تقارير

القضاء السعودي ينتصر لخاشقجي بسجن قاتليه 124 عاماً

استقلالية ونزاهة القضاء السعودي وحرصه الكامل على تحقيق العدالة الناجزة والقصاص، حقيقة يجسدها المسلك القضائي في التعامل مع مختلف القضايا، ومنها قضية مقتل المواطن جمال خاشقجي، حيث أصدرت المحكمة الجزائية في الرياض، الإثنين 7 سبتمبر 2020، أحكامًا نهائية بحق ثمانية مدانين وصل مجموعها إلى 124 سنة سجنًا، وهي أحكام مشددة تقتص للحق العام في ظل تنازل أبناء خاشقجي عن حقهم الخاص، الذي كفلته لهم الشريعة الإسلامية وقرارهم العفوَ عن قتلة والدهم.

ويسدل ذلك الحكم الستار على القضية بعد محاكمة عادلة للمتهمين، أظهرت تفاصيل القضية بكل شفافية، وبما يؤكد أن سيف العدالة في المملكة لن يتخطى أي شخص يفلت بجريمته دون عقاب، كما يحبط حكم القضاء السعودي -وهو عنوان للحقيقة- مساعي المتاجرة بالقضية، بعد أن حاولت أطراف إقليمية ودولية استغلالها للإساءة إلى المملكة ودورها المحوري في المنطقة.

حرص الدولة على إجلاء الحقيقة ومعاقبة الجناة

اتسم تفاعُل السلطات السعودية مع الحدث منذ البداية بالسرعة والدقة والحرص الكامل على إجلاء الحقيقة، حيث أكدت حكومة المملكة، بعبارات لا تقبل أي شك، محاسبةَ كل مَن وقف وراء قتل خاشقجي، لتأخذ منذ تلك اللحظة القضية مجراها الطبيعي في إطار النظام القضائي المستقل المعروف بنزاهته وعدالته، ليمضي رجال القضاء في رسالتهم لتبيان الحقائق وملاحقة الجناة، والقصاص منهم.

وكانت الثمرة الأولى لنتائج التحقيقات في ديسمبر الماضي، أي بعد مرور 14 شهرًا على الجريمة، حينما أصدر القضاء أحكامًا ابتدائية بالقتل لخمسة أشخاص والسجن لثلاثة آخرين تورَّطوا في مقتل خاشقجي.

لكنَّ تطورًا طرأ على مسار التقاضي في مايو الماضي بإعلان أسرة خاشقجي العفو عن قاتليه، حيث نشر صلاح، نجل الراحل، بيانًا مقتَضَبًا على حسابه بموقع التدوينات القصيرة “تويتر” آنذاك جاء فيه:

“نحن أبناء الشهيد جمال خاشقجي، إننا عَفَوْنا عمَّن قتل والدنا”، وأضاف: “نسترجع قول الله تعالى في كتابه الكريم (وَجَزَاءُ سَيِّئَة سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)”. وتابع: “عفونا عمن قتل والدنا، رحمه الله، لوجه الله تعالى، وكلُّنا رجاء واحتساب للأجر عند الله، عز وجل”.

وبينما انْبَرت بعض الأصوات في محاولات يائسة لتشويه صورة المملكة بعد تلك الخطوة، كان استمرار القضية بموجب الحق العام، أبلغَ رد على أولئك المغرضين الذين لا يضمرون في نفوسهم سوى غِلٍّ وحقد تُجاه المملكة.

أحكام مشددة بحق المدانين في مقتل خاشقجي

وجاءت الأحكام القضائية الأخيرة، تتويجًا لجهودٍ بدأت منذ انطلاق التحقيقات في القضية يوم 19 أكتوبر 2018، حيث أعلن المتحدث الرسمي للنيابة العامة، صدور أحكام نهائية تُجاه المتهمين بمقتل خاشقجي.

وأكد المتحدث أن المحكمة الجزائية بالرياض أصدرت أحكامًا بحق ثمانية أشخاص مدانين، واكتسبت الصفة القطعية؛ طبقًا للمادة (210) من نظام الإجراءات الجزائية.

وبحسب المتحدث الرسمي للنيابة العامة، فإن هذه الأحكام وفقًا لمنطوقها بعد إنهاء الحق الخاص بالتنازل الشرعي لذوي القتيل تقضي بالسجن لمُددٍ بلغ مجموعها 124 سنة، طال كل مدان من عقوبتها، بحسب ما صدر عنه من فعل إجرامي، حيث قضت الأحكام بالسجن 20 عامًا على خمسة من المدانين حيال كل فرد منهم، وثلاثة من المدانين بأحكام تقضي بالسجن لعشر سنوات، لواحد منهم وسبع سنوات لاثنين. وأن هذه الأحكام أصبحت نهائيةً واجبة النفاذ؛ طبقًا للمادة (212) من نظام الإجراءات الجزائية.

