تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا قويًا في نشر “العدوى العاطفية- Emotional Contagion” أو عدوى المشاعر التي تحدث دون الاتصال الشخصي الفعلي، وهي نتيجة طبيعية لتأثر مستخدمي تلك المنصات بالمحتوى الذي يتعرضون إليه والذي يجعل العاطفة تتحكم فيهم وليس العقل، ومن أبرز الدلائل على ذلك أن مقاطع الفيديو على الإنترنت تتم مشاركتها على نطاق واسع أو “تصبح فيروسية” استنادًا إلى شدة الاستجابة العاطفية التي تثيرها، بغض النظر عما إذا كانت تلك الاستجابة العاطفية إيجابية أم سلبية.
ومن هذا المنطلق، يجب النظر في النتائج المحتملة للعدوى العاطفية السلبية أو الإيجابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتكون بوصلة تحكم استخدام الأفراد للمنصات الاجتماعية، وتساعد على تجنب المحتوى الذي يثير مشاعر وسلوكيات سلبية.
وسائل التواصل الاجتماعي والعدوى العاطفية
ازدادت شعبية مواقع التواصل الاجتماعي، مثل إنستجرام وفيسبوك وتويتر على مدار العقد الماضي، وواكب ذلك العديد من الدراسات التي تناولت التداعيات الإيجابية والسلبية لاستخدام تلك المواقع، وفي حين ركزت أغلبها على مسألة المقارنة الاجتماعية، لم يلق متغير آخر اهتمامًا بالقدر الكافي ألا وهو العدوى العاطفية.
ويقصد بظاهرة العدوى العاطفية أن مشاعر وسلوكيات شخص ما تؤدي مباشرة إلى إثارة مشاعر أو سلوكيات مماثلة لدى الآخرين، ويظهر ذلك في عالم وسائل التواصل الاجتماعي من خلال كيفية تأثير المحتوى على الحالات العاطفية والسلوكية لدى الأفراد. بمعنى آخر، قد يتم تمرير النغمة العاطفية أو الصياغة أو محتوى مشاركات الآخرين إلى باقي المستخدمين دون وعيهم.
وقد شبّه بعض الأكاديميين بين الأمراض المعدية والمشاعر التي انتشرت في الشبكات الاجتماعية على مدى فترة طويلة، وعادة لا يكون الأشخاص على دراية بالعدوى العاطفية. كما أن لتلك العدوى عواقب تتجاوز شعور الأشخاص لأنها تؤثر على طريقة تفكيرهم وتصرفهم، ويمكن أن تؤدي إلى حلقات تغذية مرتدة لمشاركة المشاعر عبر منصات التواصل الاجتماعي بمعنى أن الأشخاص يتحدثون أو يكتبون عن حدث ما كرد فعل لكيفية تحدث أو كتابة الآخرين (مصدر العدوى) عن الحدث ذاته.
وتتسارع “حلقات التغذية المرتدة العاطفية- The emotional feedback loop” و”العدوى العاطفية- Emotional Contagion” من خلال التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث تسهل تلك الوسائل التعبير عن المشاعر وإيصالها إلى الأشخاص خارج الدائرة الاجتماعية المباشرة، مما يؤدي إلى تشكيل مشاعر جماعية رقمية.
وتجدر الإشارة إلى أن “المعلومات العاطفية- emotional information” تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة أكبر من المعلومات التي لا تتعلق بالعواطف، فعلى سبيل المثال التغريدات التي تحتوي على الفرح والغضب يعاد تغريدها أكثر من غيرها. وعلاوة على ذلك، فإن وجود الكلمات العاطفية في الرسائل عبر المنصات الاجتماعية يزيد من انتشارها بشكل كبير.
