أسباب عديدة تجعل إيران بؤرةً لانتشار وباء كورونا المستجد (كوفيد-19) في الشرق الأوسط، من بينها:
– محاولة الحكومة إخفاء تفشّي الفيروس.
– عدم توفر القدرات الكافية لإجراء الفحوصات.
– رفض تطويق المدن والأضرحة الشيعية.
– الخرافات والتسييس والدعاية التي تُلقي باللوم على أعداء تقليدين لإيران.
– غياب الجدية في التعامل مع الأزمة.
كلّ هذه العوامل تلعب دون شَكّ دوراً، ولكنّ هناك مشتبهاً به آخر هو شركة طيران إيرانية خاصة مرتبطة بالحرس الثورى الإيراني وتَخضع للعقوبات الأمريكية، حيث استمرّت في تسيير رحلات من وإلى الصين، بما في ذلك مدينة ووهان، بعد عدة أسابيع من تفشّي الوباء.
وقد خَصّ بهرام بارساي عضوُ البرلمان الإيراني، مؤخراً، شركة “ماهان إير” ومنظمة الطيران المدني الإيرانية، باعتبارهما المشتبهين الرئيسيين وراء تفشّي الوباء في البلاد.
ما زاد من الشكوك هو التصريحات المتضاربة والمعلومات المُضلّلة الصادرة عن مسئولي ومديري شركة الطيران، ففي 31 يناير، أعلنت الحكومة الإيرانية تعليق جميع الرحلات الجوية مِن وإلى الصين، لكن معلوماتِ الوصول والمغادرة لدى مطار “الإمام الخميني” في طهران، وكذلك المطارات الصينية، تُظهِر أن رحلات “ماهان إير” بين البلدين استمرّت لمدة أسبوع كامل آخر، بما في ذلك رحلة إخلاء مباشرة من ووهان، كما أظهرت بياناتٌ أخرى استمرار الرحلات الجوية حتى شهر مارس.
“ماهان إير” ذراع الحرس الثوري لنشر الإرهاب
تَرتبط شركة “ماهان إير” (شركة خطوط جوية خاصة)، بالحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس التابع له، والمُصنّف من قبل الولايات المتحدة وحكوماتٍ أخرى منظمةً إرهابية.
وقد فرضت واشنطن عقوباتٍ على شركة “ماهان إير” على خلفية مساعدتها في نقل الأسلحة وعناصر من الحرس الثوري الإيراني لدعم حكومة بشار الأسد، في ظلّ الحرب الأهلية الوحشية الدائرة في سوريا.
وذكر السفير الصيني لدى إيران، تشانغ هوا، في تغريدة على حسابه بموقع التدوينات القصيرة “تويتر” في 2 فبراير الماضي، أن الرئيس التنفيذي لشركة “ماهان إير”، حامد عرب نجاد، قال إنه يرغب في مواصلة التعاون مع الصين.
بعد يومين، انتقدت وكالةُ أنباء الطلبة الإيرانية شِبهُ الرسمية “إسنا” هذه الرحلات المستمرة، ولم يكن ذلك للمرة الأولى.
وزعمت “ماهان إير” في بيان صحفي أنها أنهت جميع رحلات الإجلاء الطارئة من ووهان وأماكن أخرى بحلول 5 فبراير، ومع ذلك واصلت الشركة تسيير رحلات بين طهران وأربع مدن صينية رئيسية (بكين – شنغهاي – قوانغتشو – شنتشن)، بلغت على الأقل 55 رحلة، حتى 23 فبراير، بحسب إحصاء راديو فاردا الإيراني، واستناداً إلى بيانات مؤسسة “فلايت رادار”، المتخصّصة بِتتبّع الرحلات الجوية.
وحتى الرابع من مارس، أي بعدَ أسبوعين من إعلان الحكومة رسمياً عن أول حالة وفاةٍ في إيران بسبب فيروس كورونا، كانت “ماهان إير” لا تزال تُسيِّر رحلاتٍ إلى بكين وشنغهاي، واستأنفت رحلاتها المباشرة إلى قوانغتشو وشنتشن.
استمرار الرحلات الجوية مع الصين بدعوى نقل مساعداتٍ إنسانية طبية
وواصلت “ماهان إير” التضليل حول رحلاتها، ففي 20 فبراير، زعمت شركة الطيران أنها قامت فقط في الأيام الأخيرة برحلات شحنٍ تتعلق بمساعدة إنسانية إلى الصين، في حين تمّ إيقاف جميع رحلات الركاب.
لكن بياناتِ تَعقُّب الرحلات تُظهِر أنها رحلاتُ رُكّاب لا بضائع، وتبدو تلك البيانات أكثرَ موثوقية، فنظراً لمعاناة إيران من نقصٍ شديد في الكمامات والمُطهّرات والأدوية والمُعدّات الطبية – جزئياً نتيجة العقوبات الأمريكية – من الصعب تَصوُّرُ أن طهران تُسَيِّرُ عشراتِ الطائرات المُحمَّلة بمساعداتٍ طبية إلى الصين، في وقتٍ كان تفشّي الفيروس داخل إيران يزداد سوءاً وبوتيرة سريعة.
ويَزعم الرئيسُ الإيراني حسن روحاني أن 19 فبراير هو التاريخ الذي أدركت فيه الحكومةُ لأول مرة وصولَ الفيروس إلى إيران، بعد الإبلاغ عن أول حالتي وفاةٍ في مدينة قُم، لكن مؤشراتٍ كثيرةً تَشهد على وجود دلائل قبل ذلك بوقتٍ طويل، إذ تُشِير وثيقةٌ حكومية مُؤرَّخة في 19 فبراير، إلى وجود حالاتٍ في قُم منذ 31 يناير، ومع ذلك، تمّ تأجيلُ الإجراءات الاحترازية لِما بَعدَ الانتخاباتِ البرلمانية في 21 فبراير.
