تعد الرياضات الإلكترونية أحد القطاعات الجديدة الواعدة في الاقتصاد العالمي، إذ تشهد ازدهارًا عالميًا وتزداد شعبيتها لكونها وسيلة ترفيهية للأجيال الشابة، وصاحب ذلك رواج سوق ألعاب الفيديو في جميع أنحاء العالم وتنافسية عالية في هذا القطاع، حيث تقود دول مثل اليابان الطريق لتطوير الألعاب المبتكرة لا سيما مع تزايد الاعتماد على تقنيات متطورة مثل “الواقع المعزز- Augmented Reality” و”الواقع الافتراضي- Virtual Reality” التي توفر تجارب ألعاب غامرة.
وانطلاقًا من رؤية السعودية 2030، التي تستهدف تنويع اقتصاد المملكة وتولي اهتمامًا بتنمية القطاعات غير التقليدية ذات العائد الاقتصادي ومن بينها قطاع الترفيه، اتخذت القيادة الرشيدة، حفظها الله، خطوات مؤسسية وأطلقت استراتيجيات ومبادرات تجعل المملكة وجهة عالمية للألعاب والرياضات الإلكترونية.
- سوق الألعاب الإلكترونية العالمية
بحسب تقديرات موقع “statista” للإحصاءات العالمية، من المتوقع أن تصل سوق ألعاب الفيديو إلى إيرادات قدرها 282.3 مليار دولار أمريكي العام الحالي 2024، وتحقق نموا بمعدل سنوي قدره 8.7% بين عامي 2024 و2027، مما يؤدي إلى حجم سوق متوقع يبلغ 363.20 مليار دولار بحلول عام 2027.
ومن المتوقع أيضًا أن يصل عدد المستخدمين في سوق ألعاب الفيديو إلى مليار و472 مليون مستخدم خلال 3 سنوات، مع زيادة معدل انتشار المستخدمين من 16.9% العام الحالي إلى 18.5% في 2027. ومن بين جميع قطاعات السوق، تمتلك الإعلانات داخل اللعبة الحصة الأكبر بحجم سوق يبلغ 109.6 مليار دولار.
وقد استحوذت منطقة آسيا والمحيط الهادئ على حصة إيرادات تزيد على 54.14% من سوق الألعاب الإلكترونية العام الماضي 2023، كما حقق قطاع الهاتف المحمول حصة إيرادات تبلغ حوالي 42% واستحوذ القطاع غير المتصل بالإنترنت على حصة إيرادات تبلغ 65%، بحسب بيانات شركة ” precedence research” للبحوث والاستشارات.
- اهتمام المملكة بقطاع الألعاب الإلكترونية
اتخذ اهتمام السعودية بقطاع الرياضات والألعاب الإلكترونية العديد من المظاهر، إدراكًا لأهمية هذا القطاع الحيوية من الناحيتين الاقتصادية والترفيهية بالنظر إليه كصناعة مهمة، مما يجعله أحد المحاور التي يتم العمل من خلالها على تعزيز القوة الناعمة التي تتمتع بها المملكة، وهو ما يمكن تسليط الضوء عليه من خلال ما يلي:
- الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية: تم تأسيسه عام 2017 ليصبح الجهة المنظمة والمسؤولة عن تطوير قطاع ومجتمع الألعاب الإلكترونية في المملكة، ورعاية نخبة لاعبي الرياضات الإلكترونية السعوديين.
وقد نظم العديد من البطولات والفعاليات المحلية والدولية بأعلى المعايير، كما استقطب استثمارات قيمة من القطاع الخاص في المملكة، فضلًا عن العمل مع مطورين دوليين لتطوير صناعة الألعاب في السعودية، بجانب تأسيس علاقة طويلة الأمد مع الصناعة العالمية وتوطيدها.
- الاستراتيجية الوطنية للألعاب والرياضات الإلكترونية: تمثل التطور الأبرز على صعيد الاهتمام بهذا القطاع الواعد، في إطلاق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حفظه الله، الاستراتيجية الوطنية للألعاب والرياضات الإلكترونية عام 2022، والتي تعد استثمارًا متكاملًا لتطوير كامل سلسلة القيمة لقطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية، وتعزيز نمو الفرص الوظيفية الجديدة كما تجعل من المملكة مركزا عالميا للألعاب والرياضات الإلكترونية بحلول عام 2030.
