ترجمات

ما هي طرق العمل التي سيغيّرها كورونا إلى الأبد؟

يغير فيروس كورونا المستجدّ خريطةَ طرق العمل حول العالم، إذ لجأت كثير من الشركات والمؤسسات إلى تغيير كيفية عمل موظفيها، ومنحهم خيار العمل عن بُعد، وهو ما تناقشه مجلة “نيوزويك” الأمريكية، في تحليل بقلم كيري آن رينزولينشرت.

الموضوع..

تقول كيت ليستر، رئيسة شركة الاستشارات “Global Workplace Analytics”: “قد تكون هذه نقطة التحوّل للعمل عن بُعد، لا أعتقد أن العمل المكتبي سينتهي، لكن المزيد من الناس سيقضون جزءاً من الأسبوع في المنزل”.

بالفعل هناك ارتفاع واضح في عدد العاملين من المنزل، حيث أشارت تقارير شركة “غارنتر – “Gartner العالمية المتخصّصة في الأبحاث والاستشارات، خلال استطلاع أجري في 17 مارس 2020 على 800 من المديرين التنفيذيين للموارد البشرية، إلى أن 88% من المنظمات شَجَّعت أو اشترطت على الموظفين العملَ من المنزل، ووجدت شركة “G&S Business Communications”، في “استطلاع رأي سريع” خاص بها، أجري في 21 مارس، أن 26% من الذين شملهم الاستطلاع انتقلوا فعلياً إلى العمل من المنزل.

بالإضافة إلى ذلك ارتفعت خدمات شركات التكنولوجيا، وذكر موقع “FreeConferenceCall.com” أن استخدامه تضاعف في الولايات المتحدة ليرتفع بنسبة 2000%، وفي إيطاليا وإسبانيا بنسبتي 4,322% و902% على التوالي.

وذكرت شركة “كينتيك – Kentik” للتحليلات الشبكية، أن مؤتمرات الفيديو video conferencing زادت بنسبة 200% تقريباً في أمريكا الشمالية وآسيا، وباختصار فقد خلق الوباء تجربة اجتماعية واقتصادية قسرية ضخمة.

وقبل تفشّي المرض، عرضت 69% من المؤسسات بالفعل خيار العمل عن بُعد لبعض الموظفين، في حين عرضت 42% منها العمل بدوام جزئي، بينما عرضت 27% دواماً كاملاً، وفقاً لمسح قامت به “جمعية إدارة الموارد البشرية -SHRM ” في 2019.

ومع تفشّي الوباء، تسارع التوجّه نحو هذا الخيار، خاصة في الشركات التي تعمل في التكنولوجيا مثل مايكروسوفت وأمازون، بينما طلبت شركاتٌ في صناعات أخرى مثل فورد وجنرال موتورز وفيات كرايسلر، من جميع العمال الذين يمكنهم العملُ من المنزل أن يفعلوا ذلك، وحذت ذلك الحذو شركة الاتصالات العملاقة AT&T، وبنوك وول ستريت، مثل: جي بي مورغان وجولدمان ساكس.

لهذا السبب يقول ستيف كينج، الشريك في شركة “Emergent Research” الاستشارية للشركات الصغيرة، إنه قد لا يكون هناك عودة إلى الوراء، إذا كان لديك بالفعل توجّه أو تحوّل آخِذٌ في النموّ، فإن صدمة مثل جائحة الكورونا تكون داعمة لذلك، مما يُسَرّعِ ذلك التوجّه.

ومنذ الإعلان عن جائحة كورونا، حاولت العديد من الشركات نقلَ عملياتها وثقافتها وأسلوبَ إدارتها واتصالاتها إلى الإنترنت بشكل كامل، وقد اشتاق الموظفون إلى المرونة التي يوفّرها العمل في المنزل، وشجّع أربابُ العمل هذا التوجّه.

ولكن لا تزال هناك سلبيات لهذا الواقع الجديد للعَمل عن بُعد، فالعديد من الموظفين ليس لديهم مساحة في المنزل، وبعضهم يكره الشعور بالعُزلة، كما أنه من الصعب الفصل بين وقت العمل وبين الأعمال الشخصية، كما أن بعض أرباب العمل قد لا يكونون مستعدين للتعامل مع التكنولوجيا، وعلاوةً على ذلك، كيف تعرف أنك تدفع لشخص قد لا يَقضِي وقته في العمل؟

وقد عزّزت شركة التوظيف التي تعمل بها باميلا جونزاليس 24 عاماً في أورلاندو، ساعات عمل قسم التكنولوجيا، ولكن بالنسبة للتجربة الفعلية للعمل عن بُعد بشكل كاملٍ وللمرة الأولى، اعتبرت جونزاليس أن هناك مزايا وعيوباً على حَدٍّ سواء.

