يعد “الواقع المعزَّز-Augmented reality” إحدى التقنيات المهمة المستخدَمة في الوقت الحالي، على غرار الذكاء الاصطناعي و”الحوسبة الكمِّية- Quantum computing” و”إنترنت الأشياء- Internet of Things”، وغيرها من التقنيات الحديثة، وفي الوقت الذي اكتسبت فيه هذه التقنيات زخمًا كبيرًا، فإن الواقع المعزَّز لم يحصل على اهتمام كبير بين مستخدمي تلك التقنيات.
فروق جوهرية بين الواقع المعزَّز والافتراضي والمختلَط
يتضح من مسمى تقنية الواقع المعزَّز أنها تقوم بتعزيز التجارب الواقعية، وكثيرًا ما يحدث الخلط بين هذه التقنية وتقنية أخرى تشبهها هي “الواقع الافتراضي-virtual reality” بالإضافة إلى أن المزج بين التقنيتين يُنتج تقنية ثالثة تسمى “الواقع المختلط- mixed reality”.
وتُفرق دراسة نشرتها مجلة “فوربس” الأمريكية بين تلك المفاهيم؛ فالواقع الافتراضي يعني أن يترك المستخدم عالمه الحقيقي ويدخل في تجربة غامرة، بشكل حسِّي من خلال أنواع معينة من الشاشات والنظارات والسماعات، ممَّا يجعل عقول المستخدمين تشعر بأنهم يتحركون بين الكائنات الافتراضية فعليًّا، وذلك مثل أن يقوم الجراح باستخدام تلك الأجهزة للدخول في تجربة عملية جراحية افتراضية تشبه الواقعية تمامًا.
أمَّا الواقع المعزَّز فيعني خلق كائنات افتراضية في بيئة العالم الحقيقي، من خلال الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية أو شاشات العرض، وعلى عكس الواقع الافتراضي الذي يحتاج لأدوات خاصة، فإن الواقع المعزَّز من الممكن أن يتم استخدامه من خلال الهاتف الذكي فقط.
وأشهرُ استخدامات تلك التقنية لُعبةُ البوكيمون الشهيرة التي تُظهر كائنات البوكيمون على الشاشات كأنها في الواقع الفعلي.
في المقابل، فإن الواقع المختلط يعد تجربة تتجاوز الواقع المعزَّز، حيث يمكن التفاعل مع الأشياء الافتراضية الموضوعة في العالم الفعلي كما لو كانت أشياء حقيقية، ومن استخدامات تلك التقنية ما يتعلق بدراسة الهيكل العظمي للإنسان، حيث يرى الطلاب الهيكل بشكل افتراضي، ويتفاعلون معه كما لو كان حقيقيًّا.
استخدامات متنوعة.. من أبرزها الترفيه والتسويق والسياحة
دخل الواقع المعزَّز في العديد من الاستخدامات، التي يمكن أن يكون بعضنا استخدمها، دون معرفة أنها تنتمي لهذه التقنية، ومن أبرزها الترفيه، حيث تعد لعبة البوكيمون السابق ذكرها من أشهر الأمثلة عليه، بالإضافة إلى التسويق، حيث استخدمت التقنية في تحقيق عدد من العمليات التسويقية، وكانت شركة “إيكيا” المتخصصة في صناعة الأثاث أهم هؤلاء المسوِّقين، حيث أتاحت للمستهلكين تصور قطع الأثاث في منازلهم قبل شرائها.
كما دخلت التقنية في عدد من الاستخدامات الأخرى كشركات الطيران والسيارات والرعاية الصحية والسفر والسياحة وغيرها، فعلى سبيل المثال، يمكن لتقنية الواقع المعزَّز أن تجعل المسافر يرى وجهته، وكذلك معرفة تفاصيل الهندسة المعمارية لمبنًى ما، وذلك كله من خلال كاميرا الهاتف الذكي.