وينبثق عن الاستراتيجية مبادرات تقوم بإطلاقها وإدارتها حوالي 20 جهة حكومية وخاصة، من إطلاق حاضنات أعمال واستضافة فعاليات كبرى للألعاب والرياضات الإلكترونية وتأسيس أكاديميات تعليمية وتطوير اللوائح التنظيمية المحفزة التي تضمن مواكبة وتيرة النمو المتسارعة في هذا القطاع، وتتوزع هذه المبادرات ضمن 8 محاور تركيز تشمل تطوير التقنية والأجهزة، وإنتاج الألعاب، والرياضات الإلكترونية، والخدمات الإضافية، ومحاور تمكينية أخرى تشمل البنية التحتية، واللوائح التنظيمية، والتعليم واستقطاب المواهب وكذلك التمويل والدعم المالي.
كما تضم الاستراتيجية ثلاثة أهداف رئيسة تتمثل في رفع جودة الحياة من خلال تحسين تجربة اللاعبين وتوفير فرص ترفيهية جديدة، وتحقيق أثر اقتصادي بالمساهمة في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 50 مليار ريال سعودي بشكل مباشر وغير مباشر، واستحداث فرص عمل جديدة تصل إلى أكثر من 39 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة بحلول عام 2030.
- الاستثمار في قطاع الرياضات الإلكترونية: استثمرت المملكة العربية السعودية 8 مليارات دولار في صناعة الألعاب، وذلك بشكل رئيسي من خلال شراء أسهم في شركات عالمية رائدة، حيث استحوذت مجموعة “Savvy Games Group” التابعة لصندوق الاستثمارات العامة على حصة كبيرة في “VSPO” الصينية، ومجموعة “Embracer” السويدية، وشركة “Scopely” ومقرها الولايات المتحدة.
وتمتلك “Savvy Games Group” التي تم إطلاقًا في يناير 2022 أيضا صندوقا ضخما بقيمة 38 مليار دولار للاستثمار في هذا القطاع، بحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
- احتضان السعودية للرياضات الإلكترونية
بادرت المملكة بإطلاق العديد من الفعاليات الخاصة بالرياضات الإلكترونية خلال الأعوام الأخيرة، ففي عام 2022 جاءت انطلاقة فعاليات “موسم الجيمرز”، كأكبر حدث للرياضات والألعاب الإلكترونية على مستوى العالم، وقد شهدت نسخته الثانية العام الماضي إقامة 15 بطولة بمجموع جوائز بلغ 45 مليون دولار حيث شاركت فيها أفضل الفرق العالمية.
كما نظمت السعودية أيضًا “مؤتمر الرياضة العالمية الجديدة”، والذي أعلن خلاله سمو ولي العهد، حفظه الله، عن تنظيم بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية في الرياض سنويًا، كما أنشئت “مؤسسة كأس العالم للرياضيات الإلكترونية”، لتتولى تنظيم البطولة، وتكون المحرّك الذي ينقل هذا القطاع إلى مرحلة جديدة من التعاون بين جميع الشركاء والجهات المعنية بمنظومة الألعاب والرياضات الإلكترونية، للاستفادة من إمكاناتها الحقيقية وتعزيز نموّ واستدامة القطاع.
وفي الثالث من يوليو الحالي، انطلقت منافسات “كأس العالم للرياضات الإلكترونية” في بوليفارد رياض سيتي والتي تستمر على مدى 8 أسابيع، بمشاركة أكثر من 2500 لاعب ولاعبة، يمثلون نخبة الفرق والأندية الدولية، وبجوائز مالية تعد الأغلى في تاريخ قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية، بإجمالي يتجاوز 60 مليون دولار.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن المملكة العربية السعودية تمضي بخطى واثقة نحو ريادة عالمية في قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية بفضل دعم ورؤية قيادتها الرشيدة التي وضعت أطرا مؤسسية للعمل، واستراتيجية واضحة للتحرك، واستثمارات ضخمة للتنفيذ، مما يعزز القوة الناعمة التي تتمتع بها المملكة على الساحة العالمية.