ترجمات

مؤشر الضغط الاجتماعي.. أداة للاستماع لمنصات التواصل

على مدى العقود الأخيرة تعاظم وصول واستهلاك وتأثير منصات التواصل الاجتماعي في حياة الأفراد، حيث وصلت وسائل التواصل منذ بدايتها في عام 1996 إلى أكثر من نصف سكان العالم (63.9%)، بجانب نمو حجم مستخدمي الشبكات الاجتماعية من 970 مليون مستخدم في عام 2010 إلى 5.41 مليار في يوليو 2025.

كما يتفاعل مستخدم وسائل التواصل الاجتماعي العادي مع ما بين 6 و7 منصات، فيما يقضي الشخص العادي ساعتين و21 دقيقة على وسائل التواصل الاجتماعي يوميًا. وكل هذا الوقت الذي يقضيه الناس يشكل تصوراتهم ويؤثر على مشاعرهم ويغذي القلق لديهم، ولكن لا يزال من الصعب قياس تأثيره على التوتر الاجتماعي.

وفي ظل هذا المشهد، ظهر علم الأوبئة المعلوماتية الحاسوبية، وهو مجال يدرس انتشار المعلومات في الفضاءات الرقمية بأحجام كبيرة وبدرجات عالية من عدم اليقين، ويعتمد هذا التخصص على الذكاء الاصطناعي والصحة العامة ومعالجة اللغة الطبيعية.

وقد كشف الدكتور هيركولاس كومبرينك المتخصص في علم الأوبئة المعلوماتية الحاسوبية خلال دراسة جديدة له -استعرضها موقع “ذا كونفرذيشن” الإخباري- عن مؤشر الضغط الاجتماعي، وهي أداة حاسوبية ابتكرها لقياس الضغط الاجتماعي في الوقت الفعلي، ويمكنها توفير تحذير مبكر حول مشاعر الأشخاص تجاه ما يشاهدونه عبر الإنترنت.

  • ما الضغط الاجتماعي؟

الضغط الاجتماعي هو التوتر الذي يشعر به الناس عندما تصبح بيئتهم الاجتماعية غير مستقرة، أو مرهقة أو متضاربة. يتجاوز هذا التوتر القلق الشخصي، ليعكس كيفية تفاعل المجتمعات جماعيًا مع قضايا مثل عدم المساواة، أو المعلومات المضللة، أو التغيير السريع.

في السياق المجتمعي، يصف الضغط الاجتماعي الضغط العاطفي المشترك الذي ينتشر عبر الشبكات، مُشكلًا المزاج العام، والتماسك، والسلوك. أما في سياق وباء المعلومات يصبح كل من التضليل وعدم اليقين المؤشر الرئيسي المُسبب للضغط الاجتماعي.

  • ما مؤشر الضغط الاجتماعي؟

يُعدّ هذا المؤشر من أدوات تتبع الضغط الخوارزمية القليلة المُصمّمة للعصر الرقمي، وتعتمد بياناته بشكل أساسي على مؤشرات النصوص وحجم البحث. ما يميز هذا المؤشر هو إمكانية تعديله ليناسب مختلف منصات التواصل الاجتماعي، مما يتيح التتبع الفوري للضغوط الاجتماعية لكل موضوع مثير للقلق.

قد يكون هذا الموضوع محادثة محددة، مثل اللقاحات أو الانتخابات العامة. لذلك، يمكن استخدام المؤشر لاستخلاص رؤى تحليلية، أو كوسيلة لتحليل البيانات بأثر رجعي، أو للمساعدة في توجيه السياسات من خلال تحديد حجم الضغوط الاجتماعية بمرور الوقت.

وعلى هذا النحو، لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي مجرد وسيلة للتواصل، بل أصبحت ساحة معركة للعواطف والمخاوف والضغوط المجتمعية، كما يتضح من تأثير المؤثرين المضللين ووجهات نظر وسائل التواصل الاجتماعي بشأن لقاحات “كوفيد-19″، حيث كان لدى هؤلاء المؤثرين احتمالية عالية لإرباك وتضليل متابعيهم على منصات التواصل.

كما يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة “غرفة صدى” تعزز الصور النمطية، مما يجعلها حاضنة مثالية لنشر المعلومات المضللة.

وفي هذا السياق، أظهرت الدراسة إمكانية دراسة “الغرف الصدى” إذا استُخدمت المؤشرات الصحيحة مثل مؤشرات حجم البحث، وتحليل المشاعر، ودرجات الاستقطاب، ودرجات الذاتية، ودرجة التقلب الاجتماعي، ودرجة التشكك، وأخيرًا، مؤشر الضغط الاجتماعي.

وقيمت الدراسة 150423 منشورًا فريدًا يتعلق بجائحة كوفيد-19 في جنوب إفريقيا عبر مجموعات مختلفة على منصة إكس. ووجدت أن غالبية المنشورات كانت تتعلق بإمكانية الحصول على الرعاية الصحية، وسوء إدارة الجائحة، والتردد في تلقي اللقاح.

ثم جرت مقارنة النتائج بحملة توزيع اللقاح، ولوحظ وجود اتجاه بين انخفاض المشاعر العامة وإقبال الناس على اللقاح. بمعنى آخر، عندما بدأ الناس يتحدثون بسلبية عن اللقاحات، تباطأ إقبال الناس على التطعيم وبرامجه.

