يُعد الإدمان من أعقد المشاكل التي يواجهها المراهقون بوجه عام، وفي ظل التقدم الكبير وثورة التكنولوجيا وتطورها، ظهرت المخدرات الرقمية، حيث استطاع الإنسان أن يصل لمعرفة نتائج تعاطي المخدرات التقليدية، وتفاعلاتها داخل الدماغ، فابتكر طريقة جديدة لتحريك التفاعلات الكيميائية التي تحركها المخدرات التقليدية، دون التعاطي الفعلي للمواد المخدرة.
ولذلك تعد ممارسة تعاطي المخدرات الرقمية من الممارسات المنحرفة الجديدة المرتبطة بالإنترنت، والتي انتشرت بين مجموعات كبيرة من شباب بعض المجتمعات الغربية إلى الحد الذي أصبحت معه مشكلة تهدد أمن الشباب وحياتهم.
ومع بداية ظهور هذه الآفة في عدد من المجتمعات العربية بفعل العولمة، فإن من الأهمية بمكان تشريح تلك المشكلة، ورسم مسارات للحركة من أجل مكافحتها قبل أن تتحول إلى ظاهرة في مجتمعاتنا، وهو ما سلطت عليه الضوء دراسة نشرتها مجلة الرسالة للدراسات الإعلامية بعنوان “المخدرات الرقمية… جريمة الإدمان الجديد في الفضاء السيبراني: قراءة في التأثيرات وأساليب المواجهة” من إعداد لامية طالة من كلية علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر، وهو ما نستعرضه على النحو التالي:
تُعد المخدرات الرقمية نوعًا جديدًا من المخدرات، يتجسد في شكل ملفات صوتية، تستهدف موجات الدماغ مباشرة، ويعتقد أن بداية ظهورها في مدينة أوكلاهوما بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث انتشر عبر وسائل الإعلام خبر بأن هناك عددًا من الطلاب ظهرت عليهم أعراض النشوة والسُّكْر، على الرغم من أنهم لم يتعاطوا المخدرات أو الكحوليات، وإنما استمعوا إلى نوع معين من الموسيقى بترددات صوتية خاصة.
ولذلك فإن “المخدرات الرقمية – Digital Drugs “، وبشكل أدق يُطلق عليها أيضًا “القرع على الأذنين – Binaural Beats“، وهي عبارة عن مجموعة من الأصوات أو النغمات التي يعتقد أنها قادرة على إحداث تغييرات دماغية، تعمل على تغييب الوعي أو تغييره على نحو مماثل لما تحدثه عملية تعاطي المواد المخدرة الواقعية.
ويُعد إدمان المخدرات الرقمية من المشكلات التي تؤثر بداية على الشخص نفسه، ثم يمتد خطرها من بعده على أسرته، ثم إلى المجتمع برُمّته، سواء من الناحية القانونية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية، حيث تشير التجارب العلمية والدراسات المكثفة إلى أن المخدرات الرقمية تسبب انخفاضًا في كفاءة الذاكرة، وتشنجات عصبية مع فقدان الوعي. وأصيب غالبية الذين خضعوا لتجربة المخدرات الرقمية بالاكتئاب، وتدهور في القدرات العقلية وخلل شديد في الجهاز السمعي.
أما خطورتها من الناحية الاجتماعية، فتتمثل في أنها أشد فتكًا من المخدرات التقليدية لعدة أسباب، منها سهولة الحصول عليها من شبكة الإنترنت، وانخفاض تكلفتها المادية ما يصعب على الآباء ملاحظتها، وأيضًا إمكانية الحصول عليها في أي سن حتى الأطفال، بجانب عدم وجود قوانين تمنع أو تُكافح هذا النوع من السموم السمعية الصوتية والفكرية.
ذكرت العديد من الأبحاث العلمية أن الأفراد الذين يتعرضون إلى عمليات القرع على الأذنين يكونون عُرضة للدخول في اضطرابات وأمراض نفسية عديدة، لعل أهمها الاكتئاب والقلق، وتدهور حاد في الحالات المزاجية والانفعالية، بمعنى أنهم يعانون من تحولات كبيرة ومتباينة وغير مُبرّرة في حالاتهم الانفعالية على مدار اليوم الواحد، وهذا يُلقي بتداعيات خطيرة وضارة على مختلف الجوانب وتفاعلاتهم مع الآخرين، وعلى الرغم من أن هناك تباينًا وعدم اتفاق مطلق على مجمل تأثيرات التعرض للمخدرات الرقمية، فإنه من المؤكد والمتفق عليه أنها تُمثّل شكلًا من أشكال الإدمان المعاصر، وتتضمن دخول المتعاطي في حالة غير طبيعية تُؤثر سلبًا على مختلف جوانب حياته الخاصة والعامة، وتتمثل أهم هذه الأضرار فيما يلي:
تُشير الدراسات التي أجريت حول ظاهرة الإدمان الرقمي، إلى أن الآباء والمعلمين ليس لديهم أساليب بناء الوعي لدى متعاطي المخدرات الرقمية، وهو الدور الذي يجب أن تلعبه الدولة بقطاعاتها المختلفة ووسائل الإعلام من خلال تكثيف العمل المشترك، والاهتمام بمكافحة هذا النوع الجديد من المخدرات، ولذلك يجب على الآباء مراقبة أبنائهم، وتجنب ترك الحواسب داخل غرفهم واستخدامها لساعات متأخرة من الليل، كما تتم الوقاية أيضًا من الناحية القانونية والتشريعية، بإصدار نصوص قانونية رادعة ضد مروجي هذا النوع منالمخدرات، وكذلك عن طريق عقد ندوات ولقاءات علمية ودينية بقصد التوعية، بالإضافة إلى وجوب محاربة المخدرات الرقمية تقنيًّا بحجب المواقع المروجة لها.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول بأن المخاطر السالف ذكرها تستوجب ضرورة التركيز على وضع استراتيجية متكاملة للتعامل مع ممارسات التعرض للمخدرات الرقمية، سواء كانت تُمثّل مشكلة في المجتمع أو لم تنتشر بعد.
ويُمكن رسم خطوط عامة لمقاربة استراتيجية بهدف مواجهة المخدرات الرقمية، تتمثل عناصرها في أهمية المراقبة الإلكترونية للمواقع التي تطرح هذه النوعية من المخدرات الرقمية أو حجبها بشكل نهائي، حيث تمثل خطورة لا بد من مكافحتها على المستوى المحلي لكل دولة، ومن ثَمّ العمل ضمن شبكة دولية للمكافحة، وأيضًا ضرورة العمل على سن قانون خاص بتجريم وتحريم التعامل في مثل هذه النوعيات من المخدرات الرقمية، وكذلك لا بد أن تعمل الدولة بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني بهدف تبني مبادرات لتوعية الشباب وتزويده بثقافة التواصل العقلاني بوسائل الاتصال الحديثة، فضلًا عن ضرورة اتباع مبادئ الاستخدام الآمن للإنترنت.