تعد السياسة الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي أداة مهمة لأي مؤسسة أو شركة أو علامة تجارية حتى وإن كانت لا تمتلك حسابات على تلك المنصات، لأن موظفيها بالتأكيد لديهم حسابات، الأمر الذي يحتم عليها صياغة تلك السياسة، باعتبارها وثيقة مهمة تلعب بشكل غير مباشر دورًا مؤثرًا في رسم الصورة الذهنية عن المؤسسة لدى الجماهير، بجانب إمكانية تصحيح أي رؤى خاطئة أو مغلوطة.
وتُعنى هذه السياسة بوجه عام بجانبين أساسيين وهما الحسابات الخاصة بالشركة على مواقع التواصل، وتناول الموظفين نشاط الشركة أو منتجاتها أو خدماتها على حساباتهم الشخصية.
ومن هذا المنطلق، نستعرض في سياق هذا التقرير مفهوم سياسة التواصل الاجتماعي ووظائفها، والبنود الواجب أن تتضمنها، وخطوات صياغة سياسة التواصل الاجتماعي.
ما هي السياسة الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي؟
تعتبر سياسة وسائل التواصل الاجتماعي وثيقة رسمية للمؤسسة أو الشركة أو العلامة التجارية توفر إرشادات ومتطلبات لاستخدام المؤسسة للمنصات الاجتماعية، وهي تغطي الحسابات الرسمية للمؤسسة، بالإضافة إلى كيفية استخدام الموظفين لوسائل التواصل الاجتماعي على المستويين الشخصي والمهني.
وتنطبق هذه السياسة على الجميع بدءًا من الرئيس التنفيذي للشركة وحتى المتدربين، لذلك لا بد أن تكون سهلة الفهم، كما أنها تساعد في الحفاظ على “صوت العلامة التجارية – Brand Voice” (أسلوب المخاطبة بين العلامة التجارية أو الشركة بالجمهور عن طريق وسائل الإعلام المختلفة). وتتمثل أهم أسباب تطبيق سياسة وسائل التواصل الاجتماعي فيما يلي:
الحماية من التحديات القانونية والتنظيمية:
توفر سياسة وسائل التواصل الاجتماعي المصممة جيدًا حماية من التعارض مع القواعد واللوائح، التي يمكن أن تكون عواقب خرقها كبيرة، فعلى سبيل المثال أمرت شركة “MassMutual” للتأمين بمراجعة سياساتها الخاصة بمنصات التواصل، عقب تغريمها مبلغ 4 ملايين دولار، بعد أن ساعد أحد الموظفين في الشركة على تأجيج جنون تداول لعبة “GameStop” عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
تسهيل التنوع والشمول:
وضعت جامعة ولاية “كانساس” الأمريكية مؤخرًا سياسة خاصة بوسائل التواصل الاجتماعي للطلاب تهدف إلى تسهيل الإدماج والتنوع في الحرم الجامعي، وتحظر التسلط عبر الإنترنت والتعليقات أو السلوك الذي ينطوي على تمييز أو مضايقة أو انتقام.
منع الاختراقات الأمنية:
تساعد سياسة وسائل التواصل الاجتماعي جنبًا إلى جنب مع بروتوكولات الأمان على حماية حسابات المؤسسة من التصيد الاحتيالي والقرصنة وحسابات المحتالين.
منع أزمات العلاقات العامة:
يعتبر وجود إرشادات واضحة لتطبيق سياسة وسائل التواصل الاجتماعي أداة أساسية للحيلولة دون أن تصبح مصدر مواقع التواصل مصدرًا لأزمة في العلاقات العامة، فعلى سبيل المثال تسببت سياسات التواصل الاجتماعي غير الواضحة في أزمة لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية، عندما فصلت بشكل مفاجئ الصحفية الشابة إميلي وايلدر بسبب منشور انتقدت فيه التغطيات الإعلامية المنحازة لإسرائيل ضد الفلسطينيين.
الاستجابة بسرعة في حالة حدوث أزمة:
على الرغم من الجهود التي تبذلها الشركات يبقى سيناريو حدوث أزمة أمرًا واردًا، وفي بعض الأحيان تأتي الأزمة من جزء بالشركة لا علاقة له بوسائل التواصل الاجتماعي، لكن لا يزال يُتوقع معالجة ذلك عبر منصات التواصل، ولهذا فإن السياسة الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي تضمن وجود خطة استجابة للطوارئ.
إيضاح مسؤوليات الموظفين على وسائل التواصل الاجتماعي:
لا يمكن للشركة أن تفترض أن الموظفين سوف يقومون باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي على نحو صحيح، لذلك لا بد أن توضح على وجه التحديد مسؤوليات وضوابط الاستخدام.
فعلى سبيل المثال عوقب قاضٍ من ولاية تينيسي الأمريكية مؤخرًا لأنه أرسل رسائل غير لائقة إلى النساء من حسابات تواصل اجتماعي يظهر عليها وهو يرتدي زيه القضائي.
وجاء في نص قرار العقوبة أنه من المتوقع أن يحافظ القضاة على أعلى معايير السلوك والكرامة في المنصب القضائي في جميع الأوقات، لا يوجد استثناء لهذا المبدأ عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، مع التشديد على حظر استخدام صور لارتداء زي القضاء كصورة للملف الشخصي على أي منصة من منصات التواصل الاجتماعي.
تشجيع الموظفين على تضخيم رسالة الشركة أو العلامة التجارية:
تساعد السياسة الواضحة لوسائل التواصل الاجتماعي الموظفين على معرفة ما يمكنهم وما يجب عليهم مشاركته على وسائل التواصل الاجتماعي وما يجب الإقلاع عنه.