كما تطلبت هذه الأرقام والرؤى بحثًا مكثفًا لتحديدها كميًا والتحقيق فيها نظرًا لسياقها وحجم البيانات المطلوب تحليلها لاستخلاص هذه الاستنتاجات. وعلى الرغم من ملاحظة انخفاض في إقبال الناس على اللقاح، تم البحث في الخطاب المتعلق بهذا الانخفاض.

لقد صممت الدراسة هذا المؤشر لقياس هذه الفوضى، فبدلاً من الاعتماد على تحليلات مجزأة ومواجهة صعوبة الجمع بين مصادر بيانات متنوعة وتحليلات مستقلة، يُبسط مؤشر الضغط الاجتماعي هذه العملية إلى رقم يسهل تتبعه.

إن استطلاعات الصحة النفسية التقليدية بطيئة للغاية، كما أن السمية الإلكترونية سريعة جدًا نظرًا لانتشار المعلومات المضللة بسرعة كبيرة يصعب تتبعها. وهذا يعني أنه عند ظهور وباء معلوماتي، يصبح قياس تأثيره على ما يفكر فيه الناس ويشعرون به أمرًا صعبًا للغاية، لكن هذا المؤشر يسد هذه الفجوة، مقدمًا نبضًا قابلًا للقياس لمعاناة الناس على الإنترنت.

  • كيفية عمل المؤشر

يعمل هذا النظام كمقياس حرارة رقمي لموضوع محدد على الإنترنت، مستخدمًا ما يقوله الناس على منصات التواصل الاجتماعي، ثم يدمج 3 مكونات:

  • تحليل المشاعر للكشف عن السلبية العاطفية الذاتية
  • الذاتية لقياس شدة الشخصية في التعبير
  • سلوك البحث عن المعلومات لتتبع المخاوف العامة

تُستخدم هذه المكونات في حساب النتيجة النهائية لمؤشر الضغط الاجتماعي.

تخيله كمزيج من الضغوط، حيث تزيد المشاعر السلبية من مستوى التأهب، ويزيد الرأي الشخصي من أهميته، وتعكس الزيادات المفاجئة في حركة البحث الحاجة الملحة للمجتمع.

ولهذا فإن انخفاض مؤشر الضغط الاجتماعي يعني هدوءًا في الأوضاع، أما ارتفاعه يعني توترًا رقميًا.

وقد حللت الدراسة ثلاث مجموعات بيانات من منصات التواصل الاجتماعي قيّمها الناس بناءً على ما يلي: مدى شعورهم بالتوتر، والسلبية، والقلق، والتفاعل، والمعلومات المضللة، وسلوك البحث عن المساعدة. ثم طبقنا مؤشر الضغط الاجتماعي على البيانات نفسها لمقارنة الإدراك البشري بالأنماط المستندة إلى البيانات.

  • أهمية وفائدة المؤشر

تخيل عالمًا تستطيع فيه الحكومات والأنظمة الصحية رصد الانهيارات المجتمعية قبل انتشارها. يوفر المؤشر ذلك بالضبط. بصفته نظام إنذار مبكر، يمكنه اكتشاف الهزات الرقمية قبل أن تتحول إلى “زلازل اجتماعية”، سواءً كانت ترددًا في تلقي اللقاح، أو طفرات في المعلومات المضللة، أو ذعرًا من تغييرات السياسات.

يوفر المؤشر المقياس المفقود، وهو التكلفة العاطفية للتواصل. إذا لم يُرصد الضغط الاجتماعي، يكتسب المؤثرون المضللون زخمًا ويمكن أن تنتشر المعلومات المضللة. ومن المخاوف الأخرى في حالة عدم إدارة الضغط الاجتماعي احتمالية حدوث اضطرابات اجتماعية وأزمات عامة.

لذلك، يُعد تتبع الضغط الاجتماعي والاستجابة له أمرًا بالغ الأهمية للحوكمة الرقمية، والاستجابة للأزمات، ومراقبة الصحة النفسية، وتصميم المنصات. ولا يكتفي المؤشر بالمراقبة، بل يقدم إنذارات أيضًا.

  • عيوب المؤشر

يفترض المؤشر إعطاء وزن متساو للمشاعر والذاتية والفضول، مما يُضعف الإشارات المُلحة. على سبيل المثال، خلال موجة انتشار المعلومات المضللة حول اللقاحات، قد ترتفع المنشورات التي تُعبر عن الخوف أو الغضب (المشاعر) بشكل حاد، بينما تزداد عمليات البحث المتعلقة بالفضول بشكل طفيف فقط. إن إعطاء كلا الوزنين بالتساوي قد يُقلل من تقدير مستوى الضيق العام.

بالإضافة إلى ذلك، يُواجه المؤشر صعوبة في التعامل مع السخرية والتصيد أي ما يسمى “الكراهية المُشفرة”، وهي أمور يكتشفها البشر فورًا.

كما يعتمد أيضًا على التحقق الاصطناعي (وليس الفوضى في العالم الحقيقي)، مما يعني أن فائدته في الوقت الفعلي قد تتعثر عند اختباره في مواجهة الواقع المُضطرب. لذلك يتطلب الأمر إجراء مزيد من البحث في هذا المجال لجعل المؤشر أكثر دقة.

زر الذهاب إلى الأعلى