تقارير

هل يمكن الثقة في الأخبار المنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي؟

أحدث الذكاء الاصطناعي تحولًا سريعًا في عالم الصحافة، بعدما أصبح له حضور بارز في غرف صناعة الأخبار سواء بشكل مباشر من خلال أدوات تسهم في توفير بيانات وخلفيات معلوماتية لصياغة القصص الإخبارية أو ترجمة المحتوى، أو شكل غير مباشر عبر إعداد محتوى يواكب خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تتحكم في ظهور عبر محركات البحث ومنصات التواصل الاجتماعي.

وفي مؤشر على عمق تأثير تلك التقنيات ظهر نمط جديد من الصحافة تعرف بـ”صحافة الذكاء الاصطناعي- AI Journalism” التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل إنتاج المحتوى الإعلامي بشكل أسرع وتوظيف الذكاء الاصطناعي في إنتاج الأخبار والتقارير الصحفية البسيطة التي تعتمد على البيانات، والمساعدة في تحسين البحث عن المعلومات وتوصية المحتوى المناسب للقراء.

وفي المقابل، فلا يزال مدى استخدام الذكاء الاصطناعي في المقالات الصحفية المنشورة وجودته مسألة غير واضحة، لذا سعت دراسات مؤخرًا إلى تقديم مؤشرات حول تلك الأبعاد، وهو ما نستعرضه في التقرير التالي:

  • تحريف مساعدي الذكاء الاصطناعي لمحتوى الأخبار

يشير تقرير الأخبار الرقمية لعام 2025 الصادر عن معهد رويترز لدراسة الصحافة، إلى أن 7% من إجمالي مستهلكي الأخبار عبر الإنترنت يستخدمون مساعدي الذكاء الاصطناعي للحصول على الأخبار، وترتفع هذه النسبة إلى 15% لمن تقل أعمارهم عن 25 عامًا.

ويعكس هذا اعتماد شريحة من الأجيال الجديدة على تلك التقنيات في تصفح الأخبار والتزود بالمعلومات عن الأحداث الراهنة في مختلف المجالات، إلا أن هذا الاعتماد محفوف بكثير من المخاطر، فقد أظهرت دراسة دولية أجراها اتحاد الإذاعات الأوروبية وهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أن مساعدي الذكاء الاصطناعي يُشوهون محتوى الأخبار بشكل روتيني، بغض النظر عن اللغة أو المنطقة أو منصة الذكاء الاصطناعي التي يتم اختبارها.

واستندت تلك الدراسة إلى تقييم أكثر من 3 آلاف رد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي الرائدة مثل “شات جي بي تي-ChatGPT”، و”كوبايلوت-Copilot”، و”جيميناي-Gemini”، و”بربليكستي- Perplexity” على استفسارات إخبارية، وأظهرت النتائج أن 45% من جميع إجابات الذكاء الاصطناعي كانت بها مشكلة كبيرة واحدة على الأقل، وأظهرت 31% من الردود مشاكل خطيرة في المصادر – التضليل أو الإسناد غير الصحيح-، واحتوت 20% على مشاكل كبيرة في الدقة بما في ذلك تفاصيل وهمية ومعلومات قديمة.

وكان أداء “جيميناي- Gemini” الأسوأ مع وجود مشاكل كبيرة في 76% من الردود، أي أكثر من ضعف أداء مساعدي الذكاء الاصطناعي الآخرين عينة الدراسة.

  • غياب الشفافية بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى

من بين الإشكاليات التي رافقت التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة الأخبار وكتابة المحتوى، مسألة غياب الشفافية وعدم الإفصاح، فقد وجدت دراسة جديدة أجراها باحثون من جامعة ماريلاند الأمريكية أن أكثر من 9% من الأخبار في الصحف الأمريكية تحتوي على نصوص مكتوبة بواسطة الذكاء الاصطناعي، حيث دققت الدراسة مجموعة بيانات واسعة النطاق تضم 186 ألف مقال منشور خلال صيف العام الحالي 2025 عبر إصدارات إلكترونية لـ1500  صحيفة أمريكية.

