استعراض دراسات

دور البيئة الاتصالية للميتافيرس في صناعة المحتوى لدى المؤسسات الإعلامية السعودية

تعد صناعة المحتوى الإعلامي من أكثر المجالات تأثرًا بالتحولات متسارعة التي تقودها تقنيات حديثة مثل الواقع الافتراضي، والذكاء الاصطناعي، والواقع المعزز. ولم يعد المحتوى في ظل بيئة الميتافيرس، محصورًا في نص مكتوب أو صورة ثابتة، بل أصبح تجربة حسية متعددة الوسائط تصاغ ضمن بيئات افتراضية غنية بالتفاعل والمشاركة.

وقد شكل الميتافيرس نقلة نوعية في البيئة الاتصالية الحديثة، واستثمار إمكاناته يتطلب تحولًا في أدوات وأساليب الإعلاميين نحو محتوى أكثر تفاعلية وتخصيصًا.

وفي هذا الإطار، نشرت مجلة البحوث والدراسات الإعلامية في عددها الصادر في يونيو 2025، بعنوان “دور البيئة الاتصالية للميتافيرس في صناعة المحتوى لدى المؤسسات الإعلامية السعودية: دراسة استشرافية حسب رؤية خبراء الإعلام”، من إعداد جواهر سعد عبد العزيز اليمني باحثة الدكتوراه في الاتصال والإعلام الرقمي بجامعة الملك سعود، والتي سعت إلى استكشاف العلاقة بين تقنيات الميتافيرس وصناعة المحتوى في المؤسسات الإعلامية السعودية، من خلال استطلاع آراء الخبراء والمتخصصين حول الفرص والتحديات، والآفاق المستقبلية لهذا التكامل.

  • عينة الدراسة

اعتمدت الدراسة على عينة متاحة عمدية ممثلة لمجتمع الدراسة تتكون من 51 فردًا، شكل الذكور 80.4% مقابل 19.6% للإناث. وتوزعت العينة من حيث طبيعة العمل كالتالي: 45 خبيرا إعلاميا أكاديميا، و4 خبراء تقنيين في الذكاء الاصطناعي، إضافة لخبيرين إعلاميين ممارسين.

أما عن المؤهل العالمي، فجاء في الصدارة الحاصلون على الدكتوراه بعدد 34 فردا، يليهم الحاصلون على الماجستير 11 فردا، ثم الحاصلون على البكالوريوس وعددهم 5 أفراد، وأخيرًا فرد واحد حاصل على دبلوم عال.

  • نتائج الدراسة

أظهرت النتائج أن الغالبية العظمى من العينة ترى أن استخدام هذه التقنيات مهم بدرجة كبيرة، إذ بلغت نسبة من اعتبروه كذلك 60.8%، تلتها نسبة 27.5% ممن وصفوه بالمهم، و 11.8% اعتبروه مهما إلى حد ما، دون تسجيل أي نسبة في فئتي “غير مهم” أو “غير مهم إطلاقًا”. وتعكس هذه المؤشرات اتفاقًا عامًا على القيمة المضافة التي تتيحها هذه التقنيات لصناعة المحتوى، وهو ما يعد دلالة على وعي مهني متقدم يتماشى مع التغيرات التقنية التي تشهدها البيئة الإعلامية العالمية.

جاءت أعلى نسبة تأييد لفئة “بشكل كبير جداً” بنسبة 51%، تلتها “بشكل كبير” بنسبة 25.5%، ثم “إلى حد ما” بنسبة 15.7%، في حين حصلت فئتا “بشكل ضعيف” و”ليس لها أي قدرة” على نسبة متساوية بلغت 3.9% وتوضح هذه النتائج أن المؤسسات الإعلامية السعودية يُنظر إليها على أنها تمتلك قدرًا معتبرًا من الجاهزية في التفاعل مع هذه التقنيات، إلا أن تفاوت النسب يعكس وجود حاجة إلى مزيد من التطوير في الجوانب المؤسسية والمهارية لضمان تكامل وظيفي فعّال.

كما أظهر التحليل أن 56.9% من أفراد العينة يرون أن لهذه التقنيات دورا كبيرا جدا، و٣٥.٣% يرون أن لها دورا كبيرا، مقابل 7.8 % فقط وصفوه بأنه دور محدود مع غياب أي نسبة لخياري الضعف أو انعدام الدور. وتؤكد هذه المعطيات ثقة العينة العالية في القيمة العملية للميتافيرس والذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل آليات صناعة المحتوى وتوسيع آفاقه من حيث الشكل والمضمون، بما يتجاوز الأنماط التقليدية في العمل الإعلامي.

