مقدّمة..
تزخر منصة تويتر بمجموعة من الحسابات التي تروّج لمنتجات التخسيس والمنشطات والأدوات الجنسية، في مختلف الهاشتاقات المتداولة يومياً، وتقوم هذه الحسابات بنشر إعلاناتها بشكل مُكثّف وبأكثر من مرة في الهاشتاقات المتداولة، ما يسبب الإرباك والتشويش لمتصفحي ومتداولي هذه الهاشتاقات، وتهدف الحسابات من هذا السلوك إلى الوصول بإعلاناتها لأكبر عدد من مستخدمي تويتر.
ولا يَتوقّف التأثير السلبي لهذه الإعلانات على تشويش الرسالة الإعلامية والاتصالية المقدّمة وإرباك المستخدمين، وإنما يمتد إلى الإضرار صحياً بأفراد الجمهور، حيث تروّج هذه الإعلانات لمنتجاتٍ تحمل شعارات لشركات غامضة، وتسوّقها بالادعاءات الطبية المضلّلة، دون خضوع هذه المنتجات لاختبارات طبية دقيقة، ومن جهات متخصصة وموثوقة.
ونظراً لخطورة هذه المنتجات وتداعياتها الصحية، كان من المهمّ دراسة إعلاناتها وأشكالها ومصادرها، وكيفية الترويج لها في هاشتاقات تويتر، وأهمّ المنتجات المقدَّمة، والشركات المنتِجة.
موضوع الدراسة:
أجرى مركز القرار للدراسات الإعلامية دراسةً تحليلية للإعلانات الجنسية وإعلانات التخسيس، وقام بالتنقيب عن البيانات المرتبطة بها، للوصول إلى مصادرها الحقيقية، وشبكة العلاقات بين هذه المصادر، والحسابات المعبّرة عنها، وأمكن الوصول إلى (2907) تغريدات، خلال الفترة 15 – 23 يناير 2020م، وبلغ عدد المغرّدين (1569) مغرداً.
كما قام المركز بتحليل محتوى هذه التغريدات، للكشف عن طبيعة المنتجات، وكيفية تسويقها وترويجها عبر تويتر، وأهمّ الأدوات التفاعلية المستخدمة لهذا الغرض، وكذلك تتبّع الحسابات التي قامت بالتغريد في هذه الإعلانات وكشف هوياتها الحقيقية.
أولاً: سِمات النشاط الشبكي
أظهر تحليل محتوى الإعلانات الجنسية والتخسيس غلبةَ نشاط إعادة التغريد، ليحتلّ صدارة السلوكيات الشبكية بنسبة 58%، تلاه التغريد بنسبة 36%، وأخيراً الردود أو التعليقات بنسبة 6%.
ويُلاحظ من هذه النتائج أن مصادر الإعلانات تعمد إلى التغريد بها عبر الهاشتاقات المتداولة على منصة تويتر، وبعد ذلك تلجأ – عبر مجموعة كبيرة من الحسابات – إلى تكثيف إعادة التغريد لتوسيع دوائر التعرّض الجماهيري لهذه الإعلانات، ولهذا تفوّق نشاط إعادة التغريد كمياً على نشاط التغريد الأصلي، إلى جانب التغريد بالإعلانات عبر التعليقات والردود على الحسابات المؤثرة، لإتاحة مدى أكبر للوصول الجماهيري.
وقد أظهر تحليل محتوى التغريدات اعتماد هذه الحسابات على ترويج منتجاتها من خلال الاستعانة بالروابط المتشعّبة، والتي تُحيل المستخدم إلى مجموعة من المصادر الأخرى، فقد استعانت التغريدات موضع التحليل بالروابط المتشعبة بنسبة 35%، مقابل 65% منها لم تَسْتَعِن بتلك الروابط.
وبالكشف عن طبيعة المصادر التي تُحيل إليها هذه الروابط، اتضح أنها روابط داخلية لتغريدات على منصة تويتر بنسبة 96%، إلى جانب مجموعة من الروابط المتشعبة التي تحيل إلى مصادر خارجية، تمثلت في روابط لمجموعات واتساب خاصة بترويج هذه المنتجات بنسبة 1.3%، ومجموعة من المواقع الإلكترونية والمدوّنات الخاصة ببيع منتجات التخسيس والأدوات الجنسية، وقد كانت نسب ورودها ضعيفة للغاية ولا تتعدى 0.8%، ولوحظ أن بعض هذه الروابط غير فعّالة، وتُحيل إلى مواقع يتعذّر فتحها وتصفّحها.
وبالكشف عن طبيعة الهاشتاقات التي تَتخلّلها التغريدات الجنسية، أظهرت نتائج الدراسة تنوّعها بين هاشتاقات رياضية واجتماعية وسياسية وطبية، إلى جانب مجموعة كبيرة من الهاشتاقات التافهة، وخاصة تلك المتعلقة بالعلاقات العاطفية والجنسية، و(السوالف) غير الهادفة.
