تقارير

“دافوس الصحراء” في السعودية يضبط بوصلة الاستثمار العالمية

 

تحت شعار “أفق لا متناه.. الاستثمار اليوم لصياغة الغد”، انطلقت في العاصمة السعودية الرياض النسخة الثامنة من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار بمشاركة واسعة لرؤساء حكومات ووزراء وشخصيات بارزة في قطاع المال والأعمال والتكنولوجيا وبحضور نحو 5 آلاف ضيف من مختلف أنحاء العالم لهذا الحدث الاقتصادي البارز الذي يحفل جدول أعماله على مدار 3 أيام، بالفعاليات عبر 200 جلسة يشارك فيها 500 متحدث لمناقشة عدة قضايا أبرزها الاستقرار الاقتصادي والتنمية العادلة ومكافحة التغير المناخي، والذكاء الاصطناعي والابتكار والصحة والقضايا الجيوسياسية وكذلك دور إفريقيا في الاقتصاد العالمي، وتعزيز دور المرأة في المناصب القيادية.

  • ريادة سعودية في دبلوماسية المؤتمرات

تعد المؤتمرات الاقتصادية الدولية أحد أوجه دبلوماسية المؤتمرات، كما أنها تعكس محورية البعد الاقتصادي في التفاعلات الدولية سواء بين الحكومات أو الشركات فهي تفتح المجال أمام نقاشات مستفيضة لتطوير قنوات مختلفة للتعاون وتتيح فرصا استثمارية ضخمة.

ومن هذا المنطلق، أطلقت السعودية في عام 2017  مؤتمر “مبادرة مستقبل الاستثمار” الذي جاء أيضًا تماشيًا مع رؤية المملكة 2030، الهادفة إلى تنويع اقتصاد البلاد بعيدًا عن الاعتماد على النفط، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص، وتعزيز التنمية الاجتماعية. وقد تمكن المؤتمر الذي أطلق عليه إعلاميًا اسم “دافوس الصحراء” على مدار 7 سنوات من تسهيل صفقات بقيمة تزيد على 125 مليار دولار، بحسب محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي، ياسر الرميان.

وقد عمل المؤتمر أيضًا على تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع الابتكار وتطوير اقتصاد مستدام، عبر تقديم حلول مبتكرة للتحديات العالمية، فضلًا عن دعم رواد الأعمال والشركات الناشئة، الأمر الذي  يعكس الدور الريادي للسعودية اقتصاديًا واستثماريًا على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

 

  • النسخة الثامنة من مؤتمر مستقبل الاستثمار

جاء انعقاد النسخة الثامنة من مؤتمر مستقبل الاستثمار في توقيت بالغ الأهمية على صعيد التطورات السياسية والاقتصادية سواء في المنطقة والعالم، إذ يأتي بينما تشهد منطقة الشرق الأوسط  اضطرابا وتوترا كبيرين نتيجة الحرب الإسرائيلية على غزة والتي توسعت لتشمل لبنان، واضطرابا في حركة التجارة الدولية نتيجة هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، كما انطق المؤتمر بعد أيام من ضربة إسرائيلية استهدفت إيران، وانعقاد قمة مجموعة البريكس في قازان بروسيا وقبل أيام قليلة على الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في 5 نوفمبر المقبل التي تترقبها الاقتصادات والأسواق الدولية.

كما يشكل المؤتمر منصة لتناول قضايا هامة مثل أسعار الفائدة المنخفضة وتأثيرها على الأسواق، وأسعار النفط ومصادر الطاقة البديلة ومستجدات الذكاء الاصطناعي، كما أنه فرصة لإبرام العديد من الصفقات الاستثمارية والشراكات الاستراتيجية.

ومن اللافت أيضًا أن يشهد المؤتمر للمرة الأولى مشاركة شركات صينية ووفود من الدول الإفريقية، إذ تعد الصين الشريك التجاري الأكبر للمملكة، وقد انخرطت الشركات الصينية في تنفيذ مشاريع متنوعة بالمملكة في مجال الطاقة المتجددة.