ورغم تعدد فوائد الواقع المعزَّز وأهميته، فإنه وحسب ما ذكره موقع “ARPost” المتخصص في دراسة هذه التقنية، فإنها لا تحظى بشعبية كبيرة، مدللًا على ذلك بأنه عندما يشتري أحد الأشخاص هاتفًا جديدًا فإنه غالبًا لا يسأل إن كان يدعم الواقع المعزَّز أم لا؟
وطرح الموقع تساؤلًا حول أسباب شعبيته الضعيفة قائلًا: هل يمكن إلقاء اللوم على النهج القائم في تطبيق التقنية؟
وفي محاولة للإجابة عن هذا التساؤل فقد تم استعراض تجربتين حول الأمر:
التجربة الأولى: قامت بها شركة “بيبسي” للمشروبات الغازية عام 2014 في مواقف الحافلات، من خلال وضع شاشة بجوار الأماكن المخصصة لانتظار الركاب، وظهرت على الشاشة مشاهد لروبوتات عملاقة وأجسام غريبة وحيوانات مفترسة، مما أثار ذهول المسافرين.
وكان سر نجاح هذه الحملة سهولة انتشارها، فلم يكن الفرد بحاجة لتنزيل تطبيق إلكتروني معين لتجربة الواقع المعزَّز، إنما كل ما كان عليه هو النظر إلى الشاشة فقط.
التجربة الثانية: نفَّذها محرِّك البحث العملاق “جوجل” عبر إضافة خاصية البحث عن الحيوانات المفضَّلَة ورؤيتها بشكل ثلاثي الأبعاد (3D) من خلال خاصية (Google AR) التي لا تحتاج لتنزيل تطبيق معين لاستخدامها، ومع توافر إمكانيات قليلة مثل هاتف ذكي ومتصفح مثل “جوجل كروم” يمكن رؤية الحيوانات بشكل ثلاثي الأبعاد.
ولاقت هذه التجربة رواجًا كبيرًا خصوصًا خلال حالة الإغلاق المتعلقة بفيروس “كورونا المستجد”، وما زالت “جوجل” تجري التحديثات على الكتالوج الخاص بحيوانات الواقع المعزَّز.
لم تستخدم تلك التجارب التطبيقات المثبتة، ممَّا ساعد على سهولة التعامل معها، من جانب المستخدمين العاديين، وعلى النقيض من ذلك فرغم وجود أكثر من 11 ألف تطبيق يستخدم الواقع المعزَّز على متجر App Store، فإن المستخدم العادي لا يعرف إلا القليل منها.
توصيات لتعزيز شعبية تقنية الواقع المعزَّز
كشف استطلاع للرأي أجراه موقع ARtillery Intelligence أن غالبية مستخدمي الهواتف الذكية التي لا تدعم الواقع المعزَّز لا يُبدون اهتمامًا بها، وذلك رغم وجود نسبة رضا عالية من مستخدمي التقنية الآخرين، مشيرًا إلى وجود مجموعة من الأسباب وراء ذلك، منها:
عدم ارتباط أسماء الأنظمة الأساسية التي تستخدم التقنية بها، مثل العدسات الخاصة المستخدمة في بعض التجارب وعمليات البحث المرئي على “جوجل”، ولذلك يجب تثقيف المستخدمين لربط تسمية هذه التكنولوجيا باسم الواقع المعزَّز حتى يتمكنوا من البدء في التعرُّف إليها عندما يرونها.
الحاجة للتوسع في التجارب المتعلقة بالواقع المعزَّز، ويمكن الوصول إلى ذلك بسهولة، خصوصًا من خلال الشركات التي تمتلك الموارد لهذا الأمر، مثل تجربة “بيبسي” السابق ذكرها، مع وجود طرق متعددة لتحقيق المزيد من الوعي بهذه التقنية.
فعلى سبيل المثال أصبح بعض الشركات والمطاعم تستخدم الواقع المعزَّز لخلق شخصية ثلاثية الأبعاد، تظهر وتتحدث عن المنتج أو عن قائمة الطعام المتاحة، وتُعرف تلك الخاصية باسم WebAR”” التي لا تستدعي تنزيل تطبيق على الهاتف.
وأخيرًا.. قدَّم تحليل موقع ARPost توصيتين أساسيتين لكي تصبح تقنية الواقع المعزَّز سائدة وهما:
إتاحة تجربة التقنية في متصفحات الإنترنت، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي من أجل جذب المستخدمين.
ربط أسماء الأشياء التي تستخدم الواقع المعزَّز به، وهو ما سيساعد على تحقيق المزيد من البحث عن هذه التقنية وتوسيع نطاق استخداماتها المتنوعة.