وأوضحت  النتائج أن أعلى المتوسطات الحسابية جاءت لعاملي توفير البنية التحتية الشبكات الاتصال” و”توفير البرمجيات والتقنيات المتقدمة، بمتوسط (4.61) لكل منهما، وهو ما يؤكد أولوية الجانب التقني لدى أفراد العينة باعتباره الشرط الأساسي لتفعيل بيئة الميتافيرس، وفي المرتبة الثانية جاء عامل تدريب الكوادر الإعلامية” بمتوسط (4.55)، ما يعكس وعيًا بدور العنصر البشري في إنجاح التحول الرقمي. أما عن المرتبة الثالثة، فجاء فيها عامل تهيئة السياسات الإعلامية” بمتوسط (٤.٤٩(، في حين جاء توفير الدعم المالي” في المرتبة الأخيرة بمتوسط (4.39)، مما يدل على تقليل نسبي لأهمية التحديات الاقتصادية مقارنة بالتقنية والتنظيمية.

أما عن أبرز السيناريوهات الاستشرافية،  فقد جاء في المرتبة الأولى السيناريو القائل بأن الميتافيرس سيسهم في صنع محتوى مولد ومدعم بالذكاء الاصطناعي”، بمتوسط (4.65) وهو ما يعكس رؤية إيجابية متقدمة تجاه التكامل بين الذكاء الاصطناعي وصناعة المحتوى.

واحتل المرتبة الثانية السيناريو الذي يشير إلى أن الميتافيرس سيؤدي إلى تقديم تجربة انغماس تفاعلية بمشاركة الحواس”، بمتوسط 4.47، وهو ما يعكس تقديرا لأبعاد التفاعل والواقع الممتد.

أما المرتبة الثالثة، فجاءت من نصيب السيناريو الذي يرى أن هذه البيئة ستعزز القدرة التنافسية للمؤسسات الإعلامية”، بمتوسط (4.45) في المقابل سجل سيناريو “إثبات الخصوصية والملكية عبر تقنية “NFTS” أدنى متوسط بلغ (4.20) مما يشير إلى أن التطبيقات القانونية والتشفيرية في هذا المجال ما زالت تحظى بأولوية متدنية لدى العينة مقارنة بالأبعاد الإبداعية والتفاعلية.

  • توصيات الدراسة

خرجت الدراسة بعدد من التوصيات العلمية والبحثية، وكذلك العلمية والتطبيقية، وذلك على النحو التالي:

أولاً: على المستوى العلمي والبحثي:

  • ضرورة إجراء دراسات تجريبية لواقع الميتافيرس ومقارنتها بالتجارب الدولية الرائدة في مجال الاتصال والإعلام.
  • إنشاء مراكز بحث داخل المؤسسات الإعلامية لأغراض مواكبة مسار مستجدات صنع المحتوى الرقمي في بيئة الميتافيرس الاتصالية.
  • العمل على إجراء دراسات نوعية على مؤسسات طبقت الميتافيرس والذكاء الاصطناعي والاستفادة من طرق تعاملهم مع التحديات والمخاوف التي تواجههم.

ثانيًا: على المستوى العلمي والتطبيقي:

  • رفع الوعي بالأهمية التي تمثلها البيئة الاتصالية لتقنية الميتافيرس وخاصة في المؤسسات الإعلامية السعودية وبدء التبني والتطبيق.
  • وضع قوانين وتشريعات تحمي حقوق المؤسسة إعلاميًا داخل بيئة الميتافيرس، مما يعمل على إرساء ضوابط الأمان والاستقرار الرقمي.
  • البدء بتدريب الكوادر الإعلامية في المؤسسات الإعلامية، على التعامل مع تقنيات الميتافيرس وإزالة الفجوات التكنولوجية.
  • ضرورة البدء بإنشاء البيئة الخاصة بهوية المؤسسة الإعلامية داخل عالم الميتافيرس لتكون بوابة التفاعل المباشر الثلاثي الأبعاد لاستقاء المعلومة الإعلامية بحضور رقمي حسي.

زر الذهاب إلى الأعلى