للعام الحادي والعشرين على التوالي، أصدرت شركة برايس ووترهاوس كوبرز العالمية، تقريرها حول التوقعات العالمية لقطاعي الترفيه والإعلام خلال الفترة من عام 2020 وحتى عام 2024، لافتة إلى أن جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” أدت إلى تسريع وتضخيم التحوُّلات المستمرة في سلوك المستهلكين، ونتيجة لذلك أصبح عالم الترفيه والإعلام في عام 2020 أكثر بعدًا وافتراضيةً وتركيزًا على البقاء بالمنزل بشكلٍ أكبرَ ممَّا توقعه أي شخص في بداية العام.
وأجّلت الشركة إصدار هذا التقرير لمدة ثلاثة أشهر حتى تتمكن من تقييم آثار الوباء الذي اجتاح العالم، وأدَّى إلى توقف نمو صناعة الترفيه والإعلام، لافتة إلى أنه رغم تلك التحديات تبقى هناك آفاق مشرقة أمام هذه الصناعة خلال السنوات المقبلة.
5.6% انخفاضًا في إيرادات القطاع.. و13.4% في الإنفاق على الإعلانات في 2020
ووفقًا لشركة برايس ووترهاوس كوبرز، سيشهد عام 2020 أكبر انخفاض في إيرادات الترفيه والإعلام على المستوى العالمي، تم رصده من خلال التقرير على مدى 21 عامًا، حيث سيسجل انخفاضًا بنسبة 5.6% عن عام 2019 وهو ما يعادل أكثر من 120 مليار دولار أمريكي. علمًا بأن القطاع سجَّل في عام 2009 الذي انكمش فيه الاقتصاد العالمي بفعل الأزمة المالية العالمية، انخفاضًا بنسبة 3.0% فقط.
ورغم أن الصدمات التي تعرض لها الاقتصاد العالمي في عام 2020 ستستمر ارتداداتها، فإن التقرير يتوقع أن يظل مسار النمو الأساسي لصناعة الترفيه والإعلام قويًّا، نظرًا لأن الإعلام أصبح أكثر أهميةً من أي وقت مضى في حياتنا.
ويتوقع التقرير أن تستعيد الشركات العاملة في قطاع الترفيه والإعلام أداءها المرتفع، وأن ينمو الإنفاق على الترفيه والإعلام بنسبة 6.4% في العام المقبل 2021.
أمَّا عن النمو حتى عام 2024، فيتوقع التقرير نموًّا إجماليًّا للإيرادات بنسبة 2.8% كمعدل نمو سنوي مركب.
ويشير التقرير إلى أن التراجع الحالي في النمو لا يتم تقاسمه بالتساوي بين مختلف القطاعات التي تندرج تحت تلك الصناعة، مشيرًا إلى أنه كان أكثر حدة في القطاعات التي أغلقها الوباء تمامًا مثل الحفلات الموسيقية والسينما والمعارض التجارية، وارتباطًا بذلك سيسجل الإنفاق على الإعلانات انخفاضًا بنسبة 13.4%.
تسارع عملية التحوُّل الرقمي في قطاعات الترفيه وزيادة معدلات استهلاك البيانات
من تداعيات تفشِّي وباء كورونا أن قطاعات الترفيه والإعلام اتجهت إلى التحول للنمط الرقمي بشكل أسرع ممَّا كان متوقعًا في الأصل، وهو ما يمكن قياسه بمقارنة بسيطة بين إيرادات شباك التذاكر في السينما وإيرادات “الاشتراك في الفيديو عند الطلب- SVOD”، فبينما كانت إيرادات شباك التذاكر في عام 2015 ثلاثة أضعاف الاشتراك في الفيديو عند الطلب، من المتوقع أن تتجاوز إيرادات الاشتراك في الفيديو عند الطلب، حجم إيرادات شباك التذاكر في عام 2020 وأن تزداد في السنوات الخمس المقبلة، لتصل إلى أكثر من ضعف إيرادات شباك التذاكر في عام 2024.
ولمواكبة ذلك التحول، تعمل الاستوديوهات الأمريكية على تغيير طريقة وصولها إلى العملاء بشكل أساسي، حيث يقوم معظمهم بإطلاق أو التخطيط لإطلاق منصات البث الخاصة بهم، وستصل الأفلام بذلك إلى أعداد هائلة من المشاهدين عبر منصات البث.
ووفقًا للتقرير ينعكس ذلك التحوُّل على مقدار البيانات المستهلكة على الهواتف الذكية مقابل الشبكة ذات النطاق العريض، حيث أصبح الهاتف الذكي حاليًّا جاهزًا ليكون الجهاز الفردي الرائد الذي يستخدمه المستهلكون للوصول إلى الإنترنت على مستوى العالم.
ويعد معدل استهلاك البيانات أحد أبرز أوجه الاستفادة من تسارع التحول الرقمي بفعل جائحة كورونا، إذ يشير التقرير إلى أن معدل الاستهلاك سيقفز بنسبة 33.8% في عام 2020، وسيتضاعف إلى 4.9 كوادريليون ميجابايت (ألف تيريليون) في عام 2024 بعدما كان أكثر من 1.9 كوادريليون ميجابايت في عام 2019.
وتشير تقديرات شركة برايس ووترهاوس كوبرز إلى أن نحو 82% من استهلاك البيانات عبر الإنترنت عبارة عن محتوى فيديو، نظرًا للخدمات المخصصة للفيديو عند الطلب وخدمات الوسائط الاجتماعية والمواقع الإلكترونية التي تفضل بشكل متزايد الفيديو على النصوص والصور التقليدية.