وأنه بصدور تلك الأحكام النهائية تنقضي معها الدعوى الجزائية بشقَّيْها العام والخاص، وفقًا للمادتين (22، 23) من نظام الإجراءات الجزائية.

قراءة في دلالات الحكم في قضية خاشقجي

سرعة التقاضي وتحقيق العدالة الناجزة: يعد الحكم في هذه القضية من الأحكام السريعة بالنظر إلى أن وقائعها تمت خارج المملكة، فمسرح القضية في إسطنبول، بجانب تعدد أطراف القضية وتشعُّبِها، ومع ذلك صدر الحكم سريعًا – أقل من عامين- في حين أن مثل هذه القضايا قد يأخذ عدة سنوات لطبيعتها وصعوبتها، وهي ميزة تُحسب للقضاء السعودي وحرصه على تحقيق العدالة في أقصر وقت ممكن، ورسالة ردع لكل من تسوِّل له نفسه الإقدامَ على ارتكاب أي جريمة أو مخالفة، أيًّا كانت طبيعتها بأن يد العدالة ستطوله سريعًا.

حرص النيابة العامة السعودية على تحقيق العدالة مع كل الأطراف قبل إحالة ملف القضية إلى المحكمة المختصة، وقد تمثَّل ذلك في مؤشرين رئيسيين هما:

التحقيق مع كل مَن تم الاشتباه بهم في مقتل خاشقجي من قِبَل النيابة العامة، ومَن ثبتت إدانته خلال التحقيق تمت إحالته إلى المحكمة، ومَن لم تثبت إدانته لعدم وجود أدلة كافية تم الإفراج عنه وإخلاء سبيله عن طريق النيابة أو المحكمة.

إرسال النيابة العامة 13 إنابة قضائية للجانب التركي لتزويدها بما يتوفر لديهم من الأدلة من واقع مسرح الجريمة، إلا أن الجانب التركي تجاهل الطلب، عدا إنابة قضائية واحدة تخص القنصل السعودي السابق لدى إسطنبول.

الشفافية، وتجسّد ذلك في العديد من الضمانات التي تكفلها الأنظمة السعودية لتحقيق عنصر الشفافية ومن مظاهرها:

حضور ممثلي دول أجنبية جميع إجراءات المحاكمة.

حضور أبناء المجني عليه ومحاميهم.

ممثلو سفارات الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.

وجود مندوب تركي، حيث البلد الذي شهد وقائع الجريمة، بهدف فتح الملف وإظهار الحقائق أمامهم.

حرص الدولة على الحق العام، أي حق المجتمع في عقاب الجاني جزاءَ ما اقترفته يداه حتى إذا ما انقضى الحق الخاص بالتنازل الشرعي من جانب ذوي المجني عليه، فالدولة تطبِّق العدالة على الجناة سعيًا لعدم تكرار ذلك.

كفالة النظام القضائي السعودي لضمانات تحقيق العدالة، فقد مرت القضية بالعديد من المستويات بدءًا من تحقيق النيابة، ثم إحالة ملف الدعوى إلى المحكمة الجزائية  التي تضم الدائرة فيها 3 قضاة تنظر في الطلبات، سواء الحق العام أو الحق الخاص، وهو ما جرى على مدى (9) جلسات حتى صدور الحكم الابتدائي في الجلسة العاشرة، ثم انتقلت الدعوى إلى درجة أخرى، هي الاستئناف ليدخل مرحلة أخرى من التحقيق من قِبَل قضاة مختلفين متعددين، حتى يصدر الحكم في صورته النهائية.

وأخيرًا.. شكَّلت مجريات تلك القضية تذكيرًا للقاصي والداني بأن المملكة العربية السعودية دولة العدل والقانون والحق وأن كل الاتهامات التي سيقت ضدها سياسية باطلة ومغرضة، فقد سارت المملكة في القضية في مسارها المعتاد عبر القضاء العادل والقانون، على الرغم من كل الاتهامات والأغراض السياسية، وأفشلت كل الخطط الموجَّهَة ضدها من قِبَل أطراف حاقدة.

كما أن القضاء السعودي يحقق مبدأ العدالة المطلقة عند نظره في القضايا المعروضة عليه، وهذا الأمر ينسحب على كل القضايا، سواء كانت ذات صلة بجرائم مالية أو جنائية أو إرهابًا. ومنذ بدْءِ النظر في قضية خاشقي وحتى صدور تلك الأحكام النهائية المشددة وانقضاء الدعوى، كان القضاء السعودي يبحث عن الحقيقة، ولا شيء سواها، ليأتي حكمه عادلًا مفنِّدًا للجريمة والمشاركين فيها، كلٌّ حسب مسؤوليته وجرمه.

زر الذهاب إلى الأعلى