أصبحت صناعة الإعلام والاتصال اليوم من أهم ركائز الاقتصاد العالمي من حيث عدد وحجم رأس المال المستثمر والذي وصل إلى حد مئات البلايين من الدولارات. كما يعتبر الإعلان واحدا من أهم الأنشطة التسويقية للاقتصاد المعاصر، حيث يخدم عناصر متعددة؛ فهو يخدم المستهلك بتقديم معلومات بأنواع السلع والخدمات المتوفرة التي تشبع حاجاته ورغباته الاستهلاكية وتمكنه في نفس الوقت من المقارنة والمفاضلة بين ما تم الإعلان عنه من سلع وخدمات وأفكار ليختار المستهلك في النهاية ما يناسبه، لهذا فإن للإعلان دورًا أساسيًا في زيادة معدلات البيع والشراء والإنتاج وإقناع المستهلكين المحتملين لسلعة ما بالإقبال عليها والتي سوف يؤدي إلى زيادة النشاطات الاقتصادية بشكل عام.
أيضًا يعد الإعلان مصدرًا رئيسيًا للتمويل، تعتمد عليه المؤسسات الإعلامية بشكل كبير وبذلك يكون الإعلان محرك صناعة الإعلام في جميع دول العالم ومنها بالطبع العالم العربي.
وفي المملكة العربية السعودية، شهدت صناعة الإعلان نموًا مستمرًا مع تزايد الطلب على الإعلانات الإبداعية والفعالة لترويج المنتجات والخدمات. وتواكب الشركات الإعلانية السعودية التحول التقني وتستخدم الوسائط الرقمية والتقنيات المبتكرة مثل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى الجمهور المستهدف بشكل أكثر فاعلية وتفاعلية. بالإضافة إلى ذلك يعد الإعلان في السعودية أداة رئيسية لتعزيز العلامة التجارية وتسويق المنتجات والخدمات. وتستخدم الشركات الإعلانات لإيصال رسائلها بشكل فعال وزيادة وعي الجمهور حول منتجاتها.
وفي هذا الإطار، نشرت مجلة كلية الآداب بجامعة أسوان، في عددها الصادر في أكتوبر 2024 دراسة بعنوان “الإعلان وصناعة الإعلام السعودي: دراسة وصفية” من إعداد الأستاذ الدكتور سفران المقاطي، والتي نستعرض أبرز ما جاء فيها على النحو التالي:
- المناخ الملائم لازدهار الإعلان في السعودية
استعرضت الدراسة عوامل اقتصادية واجتماعية أسهمت في تشكيل المناخ الملائم للإعلان في المجتمع السعودي، وأهمها:
- قيام النظام الاقتصادي الحر في المجتمع السعودي بكل ما يعنيه من حرية اقتصادية كاملة ومن قيام القطاع الخاص بالجزء الأكبر من عمليات الإنتاج والتوزيع والخدمات في إطار حرية التعامل والمعاملات وتوفير الضمانات المناسبة التي تكفلها أنظمة الدولة.
- اتساع نطاق الأعمال وزيادة حجم النشاط الاقتصادي بزيادة عدد المشروعات المنفذة في مشاريع البنية التحتية في مجالات الصناعة والزراعة والتجارة والسياحة والترفيه والخدمات، وبالتالي ازدياد المنافسة الداخلية لصالح المستهلك السعودي.
- تشجيع رأس المال الأجنبي للاستثمار في المملكة الذي منح جميع المزايا التي أعطيت للصناعات الوطنية بشرط أن يركز أساسًا على الاستثمار في المشروعات الصناعية والزراعية ومشاريع نقل التقنية مما أدى إلى زيادة المنافسة ودعمها.
- الزيادة الكبيرة في السيولة النقدية المتداولة نتيجة لزيادة الإنفاق الحكومي وزيادة إنفاق الأفراد الاستهلاكي مما جعل المملكة من أكبر الأسواق الاستهلاكية في المنطقة العربية.
- تغير الأنماط الاستهلاكية في المجتمع السعودي نتيجة زيادة الدخل وارتفاع مستوى التعليم وزيادة الهجرة من الريف إلى المدن مع زيادة الاتصال بالعالم الخارجي.
