تقدم دراسة جديدة قام بها أساتذة جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس طريقة جديدة لفهم كيفية ظهور نظريات المؤامرة التي لا أساس لها على الإنترنت، حيث تعتمد على استخدام الذكاء الاصطناعي في معرفة كيف يمكن للحقائق غير المرتبطة والمعلومات الكاذبة أن ترتبط بإطار سردي، لكنه ينهار بسرعة إذا تم استبعاد بعض هذه العناصر.
وأوضح فريق الدراسة، من كلية UCLA وكلية صامويل للهندسة بجامعة كاليفورنيا، الاختلاف في عناصر سرد القصص للفضائح المرتبطة بنظرية مؤامرة، وتلك التي ظهرت عندما غطَّى الصحفيون فضيحة مؤامرة حدثت بالفعل.
ويساعد ذلك النهج في إلقاء الضوء على كيفية وأسباب انتشار نظريات المؤامرة الأخرى، بما في ذلك نظريات حول فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” حتى في غياب الحقائق.
التعلم الآلي وتحليل فضيحَتَي “بريدجيت” و”بيتزا جيت”
حللت الدراسة، التي نُشرت في دورية “PLOS ONE” العلمية، انتشار الأخبار عن فضيحة “بريدجيت-Bridgegate” في نيو جيرسي عام 2013 وهى مؤامرة فعلية، قادها مساعدان سابقان لحاكم نيو جيرسي آن كيلي وبيل باروني، حيث قاما بتغيير تدفُّق حركة المرور على جسر جورج واشنطن بين نيويورك ونيو جيرسي لخلق حالة من الجمود بشكل مصطنع في مدينة فورت لي بولاية نيو جيرسي لمعاقبة عمدة فورت لي، الذي رفض المصادقة على إعادة انتخاب الحاكم الجمهوري آنذاك كريس كريستي.
وانتشار المعلومات الخاطئة حول أسطورة “بيتزا جيت -Pizzagate” عام 2016 وهى نظرية مؤامرة ملفقة بالكامل تفيد أن مطعم بيتزا في واشنطن كان مركز عصابة للاتجار بالجنس للأطفال، شارك فيها مسؤولون بارزون في الحزب الديمقراطي، بما في ذلك هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية آنذاك.
واستخدم الباحثون “التعلم الآلي-Machine learning”، وهو أحد فروع الذكاء الاصطناعي التي تهتم بتصميم وتطوير خوارزميات وتقنيات تسمح للحواسيب بامتلاك خاصية “التعلم”.
وتم استخدامه لتحليل المعلومات التي تنتشر عبر الإنترنت حول قصة “بيتزا جيت-Pizzagate”، إذ يمكن للذكاء الاصطناعي تلقائيًّا إثارة كل الأشخاص والأماكن والأشياء والمنظمات في قصة تنتشر عبر الإنترنت -سواء كانت القصة حقيقية أو ملفقة- وتحديد كيفية ارتباط بعضهم ببعض.
في كلتا الحالتين -سواء لنظرية المؤامرة أو قصة إخبارية فعلية- يتم إنشاء الإطار السردي من خلال العلاقات بين جميع عناصر القصة. واتضح أن نظريات المؤامرة تميل إلى التكوين حول عناصر معينة تعمل كمادة لاصقة تجمع الحقائق والشخصيات معًا.
ويرى فواني رويشودري، أستاذ هندسة الكهرباء والحاسوب والمؤلف الرئيسي للدراسة أن “العثور على الروايات المخفية في منتديات التواصل الاجتماعي يشبه حل لغز ضخم، مع مضاعفات الضوضاء الإضافية، حيث إن العديد من القطع ليست ذات صلة”.
في السنوات الأخيرة، قطع الباحثون خطوات كبيرة في تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي التي يمكنها تحليل مجموعات من النصوص وتحديد القطع لتلك الألغاز. ويفيد الذكاء الاصطناعي في تحديد الأنماط والهويات والتفاعلات المضمنة في الكلمات والعبارات، حتى تبدأ القصص تتكامل وتعطي معنى.
بالاعتماد على الكم الهائل من البيانات المتاحة على وسائل التواصل الاجتماعي، وبسبب تحسن التكنولوجيا، أصبحت الأنظمة قادرة بشكل متزايد على تعليم نفسها قراءة تلك القصص، كما لو كانت بشرًا.
حذف عنصر واحد من نظريات المؤامرة يؤدي إلى انهيار القصة
أظهرت “التمثيلات البصرية- The visual representations” لأُطُر تلك القصص كيف يتم الجمع بين روايات كاذبة تتصل بنظرية المؤامرة مع بعضها بواسطة خيوط تربط بين شخصيات وأماكن متعددة، وإذا تم قطع أحد هذه الخيوط، فإن العناصر الأخرى غالبًا لا يمكن أن تشكل قصة متماسكة بدونها.