أما عن المشاركة الإفريقية، فتواكب الاهتمام السعودي بالاستثمار في القارة السمراء بعد أن خصصت المملكة لإفريقيا أكثر من مليار دولار ضمن مبادرة خادم الحرمين الشريفين الإنمائية، فضلًا عن بدء القطاع الخاص السعودي في تنفيذ استثمارات بقيمة 5 مليارات دولار في إفريقيا، ضمن استثمارات إجمالية من المتوقع أن يضخها القطاع بقيمة 25 مليار دولار في القارة خلال السنوات العشر المقبلة.

  • بيئة جاذبة للاستثمار في المملكة

بذلت المملكة جهدًا كبيرًا لتعزيز بيئة الاستثمار من خلال ركيزتين أساسيتين هما التشريعات والأنظمة واللوائح لتسهيل عمل المستثمرين، وإطلاق مشروعات عملاقة تعتمد على التكنولوجيا والعلوم الرقمية تفتح آفاقًا واسعة للتعاون مثل مشروع نيوم، وذا لاين.

وتمكنت السعودية من تحقيق المرتبة السادسة عشرة من أصل 67 دولة هي الأكثر تنافسية في العالم بحسب تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية، الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD).

ونتيجة للجهود المبذولة لتحسين بيئة الاستثمار في المملكة، ارتفع حجم تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2023 ليصل إلى 96 مليار ريال سعودي متجاوزًا الرقم المستهدف البالغ 83 مليار ريال سعودي بنسبة 16%.

ووفقًا لبيانات الاستثمار الأجنبي المباشر، شكل إجمالي رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر لكل من قطاعات الصناعة التحويلية وتجارة الجملة والتجزئة والأنشطة المالية وأنشطة التأمين والنقل والتخزين نحو 70% من إجمالي رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة بنهاية العام الماضي.

كما بلغ عدد الشركات متعددة الجنسيات التي حصلت على تراخيص لإنشاء مقرات إقليمية لها في الرياض 540 شركة- بحسب وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح-،  وهو ما يتجاوز مستهدفات رؤية المملكة المتمثلة باستضافة 500 مقر إقليمي بحلول عام 2030.

وفي إطار الرغبة لجذب المزيد من الاستثمارات، أعلنت المملكة في أغسطس الماضي تحديث نظام الاستثمار، الذي يرتقب دخوله حيّز التنفيذ مطلع العام المقبل، إذ يشمل مزايا عديدة منها تعزيز حقوق المستثمرين من خلال المعاملة العادلة، وحماية الملكية الفكرية، والحرية في إدارة الاستثمارات، وتحويل الأموال بسلاسة، والشفافية والوضوح في الإجراءات، بما يتماشى مع الممارسات الرائدة ويسهم في خلق بيئة استثمار موثوقة.

كما يوفر نظام الاستثمار المحدث معاملة عادلة دون تمييز بين المستثمرين المحليين والأجانب، بينما يعمل على تسوية النزاعات بكفاءة بالتعاون مع المركز السعودي للتحكيم التجاري وغيره من الجهات.

وفي ضوء تلك التطورات، توقع صندوق النقد الدولي في تقريره حول آفاق النمو الاقتصادي العالمي، أن يسجل الاقتصاد السعودي نموًا بنسبة 4.6% في العام المقبل، مشيرًا إلى أنه ينمو بنسبة 1.5% في العام الحالي.

وتأسيسًا على ما سبق، تجسد النسخة الثامنة من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، قيادة المملكة العربية السعودية لعملية ضبط بوصلة الاستثمار العالمية تجاه المستقبل عبر التركيز على قطاع التكنولوجيا وفي القلب منه ملف الذكاء الاصطناعي وهو ملف يحظى باهتمام كبير لما سيرتبه من تداعيات على مستقبل العمل والوظائف وكذلك على صعيد الضوابط التي يجب أن يخضع لها استخدام تلك التقنيات.

زر الذهاب إلى الأعلى