل رئيسيًّا وإن لم يكن أوحد لتلك المشاريع التخريبية.

استقلالية القرار وتفرُّد وتماسك المجتمع السعودي

لقد ظهرت السعودية في العديد من المراسلات الخاصة بهيلاري كلينتون، على مستويات عدة، سواء من خلال تفاعلات مع القضايا السياسية خلال الفترة التي تغطيها تلك الرسائل أو على مستوى النظر إلى طبيعة السياسة الخارجية السعودية ودوائر حركتها، وكذلك النظرة الأمريكية لخصوصية المجتمع السعودي وتفرده عن سائر المجتمعات، وهو ما يتضح في النقاط التالية:

إغلاق الأمير سعود الفيصل الهاتفَ في وجه كلينتون:

تطرَّقت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة في إحدى رسائل البريد الإلكتروني إلى إغلاق وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل رحمه الله، الهاتفَ في وجهها بعدما طلبت من الرياض عدم إرسال قوات سعودية إلى البحرين عام 2011.

ويحمل ذلك الموقف مؤشرًا واضحًا على استقلال وقوة القرار السعودي، الذي يتوخَّى المصلحة العربية، وحكمة القيادة الرشيدة ذات البصيرة، التي تجيد توظيف كل ما لديها من قوة سياسية ودبلوماسية وعسكرية لإحباط تلك المخططات وإفشال تلك المساعي الخبيثة، وهو موقف يجسد مكانة السعودية كدولة عظمى، يبعث على الفخر والاعتزاز العربي بالمملكة القادرة على فرض الإرادة العربية تحت أي ظرف وعدم استجابتها لأي محاولة للتأثير على القرار، أيًّا كان شكلها.

وممَّا لا شك فيه أن الدور المشرف الذي قامت به قوات درع الجزيرة في البحرين وحفاظها على الأمن والاستقرار يظهر حنكة المملكة في التصدي لواحدة من المحطات الرئيسية لمخططات الفوضى في المنطقة عام 2011، كما أنه تحرك شرعي جاء بطلب من حكومة مملكة البحرين لوقف مخططات نشر الفوضى، وبموجب اتفاقية الدفاع المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي.

موقف المملكة الرافض لغزو العراق في ديسمبر 2002:

كان واحدًا من القضايا التي سلطت رسائل البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون الضوء عليها، إذ قالت في رسالة مؤرَّخة في 13 فبراير 2010: إن “السعوديين أصبحوا لا يثقون بنا في أخْذ مصالحهم بعين الاعتبار… بعد ما حدث في ديسمبر 2002 عندما كانت الولايات المتحدة تعد لغزو العراق وضد النصيحة التي عبَّر عنها بقوة ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبد الله بن عبد العزيز”.

ويشير ذلك إلى حرص القيادة السعودية على الحفاظ على الأمن القومي العربي، والرؤية الثاقبة التي تتحلَّى بها المملكة والقراءة الواعية لتداعيات خطوة كهذه على الاستقرار الإقليمي، وخطورة تحوُّل العراق إلى ساحة مستباحة من جانب الغرب والأطراف الطامعة والمتربصة في الإقليم مثل إيران وتركيا، وهو ما قد كان.

السياسة الخارجية السعودية النشطة المنفتحة على كل قنوات الاتصال في العالم:

وهو ما يؤكده مضمون رسالة بريد إلكتروني لهيلاري تلفت إلى تبنِّي المملكة علاقات جديدة مع دول مثل الصين والهند وروسيا، مع تعزيز التعاون مع شركاء منذ فترة طويلة في أوروبا وآسيا مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية.

تماسك وصلابة وتفرد المجتمع السعودي:

تطرقت إليه رسالة بعثها تشارلز دبليو السفير الأمريكي في السعودية –حينها- إلى كلينتون، حيث قال إن المجتمع السعودي هو الوحيد على هذا الكوكب الذي لم يخترقه الاستعمار الغربي ولم تخترقه أي جيوش أوروبية، كما أن حدودها (المملكة) لم تُنتهك لا من المبشِّرين ولا من التجار”، مشيرًا إلى أنه “عندما وصل الغرب أخيرًا إلى السعودية لم يجدوا أنفسهم كمحتلين، بل عمالة مستأجرة بمقابل”.

كما يشير إلى أنه على عكس بعض الدول الأخرى في الخليج، استثمرت المملكة ثروتها النفطية في الداخل، وليس في الخارج، ورغم ذلك كانت المملكة سخية بالمساعدات الخارجية وفي وقت من الأوقات كانت تتبرع بـ6% من الناتج القومي لمساعدة الدول الأخرى، خاصة المسلمة.

الدور القطري الداعم للفوضى والإرهاب ماليًّا وإعلاميًّا

على النقيض من الدور المُشرف الذي لعبته -ولا تزال- المملكة لخدمة العروبة والإسلام والإنسانية جمعاء، تضمنت رسائل البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون العديد من الأدلة على الدور القطري المشبوه في المنطقة وسعي الدوحة إلى التدخل في شؤون الدول العربية ودعم قوى الإرهاب والتطرف وتيار الإسلام السياسي ضمن مخطط غربي مفضوح تحطم على صخرة الإرادة السعودية.

وعلى سبيل المثال، طلبت هيلاري في إحدى رسائلها الإلكترونية من قطر تمويل ما يسمى “الربيع العربي” من خلال صندوق مخصص لمؤسسة كلينتون.

