الدراسات الإعلاميةتقارير

كيف تؤثر مواقع التواصل الاجتماعي في صورة الجسد لدى مستخدميها؟

تساعد منصات وسائل التواصل الاجتماعي الأشخاص على البقاء على اتصال مع بعضهم البعض ومشاركة الأخبار المهمة وتنظيم الأحداث، لكن في المقابل يري العديد من الباحثين بأن هناك جانبًا سلبيًا نفسيًا لاستخدام تلك المنصات، خاصة بالنسبة للفتيات وتحديدا فيما يتعلق تكوين مشاعر سلبية بشكل أكبر عن البنيان الجسماني، حيث تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي مثل  “فيسبوك- Facebook” و”بنترست- Pinterest” و”إنستغرام- “Instagram بمحتوى صور يصل إلى ملايين الأشخاص.

وتلعب العديد من هذه الصور تأثيرا كبيرا في التصورات المتعلقة بشكل الجسد المثالي، وأظهر الباحثون علاقة مباشرة بين استخدام الوسائط وانخفاض الرضاء عن صورة الجسد بين النساء والفتيات، ما يزيد من القلق بشأن الكيفية التي قد يؤدي بها الاستياء من صورة الجسد إلى تداعيا سلبية مثل اضطرابات الأكل، وتدني احترام الذات، وغير ذلك من مشاكل الصحة البدنية والنفسية.

إنستغرام أكثر تأثيرا من فيسبوك علي تصور المستخدمين لأنفسهم

صورة الجسد تعني إدراك الفرد لجمالية وجاذبية جسده، وكيف ينظر له الأشخاص في مجتمعه، وكانت أول صياغة لذلك المصطلح عام 1935 علي يد طبيب الأعصاب النمساوي بول شيلدر في كتابه “The Image and Appearance of the Human Body” ، حيث أكد فيه أن المجتمع لديه قيمة كبيرة لجمال الجسم البشري، وفي كثير من الأحيان قد لا تتوافق معايير الجمال لدى الفرد مع معايير مجتمعه.

وأظهرت العديد من الدراسات أنه كلما تعرضت الفتيات لصور تعبر عن أجسام مثالية، كلما ارتفع مستوى الصورة السلبية لديهن عن مظهرهن.

وتناولت دراسة جديدة لمختبر Body and Media Lab بجامعة “نورث وسترن- Northwestern University” الأمريكية تأثير استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على مقارنات المتعلقة بالمظهر العام والحالة المزاجية ، ورضاء الفرد عن جسده.

وأجريت الدراسة علي عينة عشوائية مكونة من 308 فتاة بالمرحلة الجامعية تتراوح أعمارهن بين 18 و26 عامًا، عبر القيام باستخدام “فيسبوك- Facebook” أو “إنستغرام- Instagram” ، أو ممارسة لعبة على جهاز iPad لمدة 7 دقائق.

وبالمقارنة مع استخدام فيسبوك، انخرطت الفتيات اللاتي استخدمن إنستغرام في قضاء أغلب الوقت في عرض الصور أو مقاطع الفيديو التي تحتوي على أشخاص، وأفادت المشاركات في الدراسة بانخراطهن في المزيد من مقارنات المظهر بالنسبة لما يتصفحنه، لكن مستخدمي إنستغرام عقدن مقارنات حول المظهر أكثر بكثير من نظيراتهن اللاتى استخدمن فيسبوك.

وأظهرت الفتيات اللاتي استخدمن إنستغرام، وليس فيسبوك، انخفاض في معدلات الرضا عن أجسامهن، وشعرن بسوء المظهر، وأبلغن عن المزيد من الحالات المزاجية السلبية.

وتتوافق تلك النتائج مع الأبحاث السابقة التي تشير إلى أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يؤثر على الرضاء عن الجسم ويزيد من وتيرة المقارنة الاجتماعية، وأن إنستغرام قد يكون منصة ضارة بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بتصور الفرد حول جسمه بسبب تركيزه على الصور وليس النص.

ويعد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي تركز على المظهر (نشر وتحرير والتعليق على الصور الشخصية) أسوأ لتصور الفتيات عن مظهرهن من الأنواع الأخرى من وسائل التواصل الاجتماعي، فإنستجرام ، كمنصة تركز على الصور والفيديو ، قد تكون تمثل مشكلة بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالمقارنات حول المظهر.

وبشكل عام ، تشير دراسة جامعة “نورث وسترن” إلى أنه إذا كنت تقضي وقتك علي وسائل التواصل الاجتماعي في النظر إلى صور أشخاص آخرين ، فقد يكون من الصعب تجنب مقارنة مظهرك بهم. وقد يكون هذا التركيز على المظهر هو السبب في أن الفتيات اللاتي استخدمن إنستغرام في هذه الدراسة لبضع دقائق فقط انتهى الحال بهن لشعور سئ حول مظهرهن وأصبحن في حالة مزاجية أكثر سلبية.