ثانياً: المنتجات المُروَّجة
تزايدت وتيرة الإعلانات المقدّمة على منصة تويتر، والتي تروّج للمنتجات، من خلال شبكة من الحسابات الوهمية عبر الهاشتاقات المتداولة يومياً. وقد انقسمت هذه المنتجات لعدة أنواع، هي:
النوع الأول: المنتجات الجنسية، واحتلت صدارةَ ما يُروَّج في التغريدات بنسبة 87%، وتستهدف هذه المنتجات الرجال والنساء في نفس الوقت، وهي عبارة عن كبسولات وحبوب وكريمات، يَزعم مُروِّجوها أنها تقوّي القدرة الجنسية.
النوع الثاني: الأدوات الجنسية، وحَلّت في المرتبة الثانية بنسبة 5%، وهي عبارة عن مستحضرات تجميل ودمى جنسية، ومنتجات خاصة بالمسّاج.
النوع الثالث: منتجات الطاقة، واحتلت نسبةً ضئيلة بلغت 3.5%، وتضمّنت منتجات العسل الحيوي الذي يزيد القدرة والطاقة لدى الرجال والنساء، ويُحفّز امتصاص المواد الغذائية، ويعزّز عملية الأيض لبناء الأنسجة الحيوية في الجسم، ويُعالج ضعف الجسم وضعف بنية العظام والعضلات.
النوع الرابع: منتجات التخسيس، وحَلّت بنسبة 3%، وهي حبوب وكبسولات وسوائل تقلّل الشهية وتمنح إحساساً بالامتلاء، بزعم أنها تنقص الوزن، من خلال تنظيف الجهاز الهضمي من كافة السموم والكيمياويات، وتمنع تحوّل الكربوهيدرات إلى دهون، وتحرق السكر في الدم.
النوع الخامس: إعلانات السحر والشعوذة، وجاءت في المركز الأخير بنسبة ضئيلة بلغت 1.5%، وتروّج لأعمال السحر والشعوذة خاصة في العلاقات الجنسية، والعاطفية، والأسرية.
وتحمل هذه المنتجات شعارات لمجموعة من الشركات الغامضة في مجموعة من الدول الأجنبية، يقع بعضها في أوكرانيا وتايوان والصين وماليزيا، إلى جانب أن غالبية هذه الشركات ليس لها موقع رسمي ولا عنوان على خرائط جوجل.
ثالثاً: الحسابات الإعلانية
أظهرت الدراسة من خلال مسح التغريدات الإعلانية الخاصة بهذه المنتجات، أن معظم الحسابات التي تقوم بنشرها على تويتر وفي الهاشتاقات المتداولة، هي حسابات مشبوهة وغامضة، ويَقتصر محتواها على الإعلان لهذه المنتجات.
وتستخدم هذه الحسابات أسماء أطباء وهمية، أو أسماء أخصائيي تغذية علاجية وهمية وليست معروفة، أو أسماء أنثوية وهمية تَنتَسِب لقبائل معروفة في السعودية وشبه الجزيرة العربية، ويتمّ تغيير هذه الأسماء بصفة يومية، لتضليل مستخدمي تويتر.
فقد كشف المَسحُ الكمّي والكيفي للحسابات المغردة، عدم وجود مواقع جغرافية لغالبية هذه الحسابات بنسبة 63%، مقابل نسبة أظهرت موقعَها الجغرافي على حساباتها بنسبة 37% من دول عربية وأجنبية.
وبِتَتبُّع مُعرِّفات هذه الحسابات، لوحظ أن بعضها يَستعين بأسماء مستعارة لا تدلّ على شخص حقيقي، وجاء ذلك بنسبة 15%، كما تَعمّدت أغلبية هذه الحسابات تقديمَ شخصيات مجهولة لا تدلّ على صاحبها، إذ أرفقت 6% فقط من هذه الحسابات معلوماتِ تَواصل خاصة بها.
وبالنسبة للهويّات الحقيقية لهذه الحسابات، فقد كشف أسلوبُ التغريد الخاص بها عن طبيعتها المحتملة، إذ اعتمدت على أسلوب الترويج المكثّف المتكرّر داخل نفس الهاشتاق، وفي أكبر عدد من الهاشتاقات المتداولة، ولوحظ أن بعض الحسابات تقوم بنشر أكثر من إعلان بالدقيقة الواحدة، وتنشر مجموعة كبيرة من الإعلانات عبر هاشتاقات كثيرة في نفس الوقت، ما يكشف أن أغلبية هذه الحسابات هي عبارة عن تطبيقات “روبوت” أو “بوت”.