فعن المزايا قالت جونزاليس: “أنا أكثر إنتاجية في العمل من المنزل، وهو ما فاجأني، أشعر أنني لا أملك شخصاً يُدِيرُني، يُمكنني العمل بجدّ لمدة ساعتين، ثم أخذ قسط من الراحة والعودة، ففي المكتب هناك الكثير من عوامل التشتيت”.

أما بالنسبة للعيوب فقالت جونزاليس: “إنه يعبث بتوازن حياتي العملية، ففي الليلة الأولى التي عملت فيها عن بُعد، انتهى بي الأمر بالعودة إلى جهاز الكمبيوتر الخاصّ بي والعمل إلى العاشرة مساءً، لم يكن زوجي سعيداً”.

اكتشفت جونزاليس أن هذه الأعمال تُشكّل الأساسَ لأحد أكبر المفاهيم غير الصحيحة، كما أنه سيَتعيّن على المديرين إجراء تعديلات رئيسية في الوقت الذي يَحتَضِنُون فيه قوةَ عملٍ بعيدة تماماً.

تُضيف كيت ليستر، رئيسة شركة الاستشارات “Global Workplace Analytics”، أن السّببَ الشائع الذي يَستشهد به أربابُ العمل لعدم تنفيذ العمل عن بُعد قبل تفشّي الوباء، هو ببساطة أنهم لا يثقون بموظفيهم للعمل بدون قيود، فهم يشعرون بالقلق من أن الموظفين سيستخدمون ساعاتِ العمل لكلِّ شيء ما عدا واجباتهم الوظيفية، عندما يكونون بعيدين عن الأنظار.

وفي الواقع، أفاد 76% من قادة الموارد البشرية طبقاً لـ “غارنتر – “Gartner، أنه خلال تفشّي الفيروس كانت مخاوف المديرين تتمحور حول إنتاجية أو مشاركة مجموعاتهم في العمل.

لكن من المرجح أن يَجِد العديد من المديرين أنفسَهم متفاجئين، حيث يقول أكثر من رُبع الموظفين الذين تحوّلوا مؤخراً إلى العمل عن بُعد، إنهم يُسَجِّلون ساعاتِ عمل أكثرَ مما يفعلون عادةً في المكتب، وفقاً لمسح أجرته شركة G&S. كما وجدت دراسة من جامعة هارفارد العام الماضي، أن الأشخاص كانوا أكثر إنتاجية عندما تمّ مَنحُهم حريةَ العمل من أي مكان، بعيداً عن متطلبات مكان العمل الصارمة.

سوف يَستنتج المديرون الملاحظاتِ من تجربتهم، وكما تقول ليستر عن المديرين، فإن “عمل المديرين أنفسِهم عن بُعد، يجعلهم يُغيّرون تَحفّظاتهم بشكل سريع، فهم يرون مدى صعوبة عملهم أثناء وجودهم بالمنزل، خلال الساعات التي يقضونها في العمل، وهو ما يساعدهم على تجاوز مسألة الثقة هذه”.

سيحتاج الموظفون إلى تكثيف اتصالاتهم وتطوير عاداتهم لتوثيق التفاعلات الرقمية، حتى تعلم المجموعة والمديرون الآخرون ما يحدث، وهذا يعني في بعض الأحيان الاعتماد المفرط على الاجتماعات، ووفقاً لمسح أجرته “Owl Labs” عام 2019، فإن 3% فقط من العاملين في المكاتب يحضرون 11 اجتماعاً أو أكثر في الأسبوع، ولكن 14% من العاملين عن بُعد يحضرون الاجتماعات.

وبالطبع، لا يمكن أن تكون الإنتاجية عالية جداً إلا كانت الأدوات الضرورية في المنزل معك أيضاً، ولا تكون جميع مساحات العمل في المنزل متساوية، وقد يتعطّل الموظفون في البداية إذا لم تقم شركاتهم بإجراءات استخدام التكنولوجيا المناسبة، إذ وجدت G&S أن 40% من الأمريكيين الذين بدأوا العمل عن بُعد، يقولون إن أحدَ أهم التحديات هو إعدادات التكنولوجيا، مثل هواتفهم وأجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم، ويبدو أن المديرين يشعرون بنفس الشعور، وبحسب “غارنتر – “Gartner فإن حوالي نصف قادة الموارد البشرية الذين شملهم الاستطلاع، يَعترفون بأن ضعف التكنولوجيا والبِنية التحتية للعمل عن بُعد، هو أكبر حاجز في المرحلة الانتقالية الكبيرة.

يقول دوغ تابوتشي وهو مهندس رئيسي في “سكوير فوت – “SquareFoot وهي شركة تقنية عقارية مقرّها نيويورك، إن “بعض مُطوِّرينا كانوا يأتون إلى المكتب على أيّ حال، على الرغم من تشجيعنا على العمل من المنزل”، وقبل أسبوع من جعل العمل عن بُعد إلزامياً في 13 مارس، “كان من الصعب إعادةُ بناءِ الأجهزة والعمليات التي توقّعوها والردّ عليها في المكتب”.