واكتشف الباحثون من خلال استخدام “بانغرام- “Pangram، أداة متطورة للكشف عن استخدام  ذكاء اصطناعي، أن حوالي 9% من المقالات عينة الدراسة مُولّدة جزئيًا أو كليًا بواسطة الذكاء الاصطناعي.

كما وجدت الدراسة علاقة بين المجتمعات التي لا توجد بها صحيفة رئيسية واسعة الانتشار وزيادة وتيرة استخدام النصوص المكتوبة بواسطة الذكاء الاصطناعي في المقالات الإخبارية، بينما كان استخدام الذكاء الاصطناعي على صفحات الأخبار في الصحف اليومية الرئيسية محدودًا للغاية لكن المثير للقلق أنه في معظم الحالات، لم يُكشف للقراء عن استخدام الذكاء الاصطناعي.

كما وجدت الدراسة أن المحتوى المكتوب بواسطة الذكاء الاصطناعي لم يقتصر على التغطية الإخبارية حيث ظهرت نصوص مُدمجة بالذكاء الاصطناعي على صفحات الرأي في ثلاث صحف رئيسية كبرى: نيويورك تايمز، وول ستريت جورنال، وواشنطن بوست. ورغم أن استخدام الذكاء الاصطناعي في هذه الصفحات كان ضئيلًا، بنسبة 4.5% فقط إجمالاً، فإنه كان أكثر شيوعًا بشكل ملحوظ من استخدامه على صفحات الأخبار في الصحف الثلاث (0.7%).

وقد رصدت الدراسة أن 219 مقال رأي في الصحف الثلاث يتضمن محتوى بالذكاء الاصطناعي، وكانت معظم هذه المقالات لكتاب مساهمين، على عكس كتاب الأعمدة المنتظمين.

  • كيفية التغلب على تحديات وإشكاليات صحافة الذكاء الاصطناعي

وفي ضوء إشكاليات توظيف الذكاء الاصطناعي في الصحافة، اقترح مركز الأخبار والتكنولوجيا والابتكار (مركز بحثي مستقل في واشنطن) عددًا من التوصيات كالتالي:

  • تشريعات واضحة: يتعين على التشريعات تقديم تعريفات واضحة ومتسقة لفئات الذكاء الاصطناعي، ومعالجة تداعيات المحتوى المُولّد بواسطة الذكاء الاصطناعي على حقوق النشر والحريات المدنية، وتوفير المساءلة عن الانتهاكات.
  • فهم الجمهور: بينما تُطبّق غرف الأخبار الذكاء الاصطناعي، عليها أن تتذكر أنه على الرغم من أهمية الإفصاح عن استخدامها للذكاء الاصطناعي، فإن الشفافية وحدها لا تكفي، حيث يفتقر الجمهور إلى حد كبير إلى فهم دقيق للممارسات الصحفية، ويحتاج إلى هذا السياق لفهم الذكاء الاصطناعي ومعلومات حول عمل الصحفيين.
  • الحوكمة: بدون توجيهات سياسية، ستظل قرارات شركات التكنولوجيا هي التي تُملي كيفية تطوير الذكاء الاصطناعي وتنفيذه واستخدامه. وفي المرحلة اللاحقة، سيكون الناشرون مسؤولين أيضًا عن وضع إرشادات ومعايير أخلاقية بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي، لذلك التعاون المستقبلي بين صناع السياسات والناشرين ومطوري التكنولوجيا وغيرهم من أصحاب المصلحة أمر بالغ الأهمية لإيجاد التوازن الصحيح ودعم الوصول العام إلى المعلومات.

وختامًا، يمكن القول إن تأثير الذكاء الاصطناعي هائل وواسع الانتشار على المشهد الصحفي الذي يتغير بسرعة، فهناك بالفعل آثار واضحة على التقارير الإخبارية وتوزيعها واستهلاكها. ويتطلب هذا الوضع موازنة دقيقة لاستغلال المزايا والحد من الأضرار، فاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي المُولِّد في الصحافة وغرف الأخبار، يحقق فوائد للإنتاجية والابتكار وفي الوقت نفسه يثير مخاطر تتمثل في عدم الدقة، ومشاكل أخلاقية، وتقويض ثقة الجمهور.

زر الذهاب إلى الأعلى