- التوسع في توفير كافة الخدمات والتجهيزات الأساسية من مياه وكهرباء وهواتف وإسكان وموانئ وتعليم وصحة ومطارات وطرق لمواجهة متطلبات التنمية الشاملة.
وداخل هذا المناخ والظروف المواتية زاد الاهتمام بالإعلان والاقتناع بدوره وظهرت أجهزة الإعلان في المنشآت الوطنية، كما زادت وكالات العلاقات العامة والإعلان انتشارًا مما أسهم في زيادة الإنفاق على الإعلان وبالتالي تعاظم دوره في صناعة الإعلام في المملكة.
- أبرز نتائج الدراسة
توصلت الدراسة إلى نتائج من أبرزها تعزيز الوعي والتواصل بين الشركات والمستهلكين، فمن خلال استخدام أدوات الإعلان المبتكرة والرسائل الجذابة، يمكن للشركات بناء علاقات قوية مع الجمهور وزيادة وعيهم بالعلامة التجارية والمنتجات أو الخدمات المقدمة.
ويمكن أن يساهم الإعلان في تعزيز القضايا الاقتصادية الاجتماعية والثقافية المهمة، وكذلك تشكيل النقاشات العامة وتوجيهها فمثلا:
- تأثير الإعلان على الاقتصاد: يساهم قطاع الإعلان في النمو الاقتصادي وتعزيز الأعمال التجارية في المملكة العربية السعودية. ويعمل الإعلان على تعزيز المبيعات وزيادة الوعي بالعلامات التجارية المحلية والعالمية. كما يسهم قطاع الإعلان في خلق فرص عمل وتوفير الدخل للعديد من الأفراد.
- تواصل المجتمع والتوعية: يعمل قطاع الإعلان على تعزيز التواصل والتوعية في المجتمع السعودي، حيث يستخدم الإعلان لنشر الرسائل الاجتماعية المهمة مثل التوعية بالصحة والتعليم وحقوق الإنسان. كما يمكن أن يلعب الإعلان دورًا في تغيير السلوكيات والمواقف الاجتماعية إيجابيًا.
- تطور صناعة الإعلام: شهدت صناعة الإعلام في السعودية تطورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة. وقد تم تعزيز الاستثمار في وسائل الإعلام المختلفة مثل التلفزيون والإذاعة والصحافة المطبوعة والإعلام الرقمي. وهذا التطور يدعم التواصل الفعال ويعزز التنوع والتعددية في المشهد الإعلامي.
- تأثير الإعلان على الثقافة والقيم: يمكن أن يؤثر الإعلان في تشكيل الثقافة والقيم في المجتمع السعودي من خلال الرسائل والصور التي ينقلها الإعلان، ويمكن أن يتم تعزيز القيم الإيجابية وتشجيع التفكير النقدي وتعزيز التراث الثقافي.
- التحول الرقمي والابتكار: يشهد القطاع الإعلاني في السعودية تحولًا رقميًا ملحوظًا حيث يتم توظيف التكنولوجيا والوسائط الرقمية بشكل متزايد. وتمتلك المملكة العربية السعودية قاعدة عريضة من المستخدمين للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وهذا يوفر فرصًا للتسويق الرقمي والابتكار في صناعة الإعلان.
وختامًا، قدمت تلك الدراسة تصورًا للتأثيرات المتوقعة للإعلان من خلال القنوات الفضائية على صناعة الإعلام السعودي وقد انحصرت هذه التأثيرات في زيادة مصداقية القنوات إخباريًا والتقليل من الآثار السلبية لوكالات الأنباء الدولية وفتح مجالات بحثية جديدة أمام الباحثين في مجال الإعلام وانتعاش وكالات العلاقات العامة والإعلان، وتوسيع قاعدة الرأي، ودخول الفضائيات السعودية مجال الإنتاج الإعلامي، وإتاحة فرص العمل أمام خريجي أقسام الإعلام بالجامعات السعودية، وسيطرة المعلنين النسبية على محتوى برامج القنوات الفضائية العربية، واحتمال التوصل إلى دستور يلتزم به المعنيون بالإعلان عبر الفضائيات العربية.