في خطوةٍ أقلّ ما تُوصف به، أنها استمرار للسياسات العدائية تجاه الدول العربية وشعوبها، قامت شبكة الجزيرة القطرية بنشر “بودكاست” يَتناول قائدَ فيلق القدس السابق في الحرس الثوري الإيراني “قاسم سليماني”.
ويُظهِر التحليل السيميولوجي لهذا الـ “بودكاست” مجموعةً من الدلائل، أهمّها:
وصف سليماني بـ “الرمز”، حيث عُرض “بودكاست” سليماني ضمن تصنيف الرموز، وبالتالي سعت الشبكة إلى تمجيده كأيقونة.
سعت قناة الجزيرة إلى تعزيز الفكر الطائفي، والترويج بأن المذهب الشيعي هو الممثّل الحقيقي للإسلام، ومن دلائل ذلك:
- بدأ “البودكاست” بوصف قاسم سليماني لنفسه، بأنه جندي كرّس حياته لخدمة الإسلام، وصاحَبَت الصوتَ صورةٌ تَجمعه بـ “علي خامنئي” المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، وهو يقوم بتكريمه بينما ينحني سليماني له، في إشارة ضمنية إلى أن المذهب الشيعي هو الممثّل الحقيقي للإسلام، وأن نظام الوليّ الفقيه هو النظام الصحيح للإسلام.
- ركز “البودكاست” في أكثر من لقطة على الخاتم الذي يرتديه سليماني، ويُعدّ تَخَتُّم الرجال من العادات المتوارثة عند الشيعة، ومن المظاهر الشائعة للدلالة على إيمان مَن يرتديه.
- وصفت شبكة الجزيرة قاسم سليماني بالجندي المجاهد في سبيل الله، كما وصفت مقتله بالشهادة في سبيل الله، وبالتالي فإن الشبكة حاولت تأطير سياسات إيران الاستعمارية، وتدخّلها العسكري السافر في عدد من الدول العربية بمُبرّراتٍ دينية، وتصوير ذلك بأنه جهاد في سبيل الله، متجاهلةً الجرائمَ التي ترتكبها إيران وخاصة فيلق القدس، في سوريا والعراق واليمن ولبنان.
- وَضعت شبكة الجزيرة في خلفية “البودكاست”، صورةً لأسلحةٍ عند وصفها للحرس الثوري الإيراني بأنه “الاسم الذي يهابه الشيطان الأكبر، والعدوّ الصهيوني، ويخشاه عملاء مشروع الاستكبار في منطقتنا”، وهنا نجد أن الجزيرة سَعَت لترويج أن الحرس الثوري هو قلعة الدفاع عن العرب والمسلمين ضد إسرائيل، والأمل في استرجاع حقوق الشعب الفلسطيني، معتمدةً على خطاب شعبوي يستهدف دغدغة المشاعر.
- قالت الجزيرة في نصّ “البودكاست”، إن قاسم سليماني لمع نجمه في الحرب الإيرانية – العراقية، ثم انطلق بعدها مهندساً لمعظم معارك إيران الخارجية، تاركاً بصماته في أكثر بقاع المنطقة التهاباً: سوريا، اليمن، العراق، وغيرها، ومن الملاحظ أن القناة القطرية وصفت التدخّلات العسكرية للحرس الثوري الإيراني في هذه البلاد العربية بأنها “معارك إيرانية”، وليست تدخلاً وغزواً أدّى إلى مئات الآلاف من الضحايا ما بين قتيل وجريح، وتسبّب في تشريد ومعاناة الملايين من البشر.
- كما تَعمّدت الجزيرة تضليلَ الشعوب العربية، بتجاهل تأسيس الحرس الثوري ودعمه للأذرع العسكرية الطائفية في العراق وسوريا واليمن ولبنان وغيرها، سعياً لتفتيتها وزعزعة أمنها واستقرارها، خدمةً للمشروع الفارسي الطائفي.
- أضافت الجزيرة في البودكاست أن “اغتيال سليماني كاد أن يُشعل حرباً عالمية ثالثة“، حيث سعت القناة إلى تمرير صورة ذهنية ضمنية عن مدى القوة العسكرية التي تتمتّع بها إيران، فضلاً عن شبكة تحالفات دولية ضخمة، بالرغم من حالةِ العُزلة التي يُعاني منها نظام الملالي في طهران، على المستويين الإقليمي والدولي.
- يَتّضح من هذا البودكاست أنه مُوجّه إلى العرب في الأساس، كون اللغة المستخدمة فيه هي العربية، ما يعني وجود احتمالين لا ثالث لهما، إما أن “البودكاست” تمّ إنتاجه بضغط إيراني لتحسين الصورة الذهنية تجاه إيران، ونِكايةً في الدول العربية، أو أن الجزيرة أنتجته إرضاءً لنظام الملالي، والمقابل في كلتا الحالتين، هو ضمان استمرار الدعم الإيراني للنظام الحاكم في الدوحة.
- يُظهِر هذا “البودكاست” أيضاً سقوط وتخبّط قناة الجزيرة، كونها لا تمتلك سياسة تحريرية محدّدة، وإنما تخضع لسيطرة مجموعةٍ من القوى المتحالفة ظاهراً، والمتصارعة في الخفاء.
فالمرجعية الأساسية لقناة الجزيرة تعود إلى سيطرة جماعة الإخوان المسلمين عليها، ولكن بعد مقاطعة الدول العربية لقطر بسبب دعمها للتنظيمات الإرهابية وتوجّهها الفارسي، وتغريدها خارج السرب العربي، أصبحت مرجعيةُ قطر وقناة الجزيرة مُشتتةً ما بين الأتراك والإيرانيين، فضلاً عن جماعة الإخوان، ويُؤكّد هذا التخبّط، أن القناة القطرية سارعت إلى حذف “البودكاست” لاحقاً.