ويقول تيموثي تانغيرليني، وهو أستاذ في القسم الإسكندنافي بجامعة كاليفورنيا وأحد المؤلفين الرئيسيين في الدراسة إن “إحدى خصائص إطار السرد لنظرية المؤامرة هي أنه يمكن فصله بسهولة”، مضيفا: “إذا أخرجت إحدى الشخصيات أو عناصر القصة في نظرية المؤامرة، فإن الروابط بين العناصر الأخرى للقصة تنهار”.
في المقابل، فإن القصص حول المؤامرات الفعلية -لأنها حقيقية- تميل إلى التماسك حتى إذا تمت إزالة أي عنصر من إطار القصة، وعلى سبيل المثال في فضيحة بريدجيت، حين أغلق مسؤولو نيو جيرسي عدة ممرات جسر جورج واشنطن لأسباب ذات دوافع سياسية، حتى إذا تمت إزالة أي عدد من الخيوط من التغطية الإخبارية للفضيحة، فإن القصة كانت ستتماسك.
ويقول تانغيرليني “إنهم جميعًا ضمن نفس المجال، في هذه الحالة سياسيون بولاية نيو جيرسي، والذي سيستمر في الوجود بغض النظر عن عمليات الحذف، فهذه الروابط لا تتطلب نفس (الصمغ)، الذي تتطلبه نظرية المؤامرة”.
ولتحليل فضيحة بيتزا جيت، التي نشأت فيها نظرية المؤامرة من تفسير إبداعي لرسائل البريد الإلكتروني المخترقة لهيلاري كلينتون في عام 2016 والتي سرَّبها موقع ويكيليكس، قام الباحثون بتحليل ما يقرب من 18000 مشاركة من أبريل 2016 حتى فبراير 2018 من لوحات المناقشة على موقِعَي “ريديت Reddit” و”فوت-Voat”.
ويقول تانغيرليني “عندما نظرنا إلى طبقات وبنية السرد حول بيتزا جيت، وجدنا أنه إذا استبعدت ويكيليكس كأحد عناصر القصة، فإن بقية الرواية لا تصمد”، مشيرًا إلى أنه “في هذه المؤامرة، فإن تسريب ويكيليكس لرسائل البريد الإلكتروني وكيف فسر المنظِّرون بشكل خلَّاق محتوى ما كان في الرسائل، فإنه يمثل الغراء الوحيد الرابط للمؤامرة”.
وتمكَّن الباحثون من خلال البيانات الناتجة عن تحليل الذكاء الاصطناعي من إنتاج رسم بياني للروايات، مع شرائح للمخططات الفرعية الرئيسية لكل قصة، وخطوط تربط الأشخاص والأماكن والمؤسسات الرئيسية داخل تلك الشرائح وفيما بينها.
القصص الزائفة تتميز بسرعة التكوُّن والاستقرار
وتشير الدراسة أيضا إلى فرق آخر بين القصة الحقيقية والقصة الزائفة تتعلق بالوقت الذي يستغرقه بناؤها، فالهياكل السردية التي تدور حول نظريات المؤامرة تميل إلى التكون والاستقرار بسرعة، في حين أن الأطر السردية حول المؤامرات الفعلية قد تستغرق سنوات حتى تظهر. فعلى سبيل المثال، استقر الإطار السردي لـ”بيتزا جيت” في غضون شهر بعد تسريب ويكيليكس في 2016، وظل ثابتًا نسبيًّا خلال السنوات الثلاث التالية.
وأكدت الدراسة أن المعلومات الإضافية التي تتعلق بمؤامرة فعلية ظهرت على مدى فترة طويلة من الزمن (خمس سنوات ونصف في هذه الدراسة) قد تكون واحدة من العلامات المنبثقة لتمييز القصص التي تعكس مؤامرة فعلية عن القصص التي تعد ترويجًا لنظرية مؤامرة.
وأصبح من المهم بشكل متزايد فَهْمُ كيف تكثر نظريات المؤامرة، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أن قصصًا مثل “بيتزا جيت” ألهمت البعض اتخاذ إجراءات تعرِّض الآخرين للخطر.
إن روايات التهديد الموجودة في نظريات المؤامرة يمكن أن تتضمن أو تقدم استراتيجيات تشجع الأشخاص على اتخاذ إجراءات في الواقع الحقيقي، فعلى سبيل المثال اقتحم إدغار ولش -بعد تأثُّره بقصة “بيتزا جيت”- مطعم بيتزا في واشنطن حاملًا سلاحًا ناريًّا وسمح لضيوف المطعم والعاملين بالخروج ثم شرع في البحث عن أطفال مستعبَدين مخبَّئِين في أنفاق كما افترض، وأطلق طلقات من سلاحه ثم استسلم للشرطة بعدما لم يجد شيئًا.
ويفحص باحثو جامعة كاليفورنيا في دراسة أخرى الأطر السردية المحيطة بنظريات المؤامرة المتعلقة بـفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، وفي تلك الدراسة قاموا بتتبع كيفية وضع نظريات المؤامرة، مثل تلك المتعلقة بالخطر المتصوَّر للقاحات، وفي حالات أخرى فكرة أن شبكات الجيل الخامس “G5” تنشر الفيروس، مشيرة إلى أن نظرية المؤامرة استقرت بسرعة.