تقارير

منصات الإعلام الرقمي ملاذ تسويقي في ظلّ أزمة كورونا

أدى انتشار وباء كورونا المستجد (كوفيد-19) في جميع أنحاء العالم، وما فرضه من إجراءات التباعد الاجتماعي، وسياسات الشركات للعمل عن بُعد، إلى إلغاء كلّ الفعاليات التجارية والأحداث الثقافية، بل وحتى التجمّعات العامة الصغيرة، وتعطيل الخطط والعمل والحياة بشكل عام لملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم، وهو ما ألقى بظلاله على كافة قطاعات الأعمال، بما فيها قطاع الإعلان والوسائط الرقمية.

 تراجع الإنفاق الإعلاني بعد صدمة سلاسل التوريدات

من المُرجَّح أن يتأثر الإنفاق العالمي على الإعلانات بسبب فيروس كورونا، وفقاً لأحدث تقديرات شركة الأبحاث “إي ماركيتر – eMarketer”، الصادرة في 6 مارس الماضي، والتي توقعت أن يَصل إجمالي الإنفاق على إعلانات في وسائل الإعلام خلال عام 2020 في جميع أنحاء العالم، إلى 691.7 مليار دولار، بزيادة نسبة 7% عن عام 2019. كما أنها ستمثل انخفاضاً عن تقدير سابق بأن الإنفاق الإعلاني سيرتفع بنسبة 7.4٪ إلى 712.02 مليار دولار هذا العام.

وتشير “eMarketer” إلى أن الفيروس سيؤثر على الإنفاق الإعلاني في الصين، ثاني أكبر سوق إعلانات في العالم، حيث سيتراجع إجمالي الإنفاق المتوقّع على الإعلانات من 121.13 مليار دولار، إلى 113.7 مليار دولار في 2020.

كما سيتراجع النموّ المتوقع بإجمالي الإنفاق الإعلاني في جميع المنصات الإعلامية، بما في ذلك الرقمية، من 10.5% إلى 8.4%، فضلاً عن تراجع النموّ في الإنفاق على الإعلانات الرقمية بنسبة 13% مقارنة بـ15.2%.

وبينما يتزايد استهلاك الوسائط الرقمية في الصين، حيث يقضي المستهلكون مزيداً من الوقت في المنزل، فإن بعض المعلنين يَسحبون الإنفاق، بسبب مخاوف من أن صدمات سلاسل التوريد قد تمنعهم من إيصال المنتجات إلى الأسواق.

وبخلاف الصين، لا يزال تأثير الوباء في الإنفاق على الإعلانات أقلّ وضوحاً، لكن هناك مجموعة من العوامل التي يُمكن أن تُضعف الإنفاق الإعلاني في جميع أنحاء العالم بشكل أكبر، ومن أبرزها:

قيام الشركات في سلاسل التوريد التي تَعتمد على الصين، بتقليل إنفاقها الإعلاني، كوسيلة للتخفيف من الخسائر الاقتصادية، وهناك أدلة تشير إلى تباطؤ في الإنفاق على إعلانات أمازون، خاصة بين البائعين الصغار الذين لديهم بالفعل تدفّق نقدي أكثر إحكاماً، ومن الممكن أن يمتد هذا الاتجاه إلى المنصات الرقمية الأخرى إذا استمرت المشاكل الناجمة عن الأزمة.

يشهد الإنفاق على الإعلان الخارجي في الطرق تأثيراً سلبياً، فتدابير احتواء الفيروس وفي مقدّمتها العزل والتباعد الاجتماعي، تجعل المستهلكين في البلدان التي سَجَّلت إصاباتٍ كبيرة بالفيروس، يَتجنّبون الأماكن عامة والتجمّعات الكبيرة، وقد يؤثر ذلك في النهاية على استعداد المعلنين للإعلان في الأماكن العامة أيضاً.

تؤدّي عمليات إلغاء العديد من الفعاليات، إلى ضياع فرص موثوقة وعالية الجودة للإعلان، قد لا تكون لها بدائل جذابة خلال العام، حيث تم إلغاء أو تأجيل عدد كبير من الأحداث الثقافية والصناعية على مدار الأسابيع القليلة الماضية، فعلى سبيل المثال، تم إلغاء بطولة “March Madness” السنوية لكرة السلة، والتي حققت 655.1 مليون دولار كعائدات إعلانية في العام الماضي، وفقاً لتقديرات مؤشر وسائل الإعلام القياسية.

 البدائل الرقمية خيار المعلنين الوحيد في ظلّ الإغلاق العام

من المرجح أن يؤدّي انتشار فيروس كورونا إلى تعزيز استهلاك الوسائط الرقمية في جميع المجالات، حيث يقضي الناس وقتاً أطول في المنزل، ويتواصلون بشكل شخصي.