تطبيقات “بوت – Bot“
“بوت” هو تطبيق برمجي يقوم بتشغيل المهامّ الآلية (البرامج النصية) عبر الإنترنت، وعادةً ما تؤدي برامج الروبوتات مهامّ بسيطة ومتكرّرة هيكلياً، وذلك بمعدّل أعلى بكثير مما يمكن أن يقدّمه الإنسانُ وحدَه.
وبوت تويتر هو نوع من برامج الروبوت التي تتحكم في حسابات مستخدمي تويتر، فقد يقوم البوت تلقائياً بتنفيذ سلوكيات اتصالية، مثل إعادة التغريد أو الإعجاب أو المتابعة أو إلغاء المتابعة أو توجيه الرسائل.
ووفق دراسة أجريت في جامعة نيويورك عام 2019م، لكشف استخدام التغريد من خلال البوت في الاتصالات السياسية الروسية، خلال العامين 2014 – 2018م، أثبتت الدراسة أن حسابات البوت تشكل نسبةً كبيرة من مجال تويتر السياسي الروسي، وتستخدمها الحكومة بالإضافة إلى بعض أحزاب المعارضة، كما اتضح أن نشاط حسابات البوت عبر مجموعة البيانات، يَستهدف بشكل أساسي تضخيمَ الرسائل السياسية، عبر نصوص وأنماط متكررة.
وتشمل وظائف البوت في حالة المنتجات الجنسية، التحايلَ على مُعدَّل واجهة برمجة التطبيقات، حيث يقوم هذا التطبيق بنشر إعلانات المنتجات الجنسية بعدد معيّن يحدّده الشخص من خلال التطبيق المُبَرمَج، وكذلك يمكن اختيار عدد من الهاشتاقات لنشر الإعلانات أو تحديدها جميعاً لنشر الإعلانات فيها.
وبتتبّع الحسابات التي تنشر إعلانات المنتجات الجنسية ومنتجات التخسيس والطاقة، لاحظت الدراسة أن هذه الحسابات انضمّت لتويتر حديثاً، وتحديداً ما بين عامي 2018 – 2019م، وهي عبارة عن شبكة حسابات مرتبطة ببعضها، وتتم إدارتها من خلال حساب واحد، وغالباً ما يُدير حسابٌ واحد مجموعةً من الحسابات يَتراوح عددُها ما بين 7 – 11 حساباً، وتكون مضافةً لدى هذا الحساب في قائمة المتابعين، يَتحكّم بها ويَنشر الإعلانات خلالها عبر نشاطي الإشارة “منشن” أو إعادة التغريد، وغالباً ما تَظهر وتختفي في نفس الوقت.
ثالثاً: المحتوى والوسائط
أظهر تحليل محتوى التغريدات الإعلانية المروِّجة للمنتجات الجنسية ومنتجات الطاقة والتخسيس، اعتمادَها على اللغة العربية في التغريد، وإن كانت نسبةٌ ضئيلة من هذه التغريدات تُمثّل 2% نُشِرَت باللغة الفارسية.
أما عن طبيعة ومستوى اللغة المستخدمة، فقد اعتمدت التغريدات على استخدام الكلمات الجنسية المباشرة، أو التي لها إيحاءات جنسية غير مباشرة، كما لجأت إلى استخدام الصور الجنسية الخادشة للحياء العام، والتي يمكن أن تُلحِقَ ضرراً بالمراهقين والأطفال، خاصة أنها قد تَتخلّل الهاشتاقات الجادة، والتي لا يتفق محتواها مع طبيعة هذه المنتجات، ومن ثم يكون الأطفال والمراهقون والسيّدات، عُرضةً لمشاهدتها والتعرّض للحرج أو الإيذاء النفسي والجسدي.
خاتمة..
كشفت نتائجُ هذه الدراسة وجودَ حصار إعلاني على منصة تويتر، يَستهدف دولَ الخليج بشكل عام، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، حيث تعتمد بعض الشركات المشبوهة على ترويج منتجاتها عبر مجموعة من التطبيقات البرمجية، والتي تمتلك مجموعة حسابات إعلانية مهمّتها التغريد بالإعلانات في الهاشتاقات المتداولة يومياً، من خلال استخدام الكلمات والصور والإيحاءات الجنسية.
ما سبق.. يَتطلّب جهداً مكثفاً من مؤسسات الدولة المعنية بالرقابة على محتوى منصة تويتر، والمنتجات الطبية الضارة بصحة الإنسان، إلى جانب مراعاة الجوانب الأخلاقية والنفسية للأطفال والمراهقين والشبان، وهو ما يَستوجب تكاتفَ مختلف أجهزة الدولة للتصدّي لهذه الحملات الممنهجة.
لتحليلات وبيانات أكثر الضغط على هذه الصورة