مع تفاقم الوضع في إيران، واصلت شركة “ماهان إير” تسيير الرحلات مِن وإلى الصين، بما في ذلك 8 حمولاتِ مُعدّاتٍ طبية طارئة من الصين.
ووفقاً لوزير الطرق والتنمية الحضرية محمد إسلامي، قامت “ماهان إير” أيضاً بـ 3 رحلات لإعادة الإيرانيين، بما في ذلك رحلة من ووهان لإعادة الطلاب الإيرانيين.
ونظراً لنقص أدوات الفحص والمُعدّات الأخرى، فمن غير المرجح أن تكون سلطاتُ الطيران والصحة الإيرانية قادرةً على ضمان التعقيم وتشخيص الإصابات بشكل مناسب عند وصول تلك الرحلات، وحتى اليوم، تشتبه منظمة الصحة العالمية في أن إيران لم تُشَخِّص سوى جزء صغير من العدد الحقيقي للحالات.
ويُشتَبه أيضاً في أن شركة “ماهان إير” قد نقلت مواطنين صينيين في رحلات الشحن المفترضة، إذ قال نائب وزير الصحة الإيرانى علي رضا رئيسي، مؤخراً، إن الدراسات كشفت أن ظهور فيروس كورونا في مدينة قُم يرتبط بشكل واضح بالعُمّال والطلاب الصينيين.
كما اكتسبت العلاقةُ المشتبهُ بها بين رحلات الشركة وبدء تفشّي الوباء في قُم، زخماً بين بعض الإيرانيين، وزعم البعضُ على وسائل التواصل الاجتماعي أن الإيرانيين هاجَمُوا طائرة “ماهان إير” بالحجارة في مطار قُم.
كورونا يَعزل إيران.. واستياء عام بين الإيرانيين تجاه الصين
إن قضية “ماهان إير” هي أحدُ أعراض اعتماد إيران المُفرِط على الصين والحاجة لإرضائها، والتي ازدادت فقط مع بداية الأزمة.
لقد أدّى هذا الوباء إلى عزل إيران بطريقةٍ لم يكن الضغطُ العسكري والدبلوماسي والاقتصادي قادراً عليها، على الرغم من أن التجارة الثنائية انخفضت بأكثر من الثلث بين عامي 2018 – 2019، وتضاءلت صادراتُ النفط الإيرانية إلى الصين بأكثر من 82% بين شهري أبريل ونوفمبر 2019، إلا أن الصين لا تزال أهمَّ شريكٍ تجاري ومُشترٍ للنفط والغاز الإيرانيين.
ووَفقاً لنائب وزير الصحة الإيراني، رضا مالك زاده، كانت العلاقات الاقتصادية الثنائية من بين أسباب الرحلات الجارية إلى الصين. كما تَظلُّ بكين إلى جانب روسيا، أهمَّ راعيين لإيران وحاميين لها، خاصة في مجلس الأمن الدولي.
رغم دعوةِ روحاني الإيرانيين إلى الوثوق بجهود حكومته لاحتواء الوباء، لكن الثقة بين المواطنين الإيرانيين وقادتهم باتت ضعيفةً بشكل خطير.
كما أن التكهّنات المستمرّة في إيران حول أصول الوباء، تُخاطِر بالامتداد إلى حالة عداء تجاه كلّ شيء صيني، بما في ذلك الآلاف من العمال والتجار والطلاب الصينيين في إيران، ومثل هذا الاستياء العام سيضع طهران في موقفٍ أكثرَ صعوبةً مع بكين، ويُمكِن أن يُقوِّضَ أيضاً استمرارَ سيطرةِ النظام الإيراني على السلطة.
أزمة كورونا تضع شرعية النظام الإيراني على المحكّ
شهدت الأشهر الأخيرة بالفعل احتجاجاتٍ عنيفةً مناهِضةً للنظام بشكل غير مسبوق، وأدنى إقبالٍ على الانتخابات البرلمانية في تاريخ إيران ما بعد الثورة.
وفي هذه الأثناء، يَرزح الاقتصادُ الإيراني تحت العقوبات الأمريكية الصارمة، وأدنى أسعارٍ للنفط منذ عام 2002، وانهيارٍ للتجارة العالمية مع انتشار الوباء. بل وللمرة الأولى، يطلب البنكُ المركزي الإيراني مساعدةً طارئة بقيمة 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي.
علاوةً على ما سبق، يَقتل الوباء عدداً متزايداً من الشخصيات السياسية والأمنية والدينية، في بلدٍ يُديره قادةٌ أعمارهم تتجاوز الستين عاماً أو أكبر، وفي هذا السياق، كان على المسئولين أن يدحضوا الشائعاتِ التي تفيد بأن نتائج فحص كورونا للمرشد الأعلى علي خامنئي (80 عاماً) جاءت إيجابية.
كواحدةٍ من أكثر بؤر الوباء تضرّراً، تُبحِرُ إيران في مياهٍ مجهولة، إذ جعلت قراراتُ الحكومة الأزمةَ أسوأ بالنسبة للشعب الإيراني، فضلاً عن نسبةٍ ضعيفةٍ من الشفافية، بما في ذلك حول الدور الذي لعبته شركة “ماهان إير”.
وبينما تتواصل إصاباتُ ووفيات الإيرانيين بالفيروس، قد تكون شرعية النظام بين شعبه على المحكّ كما لم يَحدُث مِن قبل.