كما كشفت إحدى رسائل البريد الإلكتروني المؤرخة في 17 سبتمبر 2012 تعاونًا قطريًّا مع تنظيم الإخوان في مصر، لإنشاء قناة إعلامية باستثمارات تبلغ 100 مليون دولار بعدما اشتكت الجماعة من ضعف مؤسساتها الإعلامية مقارنة بالمؤسسات الإعلامية الأخرى.

وتشير الرسالة إلى أن الجماعة اشترطت على قطر أن يتولى القيادي الإخواني، خيرت الشاطر، إدارة القناة، وسوف تكون بداية المشروع الإعلامي قناة إخبارية مع صحيفة مستقلة تدعم الإخوان.

يشار إلى أن الدوحة لا تزال تلعب دور الممول للأبواق الإعلامية التحريضية، التي تبث من قطر وتركيا، والتي تتبنَّى أجندة تحريضية تستهدف، على مدار الساعة، دول الرباعي العربي لمكافحة الإرهاب (السعودية والإمارات والبحرين ومصر).

ولم تخلُ تلك المراسلات من ذكر لقناة “الجزيرة” القطرية، منبر الفتنة وبوق الإرهاب في المنطقة، حيث كشفت إحدى رسائل البريد الإلكتروني عن رسالة وجهتها قناة الجزيرة بتاريخ 28 يناير 2011 إلى وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للدبلوماسية العامة جوديث ماكهيل، تبارك فيها الموقف المبدئي الذي اتخذه الرئيس باراك أوباما من مصر، معربة عن أملها للاستمرار في هذا الاتجاه خلال الأيام الحرجة المقبلة، كما أبدت القناة رغبة في إجراء مقابلة مع الرئيس الأمريكي في هذا الصدد، وقد قامت ماكهيل بدورها بتوجيه الرسالة إلى كلينتون.

وبدت العلاقة الوثيقة التي تربط وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة بالقناة القطرية، حيث كشفت الوثائق أن هيلاري أجرت زيارة إلى الشبكة القطرية في مايو 2012، وعقدت اجتماعًا خاصًّا بأحد الفنادق بالدوحة مع مدير الشبكة وضاح خنفر والمدير العام لقناة الجزيرة الناطقة باللغة الإنجليزية، توني بورمان، ثم لقاء مع أعضاء مجلس إدارة الجزيرة في مقر القناة، واختتمت هذه الاجتماعات بلقاء مع رئيس الوزراء القطري آنذاك حمد بن جاسم آل ثان.

وتأسيسًا على ما سبق.. فمن خلال قراءة متأنية لما ورد في تلك الرسائل يتضح بما لا يدع مجالا للشك، رعاية إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مشروعًا كبيرًا للتغيير في المنطقة، أولى خطواته ما سُمِّي إعلاميًّا “الربيع العربي”، حيث استغل في تنفيذ ذلك المشروع أنظمة سياسية تابعة كنظام الحمدين في قطر ونظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فضلًا عن الرهان على تيار الإسلام السياسي وجماعة الإخوان وغيرهما من التنظيمات الإرهابية المتطرفة.

كما يمكن رصد مجموعة من الحقائق على النحو التالي:

أولًا: إن السعودية هي السد المنيع والحصن الحصين للعرب والمسلمين في أوقات المحن والأزمات والسند في الرخاء والتنمية، وتبقى المملكة البلد الوحيد الذي لم تتمكن أي قوة من اختراقه أو التدخل في شؤونه الداخلية. وقد شكَّل انتصار المملكة في هذه المعركة وانهيار تلك المخططات الخبيثة، سببًا واضحًا لما يحاك ضدها من مؤامرات تحرِّكها أحقاد قوى الشر والإرهاب بعدما تبخَّرت أحلامهم، وهو ما يظهر من الحين والآخر عبر حملات ممنهجة تستهدف النَّيل من المملكة وقياداتها، تلك القيادة التي شكَّلت حكمتها وقوتها وصلابة إرادتها وعزمها وحزمها درعًا يحمي الأمة العربية والإسلامية ويحفظ وحدتها.

ثانيًا: العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة، علاقة استراتيجية قائمة على النِّدِّية، حيث يظهر تحليل مضمون ما ورد في رسائل البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون أن العلاقة بين الرياض وواشنطن، علاقة استراتيجية قائمة على الندية، وهي شأنها شأن أي علاقة تشهد توافقات واختلافات، ويبقى القرار السعودي قرارًا وطنيًّا مستقلًّا لا يتقيد إلا بمصلحة الوطن ومصلحة الأمن القومي العربي، فهو ليس محلًّا لأي مساومات أو ضغوط من أي نوع، هذا فضلًا عن ثبات الموقف السياسي السعودي، فما تتخذه المملكة من قرارات وما تنتهجه من سياسات لا يتبدل في الغرف المغلقة، فالموقف واحد في السر والعلن.

ثالثًا: وثيقة رسمية تؤرخ لمرحلة فارقة: إن ما كشفته رسائل البريد الإلكتروني يُعد بمثابة وثيقة تاريخية رسمية تُظهر للقاصي والداني مواقف القادة والدول في المنطقة في لحظة عصيبة من تاريخ  الأمة، ففي حين وقفت السعودية وتصدت لتلك المخططات وحملت على عاتقها حماية الوطن العربي، على النقيض أسهم نظام الحمدين في قطر –ولا يزال- في دعم الفوضى والإرهاب ونهب ثروات الشعوب وتدمير الأوطان.

زر الذهاب إلى الأعلى