أصبحت محادثات فيينا بشأن إحياء الاتفاق النووي الإيراني ضحية جديدة للحرب في أوكرانيا بعد الإعلان عن توقفها لأجل غير مسمى في ضوء مطالب روسية جاءت في لحظات أخيرة حاسمة، بينما كانت تقارير إعلامية غربية تتحدث عن قرب التوصل لاتفاق لإعادة الولايات المتحدة وإيران إلى الامتثال لبنود الاتفاق النووي لعام 2015، ورفع مجموعة واسعة من العقوبات الأمريكية عن إيران، بما في ذلك العقوبات على صادرات النفط الخام والبتروكيماويات الإيرانية، مقابل قيود على نشاط طهران النووي.
ولكن الأسبوع الماضي، أصرت موسكو على تعهد واشنطن كتابةً بعدم فرض عقوبات على أي معاملات تجارية تتم بين روسيا وإيران بمجرد توقيع الاتفاق، إذ دعا وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف إلى ضمانات بأنه في حالة استعادة الاتفاق النووي فإن العقوبات الغربية على روسيا بشأن أوكرانيا لن تضر بأي شكل من الأشكال بحق موسكو في التجارة الحرة والكاملة، والتعاون الاقتصادي والاستثماري، والعسكري التقني مع طهران، وهو ما سمته روسيا بـ “الحقوق المتساوية” لكل أطراف الاتفاق النووي، الأمر الذي أثار توترًا بين إيران وروسيا، ودفع المسؤولين الإيرانيين للرد بأن المصالح الأجنبية لن تُملى عليهم.
- الحرب الروسية الأوكرانية تُشعل أجواء محادثات فيينا
امتدت شظايا الحرب الروسية الأوكرانية إلى نطاقات أبعد من أطراف هذا الصراع، واتخذت بُعدًا دوليًّا واضحًا من خلال سلسلة العقوبات الغربية على موسكو، وإزاء تصاعد وتيرة العقوبات لجأت روسيا إلى البحث في أوراق الضغط التي يمكنها استخدامها لإرباك الغرب، وهو ما حدث عبر طرح مطلب “الحقوق المتساوية” لكل أطراف الاتفاق النووي الإيراني، الأمر الذي قابلته واشنطن برفض قاطع، إذ شددت على أنها لا تعتزم تلبية طلب روسيا الذي قالت إنه لا علاقة له بالمحادثات الإيرانية، كما بدت إيران مصدومة من الموقف الروسي، حيث أفاد المسؤولون الإيرانيون لوسائل إعلام محلية بأنهم علموا فقط بطلب موسكو من التقارير الإخبارية. وانتقدت طهران بشكل علني المطالب الروسية الجديدة، على لسان وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان الذي أكد أن إيران “لن تسمح لأي عامل خارجي” بالتأثير على مصالحها الوطنية لرفع العقوبات.
وتبدو إيران حريصة على إنهاء المفاوضات سريعًا والتوقيع على الاتفاق، بالنظر إلى الإيرادات المحتملة التي يمكن أن تكسبها من تصدير النفط مع ارتفاع الأسعار الآن، وحاجتها إلى تخفيف العقوبات.
من جانبه، يرى الغرب أنه من الضروري التوصل إلى اتفاق بسرعة لأن قيمة إحياء الاتفاق النووي ستتآكل بشدة إذا تأخر واستمرت طهران في اكتساب الخبرة النووية.
- دوافع روسيا لربط الأزمة الأوكرانية بالمفاوضات الإيرانية
وقد جاء تحرك روسيا التي كانت وسيطًا رئيسيًّا في المحادثات المضنية بفيينا، بناءً على عدة دوافع، منها حرصها على إبقاء أسعار النفط مرتفعة، والحفاظ على اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية، ولذلك لا تريد رؤية إمدادات نفط إضافية تغمر الأسواق، وبالتالي يتضاءل الاعتماد على النفط الروسي، وهو سيناريو قد يحدث حال رفع العقوبات عن إيران، التي تتمتع بقدرة على ضخ مليوني برميل يوميًّا، وكانت قد ضخت هذا الحجم من الإنتاج في عام 2016، وهو العام الذي أعقب إبرام الاتفاق النووي لعام 2015.
ويشير كريم سادجادبور الخبير بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إلى أن روسيا قد لا تكون مهتمة الآن بالبقاء في اتفاق من شأنه أن يفيد الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين، لكنه قد يضر بالمصالح الروسية من خلال خفض أسعار النفط، فقدرة إيران على بيع نفطها في السوق المفتوحة مرة أخرى، قد تخفف من شح الإمدادات العالمية، وتخفض الأسعار بنسبة تصل إلى 10%.
وفي حين أن موافقة موسكو ليست ضرورية من الناحية القانونية. لكن الصين وإيران لا ترغبان في المُضي قُدمًا في الاتفاق دون موافقتها.
وفي هذا الصدد، يرى مراقبون أن دعم روسيا قد لا يكون ضروريًّا للتوصل إلى اتفاق، مشيرين إلى أن أهم دور لموسكو في تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة هو أن تكون مستوردًا للفائض من مخزون إيران من اليورانيوم المُخصّب، الذي سيتم نقله إلى روسيا عبر السفن واستبداله بواسطة اليورانيوم الطبيعي. ومع ذلك من الممكن العثور على مستورد آخر؛ مثل بنك وقود اليورانيوم منخفض التخصيب في كازاخستان.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هناك أدوارًا أخرى لروسيا فيما يخص برنامج إيران النووي، ولكنها ليست متطلبات أساسية لتنفيذ اتفاق عام 2015، بما في ذلك توفير الوقود لمفاعل بوشهر للطاقة، ومفاعل الأبحاث في طهران، ومساعدة إيران في تحويل موقع “فوردو” لإنتاج نظائر مستقرة.
وبحسب مسؤولين أوروبيين وأمريكيين كبار، فإنه حتى قبل مطلب روسيا، ظلت هناك ثلاث أو أربع قضايا عالقة بين إيران والولايات المتحدة تستلزم قرارات سياسية صعبة للطرفين فيما يتعلق بنطاق العقوبات المتبقية على إيران، من بينها مطالبة طهران برفع ميليشيا الحرس الثوري من قوائم الإرهاب.
بالإضافة لمفاوضات منفصلة وحساسة للغاية مع إيران بشأن عودة 4 أمريكيين محتجزين في طهران، إذ يستبعد المبعوث الأمريكي إلى إيران، روبرت مالي، تأمين الاتفاق النووي ما لم تُطلق طهران سراح المواطنين الأمريكيين.
وتأسيسًا على ما سبق، يُوضح تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الملف النووي الإيراني أن الجهود المبذولة للإبقاء على مسائل الأمن القومي المهمة في مسارات منفصلة، مثل عزل الحرب الروسية في أوكرانيا عن دور موسكو النشط والرائد في محاولة تأمين صفقة نووية مع إيران، تعكس محدودية في الرؤية الغربية، وسوء إدراك لما في يد موسكو من أوراق ضغط.