ورأت الدراسة أن السبيل للخروج من تلك المشكلة أن يختار المستخدم متابعة الحسابات التي تركز على أشياء أخرى غير المظهر، ونظرًا لتنوع المحتوى على منصات وسائل التواصل الاجتماعي ، هناك الكثير من الفرص لتحويل ذلك الاستخدام إلى مساحة للتعلم والنمو بدلاً من تحفيز صورة سيئة لدى الفرد عن جسده.

صور السيلفي تفسح المجال أمام الدخول في مقارنات شاملة

إن الطبيعة الجمالية تطغي في إنستغرام، حيث أن الصور هي الوسيلة الأساسية لكيفية التواصل مع هذا النظام الأساسي، ما يدفع مستخدمي التطبيق على الفور لمقارنة أنفسهم بالأشخاص الذين تم تصويرهم في الصور.

وتصبح عملية المقارنة من خلال صور السيلفي في إنستغرام أكثر شمولا بكثير مقارنةً بتقييم الذات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، فتركيز صور السيلفي على الأجسام والوجوه يجبر المستخدمين على الانتباه ليس فقط للمظهر العام للمستخدم في الصورة الذاتية ولكن يلاحظ كل عنصر من عناصر المظهر ، مما يخلق عملية مقارنة شاملة ومفصلة تسبب المزيد من الأسباب لزيادة النقد الذاتي الذي قد من المحتمل أن تثير ردود فعل سلبية أكثر في الحالات التي تكون فيها نتائج المقارنة ليست في صالحها.

وتميل الصور على إنستغرام أيضًا إلى إعطاء المجتمع تعريفات جديدة للجمال دون إدراك أن تلك الصور الشخصية قد تم التفكير فيها بعناية، وتنظيمها، وصقلها، ما يجعل الفتيات أمام تحدي تلبية تلك المعايير التي وضعها المشاهير بشكل غير واقعي من خلال الصور المثالية التي يمكن أن تخلق قلقًا مفرطًا من مظهرهن الجسدي.

وفي مجتمع الإنترنت، يكون عدد الإعجابات والتعليقات بمثابة  معيار حاكم لرضا الفتيات عن مظهرهن  ويمكن أن يكون للسعي وراء عدد كبير من الإعجابات والتعليقات آثارًا مدمرة على الفتيات، ومدى رضائهن عن مظهرهن، مما يؤدي إلى سلوكيات أو أنشطة ضارة مثل اتباع نظام حمية قاس أو اللجوء إلي تدخلات جراحية، مما قد يؤدي إلى نتائج سلبية لا يمكن إصلاحها سواء أكانت علي صعيد الصحة الجسدية أوالنفسية.

العرق والأقران والنوع.. متغيرات غائبة عن التحليل

تكتسب دراسة العلاقة بين مواقع التواصل الاجتماعي وصورة الجسد لدى المستخدمين أهمية كبري مع الزيادة الهائلة في عددهم الذي يتجاوز 3 مليارات شخص أي ما يقرب من نصف سكان العالم، فضلا عن أنه من المحتمل أن يكون للأنواع المختلفة من وسائل التواصل الاجتماعي نتائج نفسية متباينة .

وتأسيسا على ماسبق، يمكن طرح عدد من التوصيات المتعلقة بتلك الدراسات وتتمثل فى الأتى:

أولا: أهمية إدراج البعد المتعلق بالعرق في الدراسات المستقبلية، لمعرفة مدى اختلاف النظرة لصورة الجسد والمظهر العام بين المجموعات العرقية وتأثيراتها علي التفاعلات الاجتماعية بين تلك المجموعات.

ثانيا: الأخذ في الاعتبار أن المشاهير لهم تأثير بوصفهم نماذج يحتذى بها، لذا يجب التفكير بجدية في إعداد دراسات تتناول تأثير صور الأقران على مواقع التواصل الاجتماعي علي سلوك المستخدمين، والذي لا يقتصر فقط علي أبعاد سلبية فقد يكون حافزا للتغير الايجابي مثلا  ممارسة الرياضة من أجل الحفاظ على اللياقة البدنية.

ثالثا: الاهتمام أيضا بدراسات حول صورة الجسد تركز على الشباب، نظرا لأن أغلب الدراسات تعنى بالفتيات، من منطلق أنهن يشكلن الشريحة العمرية التي تراودها المشاغل الخاصة بمظهر الجسد أكثر من غيرها.

رابعا: يجب أن توفر الأبحاث المستقبلية مزيدًا من التبصر في آثار التعرض لصور انستغرام لفترات زمنية طويلة على انطباع المستخدمين عن مظهرهن.

 

زر الذهاب إلى الأعلى