في الولايات المتحدة، حيث لا تزال آثار الفيروس جديدةً نسبياً، يزداد استهلاك الوسائط الرقمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب عبر الإنترنت، على غرار ما حدث في الصين.

من المحتمل أيضاً أن تستفيد خدمات بث الفيديو المتدفّقة، حيث يسعى الأشخاص للحصول على مزيد من الترفيه أو المحتوى الإخباري، عبر خدمة عرض الفيديو حسب الطلب “SVODs”، مثل “Netflix” و”Hulu” و”Amazon Prime Video”، التي قد تجتذب المزيدَ من المشتركين.

ويمكن أن تشهد خدمات الفيديو حسب الطلب المدعومة بالإعلانات مثل قناة “Roku” و”Pluto TV” أيضاً تصاعداً كبيراً في الاستخدام وساعات البث.

ستؤدّي عمليات إلغاء الفعاليات بسبب كورونا إلى تحفيز المسوّقين على استكشاف البدائل الرقمية، ووفقاً لمسح أجرته شركة “Demand Gen Report” للتسويق في يناير الماضي، يَعتبر 53% من المسوقين التجاريين في الولايات المتحدة، المؤتمراتِ والمعارضَ التجارية قنواتٍ فعالةً للإعلان.

وأشارت جيليان ريان، المحللُ الرئيسي في شركة “eMarketer”، إلى أن عدم وجود نقاط اتصال شخصية هذا العام، من المحتمل أن يكون له تأثير كبير على معدلات المبيعات وتوليد العملاء المحتملين.

الأحداث والمؤتمرات الافتراضية.. ساحة جديدة للتسويق الإعلاني

سيَتعيَّن على المُسوّقين أن يكونوا مبدعين للعثور على فرص ومنصات، للوصول إلى العملاء، ومن أبرز الساحات الجديدة المتاحة، المؤتمرات الافتراضية، حيث يَسعى المسوِّقون لاستكشاف إمكاناتِ الأحداث الافتراضية، إذ تتمتّع المؤتمراتُ الرقمية ببعض المزايا، فهي قابلة للتوسيع بسهولة، ويمكن للمضيفين التحكّم بشكل أكبر في إجراءاتها، ووفق العديد من المؤشرات، فإن المستهلكين على استعداد لحضور أحداث افتراضية أقلّ شهرة، إذ أفادت منصة المعرض الافتراضي “V-Ex”، أن أكثر من 50 ألف شخص زاروا مؤخراً معارضَ التجارة الرقمية عبر الإنترنت.

وعلى مدار الأشهر القليلة المقبلة، ستستضيف كلٌّ من “Adobe” و”Facebook” و”Google” و”YouTube”، نسخاً افتراضية لمؤتمراتها الشهيرة، والتي ستوفّر فكرةً أفضل عن إمكانات تلك الأحداث واستغلالها كبديل للمؤتمرات الفعلية.

تغيير الاستراتيجيات وتحوّل في ميزانيات الإعلان

يقف معظم المسوّقين اليوم في مفترق طرق، يدفعهم للتساؤل عن المسار الذي يجب اتخاذه في مثل هذا المستقبل الغامض، وقد أظهرت دراسة نشرها موقع “The Drum” المتخصّص في التسويق والإعلان، أن 61٪ من المسوّقين يُغيّرون استراتيجيتهم الإعلامية على المدى القصير، و9٪ فقط يقومون بتغييرات طويلة المدى.

وتشير الدراسة إلى انتقال طفيف من الوسائط غير المتصلة بالإنترنت إلى الإنترنت، حيث أوضح المسوّقون أنهم سيتخذون نهجاً أكثر حضوراً عبر الإنترنت.

هذا التحوّل في الميزانية ليس مفاجئاً، بالنظر إلى أن الوسائط الرقمية يتمّ استهلاكها بمعدّل أعلى، بسبب نمط الحياة عبر الإنترنت للمستهلكين بعد أزمة كورونا.

وسيستفيد المسوّقون الذين يشهدون خفضاً في الميزانيات، من خلال الانتقال إلى قنوات أرخص وأكثر مرونة مثل الإعلان الآلي، حيث يتزايد حضور المستهلكين والانطباعات المتاحة، فالإعلانات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي والفيديوهات عبر الإنترنت، هي قنوات من المرجّح أن تزيد في الخطة الإعلامية على المدى القصير، وتعمل بعض العلامات التجارية على زيادة الإنفاق على الإعلانات الرقمية، للتعويض عن العملاء المحتملين الذين كانت ستحصل عليهم في الفعاليات الواقعية.

وأخيراً.. يطرح الواقع الذي فرضه فيروس كورونا السؤالين التاليين.. إلى مدى ستتغير الأشياء؟ وكيف سيبدو العالم عندما تنتهي تلك الأزمة؟

زر الذهاب إلى الأعلى