كما أنه من المتوقع أن تصبح الألعاب ثالث أكبر مستهلك للبيانات بحلول عام 2024، مع معدل نمو عالمي متوقع يبلغ 31.6%.
وينتشر النمو في استهلاك البيانات بالتساوي إلى حدٍّ ما في جميع أنحاء العالم باستثناء الهند، حيث يبلغ استهلاك البيانات هناك حاليًّا عشرة أضعاف ما كان عليه في عام 2015.
ويشير التقرير إلى أنه مع بقاء الأشخاص في المنازل، شهدت مقاطع الفيديو عالية الجودة (OTT) زيادة في الإيرادات العالمية بنسبة 26% في عام 2020. وسوف تستمر في الارتفاع بقوة في السنوات المقبلة، حيث سيتضاعف حجمها تقريبًا في عام 2020 لتصبح 86.8 مليار دولار بعدما كانت 46.4 مليار دولار في عام 2019.
وعلى سبيل المثال، خدمة ديزني بلس التي تم إطلاقها في أواخر عام 2019 مع توقعات ببلوغها حجم مشتركين يتراوح ما بين 60 مليونًا و90 مليونًا بحلول عام 2024، وصلت بالفعل إلى 60.5 مليون في أوائل أغسطس الماضي.
تراجع إيرادات السينما والصحف مقابل رواج مبيعات الكتب ومشاركة ضخمة في الفعاليات الحيَّة عبر الإنترنت
ويشير التقرير إلى وجود العديد من القطاعات التي تضرَّرت بشدة، فعلى سبيل المثال مع إغلاق العديد من دور السينما وتأخُّر طرح الأفلام الرئيسية، توقعت شركة برايس ووترهاوس كوبرز تسجيل انخفاض في إيرادات السينما العالمية بنسبة 66% تقريبًا هذا العام، كما تتوقع أن الإيرادات في عام 2024 ستكون أقل من مستواها في عام 2019.
ورصد التقرير أيضًا تأثيرًا آخر مرتبطًا بكورونا، هو التسارع الحاد في انخفاض عدد الصحف والمجلات العالمية التي تُعنى بالمستهلكين في عام 2020، مع انخفاض الإيرادات الإجمالية بأكثر من 14%.
وقد أدى الوباء إلى زيادة تأثير ارتفاع تكاليف الورق والإنتاج والتوزيع إلى جانب تقلص عائدات الإعلانات.
ويستبعد التقرير أن يعود قطاع الإعلان العالمي الذي سينخفض بنسبة 13.4% في عام 2020 ليبلغ 559.5 مليار دولار إلى مستواه في عام 2019، قبل عامين من الآن أي في عام 2022.
في المقابل، يشير التقرير إلى أن بعض وسائل الإعلام التقليدية -ربما بشكل غير متوقع- حافظت على وضعها، على الرغم من تأثيرات فيروس كورونا وتسارع التحول الرقمي. فعلى سبيل المثال، ازدهرت مبيعات الكتب أثناء عمليات الإغلاق، ومن المتوقع أن يواصل إجمالي إيرادات مبيعات الكتب عالميًّا مساره التصاعدي، ليرتفع بنسبة 1.4% سنويًّا بين عامي 2019 و2024 ليصل إلى 64.7 مليار دولار أمريكي. بينما تباطأت مبيعات أجهزة القراءة الإلكترونية مع تحول الأشخاص لاستهلاك الكتب الإلكترونية عبر الهواتف والأجهزة اللوحية، أو إلى استهلاك الكتب الصوتية عبر مكبرات الصوت الذكية.
كما يشير التقرير أيضًا إلى أن الفعاليات الحية تتطلع إلى التكيُّف مع واقع العالم الرقمي المتسارع، فمع إغلاق قاعات الحفلات الموسيقية ومراكز المعارض والملاعب لفترة طويلة من العام الحالي، لجأ منظمو بعض الفعاليات إلى المنصات الرقمية للبقاء على اتصال مع الجماهير. ففي بريطانيا تعاون مهرجان في لندن مع شركة “MelodyVR” التقنية في منتصف عام 2020 لتقديم عروض واقع افتراضي مسجلة لفنانين مثل كاردي بي وترافيس سكوت وفرقة ميغوس، وحضر البث أكثر من 130 ألف شخص من 34 دولة تقريبًا.
ويوضح التقرير أنه على الرغم من أن عام 2020 كان عامًا مليئًا بالتحديات والاضطرابات بالنسبة لمعظم الصناعات، بما في ذلك العديد من قطاعات الترفيه والإعلام، فمن الواضح أن طلب المستهلكين على مجموعة متنوعة من خيارات الوسائط المعروضة الآن في تزايد مستمر، كما أن التوقعات طويلة الأجل لصناعة الترفيه والإعلام ككل لا تزال مشرقة.
وتأسيسًا على ما سبق.. من الواضح أن فيروس كورونا قد سرَّع بانتقال المستهلكين إلى الاستهلاك الرقمي وأدى إلى إحداث تغيير -إيجابي وسلبي- على العديد من وسائل الإعلام. وتبقى نقاط القوة الأساسية في صناعة الترفيه والإعلام وجاذبيتها للمستهلكين محافظة على مكانتهاـ
وفي حين أنه لا تزال هناك تحديات لشركات الترفيه والإعلام، وبينما يحاول الاقتصاد العالمي تجاوز تداعيات الوباء، فإن عملية الهجرة الرقمية التي حفَّزها انتشار كورونا ستولِّد أيضًا فرصًا في جميع القطاعات وليس فقط تلك التي استفادت من تداعياته حتى الآن.