ويُضيف: “في بعض الأحيان، إنها الأشياء الصغيرة التي تؤثّر على الموضوع.. لا أملك شاشة ثانية.. أستخدم أجهزة AirPods بدلاً من سماعات الرأس والميكروفون، وهذا يُؤثّر على ما يمكنني القيامُ به”، بالإضافة إلى أن العيش في شقة بغرفة نوم واحدة، مع زوجة وطفل يبلغ من العمر شهرين، لا يساعده على ذلك.

يَمضي آرت باباس، الرئيسُ التنفيذي لشركة البرمجيات “بولهورن – Bullhorn” ومقرّها بوسطن، في هذا الاتجاه، رغم أن لديه مجموعةً مختلفة من المخاوف، وقد كانت له خبرة في تجربة العمل عن بُعد، حيث كان حوالي 20% من موظفيه البالغ عددهم 1200 موظف، يعملون عن بُعد بالفعل، لكنه لا يَزال قلقاً بشأن فقدان الإنتاجية، كما أن “التحدّي الأكبر هو أن عَقد المؤتمرات عن بُعد، يَتطلّب طاقةً أكثر من الاجتماع الشخصي، كما يَتطلب مستوى مختلفاً من التركيز والانتباه.

لكن الناس سوف يتعلّمون ويتأقلمون، كما يقول، “تماماً مثل أي مهارة، فإن العمل عن بُعد سيستغرق وقتاً”. ويضيف باباس أن أحداً من الموظفين لن يعلق في زحمة المرور لمدة ساعتين.

مع اعتياد الموظفين على المزايا، سيرتفع عدد العاملين عن بُعد، ويُمكن للشركات استخدامه كورقة مساومة لتوظيف أفضل المواهب والاحتفاظ بها، إذ يقول دان شوبل، الشريك الإداري لـ “Workplace Intelligence”: “ستعتبر الشركاتُ العمل عن بُعد ميزةً تنافسية”. ويُضيف أنه “مراراً وتكراراً، أعطى الموظفون الأولوية للمرونة كجزء من معايير البحث عن عمل، والآن بينما يشاهدون فوائدها، سيزداد الطلب على ذلك النوع من العمل”.

ووفقاً لمسح قامت به “Owl Labs”، فَضّل حوالي نصف الموظفين الأمريكيين خيارات العمل عن بُعد قبل تفشّي الوباء، وقال أكثر من ثلث العمال إنهم سيكونون على استعداد للتضحية بنسبة 5% من أجرهم من أجل هذا الخيار، ولكن لمجرّد أن العديد من الموظفين قد يرغبون في الحصول على مثل هذه الخيارات المرنة، فهذا لا يعني أن جميعهم سيرغبون في العمل عن بُعد عندما تنتهي الأزمة، وقد جرّبت شركاتٌ مثل “IBM” و”Best Buy” و”Yahoo” و”Aetna” العملَ عن بُعد في السنوات الماضية، لكنها عادت إلى العمل من مقرّاتها فيما بَعد.

ويقول جوني سي تايلور جونيور، الرئيس والمدير التنفيذي لجمعية إدارة الموارد البشرية: “نحن نقوم بالتعميم بأن هذه التجربة ستكون جيدةً للعمل، لكن الكثير من الناس لا يُحبّون دائماً العَملَ عن بُعد، خاصة في ظلّ هذه الظروف، فيمكن أن نَفقد الصداقةَ والشعورَ بالانتماء كلّما كنا خارج المكتب لفترة أطول”.

هذه الروابط في المكتب ليست جيدة فقط لحياة الموظفين الاجتماعية ورفاهيتهم، إنما يمكن أن تكون مفيدة بشكل كبير لأرباح الشركة، وقد أظهرت دراسة نُشِرت في مجلة هارفارد بيزنس ريفيو، أن الأشخاص الذين لديهم صديق مفضّل، يزيد احتمال التزامهم بالعمل سبعة أضعاف، واكتشفت دراسة أخرى في نفس المجلة، أنه عندما زاد مندوب مبيعاتٍ تفاعلاته مع زملاء العمل بنسبة 10%، زادت مبيعاتهم أيضاً بنفس النسبة.

وبالنسبة للبعض، فإن الراحة لا تكون مع العُزلة، بغضّ النظر عن عدد مؤتمرات الفيديو التي يتمّ حضورها، ويقول جاستن ساناك، 29 سنة، الذي يعمل لدى مقاول حكومي في بلانو بولاية تكساس: “أنا انطوائي يعيش مع قطة”، وأحتاج إلى وقتٍ في المنزل لإعادة شحن بطارياتي، ولكن لا يُفترض أن يتم شحن البطاريات إلى الأبد، لذا أنا مستعدّ للعودة إلى المكتب”.

زر الذهاب إلى الأعلى