مشاعر المستخدمين كمحرك لمنصات التواصل الاجتماعي
ووفقًا لمجلة “psychologytoday” الأمريكية المتخصصة في علم النفس، فإن العاطفة لها الكلمة الأولى والأخيرة في جميع سلوكياتنا، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالتفاعل مع الصور ومقاطع الفيديو والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، فمشاعر المستخدمين وليس الحقائق هي التي تحرك شبكات التواصل، كما أن الحالات العاطفية والسلوكيات ذات الصلة يمكن أن تنتشر بسرعة بين الأفراد دون وعيهم.
وحتى في ظل غياب التفاعلات وجهًا لوجه، فإن العدوى العاطفية ما زالت حية ومزدهرة في العصر الرقمي على المنصات الاجتماعية، وقد أفادت دراسة بحثية ضخمة مثيرة للجدل أجراها علماء الاجتماع في جامعة كورنيل وجامعة كاليفورنيا وسان فرانسيسكو بالتعاون مع شركة فيسبوك، بأن الحالات العاطفية يمكن أن تنتقل إلى الآخرين عبر العدوى العاطفية، مما يؤدي بالناس إلى تجربة نفس المشاعر دون وعيهم.
وقد تلاعبت تلك الدراسة بعدد المشاركات الإيجابية والسلبية التي شاهدها 689003 من مستخدمي فيسبوك في خلاصاتهم الإخبارية، ووجدت أنها أثرت على طبيعة محتوى منشوراتهم اللاحقة، وعندما أزال فيسبوك المنشورات الإيجابية من الخلاصة، كان المستخدمون أكثر عرضة لنشر مشاركات إيجابية أقل والمزيد من المشاركات السلبية، وعندما أزيلت المشاركات السلبية حدث العكس.
النظريات ذات الصلة بالعدوى العاطفية
يُنظر إلى العدوى العاطفية على نطاق واسع على أنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالاستثارة العاطفية، فكثير من الأدبيات حول العدوى العاطفية تستند بالفعل إلى نظرية الإثارة، حيث أوضحت العديد من الدراسات أنه يمكن تصنيف المشاعر وفقًا لمستوى المتعة (الإيجابية/السلبية) ومستوى الإثارة (الاسترخاء/التنشيط) التي يمر بها الأفراد.
وتشير مراجعة الأدبيات ذات الصلة إلى نظريات أخرى يمكن أن تدعم التأطير المفاهيمي للعدوى العاطفية، إذ تشير نظرية الإجهاد على سبيل المثال إلى أن مستوى التوتر لدى الفرد مرتبط بأنواع مماثلة من المشاعر مثل القلق. أما نظرية التدفق فتشير إلى حالات ذهنية مختلفة، مثل الملل واللامبالاة، والتي تختلف باختلاف مستوى مهارات الفرد فيما يتعلق بمواجهة التحديات.
وبالنسبة لنظرية التعلم الاجتماعي فتشير إلى أن الناس يتعلمون من تجاربهم المعرفية بعد تعرضهم لسلوك الآخرين، في حين تقضي نظرية التبادل الاجتماعي بأن الناس يعتمدون على تجارب الآخرين في اتخاذ قراراتهم. بالإضافة إلى ذلك تشير نظرية التقييم المعرفي إلى أن التجربة المعرفية اللاواعية تؤثر على المشاعر.
كيف تحدث العدوى العاطفية؟
وفقًا لموقع ” Healthline Media” الأمريكي المتخصص في الشؤون الصحية، فإن الخبراء الذين يدرسون العدوى العاطفية يعتقدون أنها تحدث بشكل عام عبر ثلاث مراحل وهي التقليد أو المحاكاة، وردود الفعل، والعدوى أو التجربة، وذلك على النحو التالي:
- “المحاكاة- Mimicry“: من أجل تقليد مشاعر شخص ما، عليك أولاً التعرف على المشاعر، فغالبًا ما تكون الإشارات العاطفية خفية، لذلك من المحتمل ألا تكون دائمًا على دراية بهذا الإدراك. وبشكل عام، يحدث التقليد من خلال لغة الجسد، فعلى سبيل المثال، قد يبدأ الفرد في نسخ وضعيات أو إيماءات أو تعابير الاشخاص الآخرين دون وعي، لذلك فالتقليد هو جانب أساسي من جوانب التفاعل الاجتماعي لكنه مجرد جزء واحد من عملية العدوى العاطفية.
- “ردود الفعل- Feedback “: من خلال تقليد الشخص مشاعر ما يبدأ في التجربة، وهنا يشير الدكتور موري جوزيف، الخبير الأمريكي المتخصص في علم النفس إلى أن هذا يمكن أن يحدث أيضًا مع تجارب عاطفية وحالات مزاجية أكثر عمقًا مثل الاكتئاب، إذ قد يعبر الشخص المصاب بالاكتئاب عن مشاعره من خلال لغة الجسد أو أنماط الكلام أو العبارات التي يستخدمها في تغريداته على مواقع التواصل، ويمكن أن يؤدي هذا إلى رد فعل عاطفي مماثل لدى الأشخاص الذين يكونون أكثر عرضة لهذه الإشارات.
- “العدوى-Contagion “: عادةً ما يثير تقليد المشاعر، تلك المشاعر بداخل الفرد، ومن ثم تصبح جزءًا من تجربته الخاصة، ليبدأ في التعبير عنها أو ربطها بالآخرين بنفس الطريقة، لتكتمل عملية العدوى وتتسع دائرتها.
المجتمع السعودي والعدوى الإيجابية على منصات التواصل الاجتماعي
يتسم المجتمع السعودي بأنه مجتمع نشط عبر منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما تؤكده الإحصاءات والتقديرات الدولية، فعلى سبيل المثال يشير تقرير الرقمية لعام 2021 الصادر عن مؤسسة “we are social” إلى تجاوز المتوسط العام لعدد الحسابات التي يمتلكها المستخدم الواحد على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة في المملكة 10 حسابات، كما يستهلك المستخدم السعودي في المتوسط 3 ساعات و6 دقائق يوميًا على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويعني ذلك ضمنيًا زيادة تعرض وإمكانية تفاعل وتأثر المستخدم السعودي بالمحتوى عبر تلك المنصات، ومن بين التأثيرات المحتملة هي العدوى العاطفية وهي ليست دائمًا أمرًا سلبيًا، فالعدوى قد تكون إيجابية بنشر السعادة والفرحة والتفاؤل وهو ما يظهر من خلال ما تعرضه الحسابات السعودية من مشروعات تنموية وقرارات وجهود وعمل متواصل ليل نهار من أجل تعزيز التنمية المستدامة، وتحسين جودة المعيشة والتيسير على المواطنين، كما يظهر أيضًا ذلك في حسابات الصحف ووسائل الإعلام المختلفة على منصات التواصل التي تضع المستخدمين دومًا في الصورة وتطلعهم على أحدث المستجدات ذات الصلة بمسار التنمية ومسيرة التحديث التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله.
ومن أجل الحفاظ على تلك الروح الإيجابية والنظرة التفاؤلية للمستقبل المستندة إلى منجزات ملموسة في الواقع، يجب تجنب التعرض لأصحاب النظرة التشاؤمية لأن أولئك يشكلون بؤرة لعدوى سلبية تصيب الهمم بالضعف والفتور، وهذا التجنب يعتمد على وجود استراتيجية واضحة ومعايير لدى المستخدم في اختيار الحساب الذي يقوم بتفعيل خاصية المتابعة له أو يتداول ما ينشره من محتوى.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن العدوى العاطفية تمثل أحد المظاهر المرتبطة باستخدام منصات التواصل الاجتماعي، وهي عملية ذات وجهين، فقد تكون إيجابية تعزز من مشاركة الفرد للمحتوى الذي يضفي التفاؤل والإيجابية ويحث على العمل والإنتاج والتطلع إلى المستقبل الأفضل، وقد تكون عدوى سلبية تدفع إلى سيطرة حالة من التشاؤم والكسل والإحباط، وهنا تلعب ثقافة المستخدمين والقدرة على الموازنة بين العقل والعاطفة دورًا حاسمًا في تجنب تلك العدوى السلبية.