ما هي بنود سياسة وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالشركة أو المؤسسة؟
توجد مجموعة من البنود الواجب تضمينها في سياسة وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالشركة أو المؤسسة تتمثل فيما يلي:
تحديد الأدوار والمسؤوليات:
لا بد من تحديد من يدير كل حساب من حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بالمؤسسة، لذا من المفيد تضمين الأسماء وعناوين البريد الإلكتروني للقائمين على أداء تلك الأدوار الرئيسية، حتى يعرف الموظفون من الأقسام الأخرى بمن يتصلون حال وجود أي مشكلة تتعلق بهذا الإطار.
وتشمل المسؤوليات التي يجب تحديدها كلاً من عمليات النشر، وخدمة العملاء، والاستراتيجية والتخطيط، والدعاية، وحماية الحسابات وتأمين كلمات المرور، والمراقبة والاستماع. كما يجب أن يتضمن هذا القسم -على أقل تقدير- تحديد من يمكنه التحدث باسم الشركة على وسائل التواصل الاجتماعي ومن لا يستطيع ذلك.
بروتوكولات الأمان
هناك الكثير من المخاطر ذات الصلة بالأمن على وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك في هذا القسم توجد فرصة لتقديم إرشادات حول تحديد تلك المخاطر والتعامل معها.
وقد تشمل الموضوعات التي يجب تغطيتها ما يلي:
كم مرة يتم تغيير كلمات المرور الخاصة بالحساب؟
من الذي يحافظ على كلمة المرور ومن يستطيع الوصول إليها؟
ما هي الأجهزة التي يمكن استخدامها على شبكة المؤسسة؟
هل يمكن للموظفين استخدام حسابات التواصل الاجتماعي الشخصية على أجهزة الكمبيوتر المكتبية؟
إلى من يجب أن يتحدث الموظفون إذا كانوا يريدون التعبير عن مخاوفهم؟
خطة عمل للأزمات الأمنية أو العلاقات العامة
أحد أهداف سياسة وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالشركة أو المؤسسة هو تجنب الحاجة إلى خطة لإدارة أزمات وسائل التواصل الاجتماعي، لكن هذا لا ينفي ضرورة أن يكون لديها كل الأمرين. مع الوضع في الاعتبار ما إذا كان ينبغي أن تكون هاتان الوثيقتان منفصلتين خاصة إذا كانت سياسة وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالمؤسسة ستُنشر علنًا.
ويجب أن تتضمن خطة إدارة الأزمات الخاصة بالمؤسسة ما يلي:
قائمة جهات اتصال محدثة يتم اللجوء إليها في حالات الطوارئ مع تحديد مهام كل جهة، وتشمل تلك القائمة: الفريق المعني بوسائل التواصل الاجتماعي وخبراء قانونيين وخبراء في العلاقات العامة، وصولًا إلى صانعي القرار من المستوى الثالث.
إرشادات بشأن تحديد نطاق الأزمة.
خطة اتصال داخلية.
الإجراءات الخاصة بعملية الاستجابة تجاه الأزمة.
ويبقى التأكيد على أن الاستعداد المسبق يقلل من الوقت المستغرق للتعامل مع الأزمة ومن التوتر لدى القائمين بشكل مباشر على إدارة الأزمة.
الخطوط العريضة لكيفية الامتثال للقانون
تختلف التفاصيل المتعلقة بالامتثال للقانون من دولة إلى أخرى أو حتى من ولاية إلى أخرى داخل ذات الدولة، لذا لا بد من الاستعانة بالمستشار القانوني للمساعدة في صياغة بنود هذا القسم، لكن يجب أن تتطرق سياسة التواصل الاجتماعي على الأقل إلى ما يلي:
كيفية الامتثال لقانون حقوق النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة عند استخدام محتوى تابع لجهة خارجية.
كيفية التعامل مع معلومات العميل والبيانات الخاصة الأخرى.
القيود أو إخلاء المسؤولية المطلوبة للشهادات أو المطالبات التسويقية.
السرية فيما يتعلق بالمعلومات الداخلية للمؤسسة.
إرشادات بشأن الحسابات الشخصية للموظفين على وسائل التواصل الاجتماعي
بالطبع لا يمكن للمؤسسة أو العلامة التجارية أن تكون شديدة القسوة بشأن كيفية استخدام الموظفين لحساباتهم الاجتماعية الشخصية خاصة إذا لم تكن هناك طريقة لمتابعة حسابات هؤلاء الموظفين على منصات التواصل، لكن توجد بعض العناصر الشائع الاعتماد عليها في صياغة سياسة وسائل التواصل الاجتماعي المتعلقة بحسابات الموظفين:
إرشادات بشأن المحتوى الذي يظهر في مكان العمل.
وضع مبادئ توجيهية حول المحتوى الذي يظهر الموظفين بالزي الرسمي للعمل.
تحديد ما إذا كان من المقبول ذكر الشركة في السير الذاتية للملف الشخصي، فإذا كانت الإجابة بنعم، فالمطلوب هو إخلاء المسؤولية عن المحتوى الذي يمثل آراء شخصية وليس آراء الشركات.
اشتراط تعريف أنفسهم كموظفين عند مناقشة أمور تتعلق بالشركة أو المنافسين.
مبادئ توجيهية بشأن “مناصرة الموظفين- Employee advocacy“
يمكن أن يكون الموظفون المتحمسون لعملهم من أفضل المدافعين عن الشركة أو المؤسسة على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنهم قد لا يعرفون دائمًا بالضبط ما هو مناسب للقول ومتى، فعلى سبيل المثال تحرص الشركة على ألا ينشر موظف شيئًا حول منتج أو ميزة جديدة قبل إطلاقها.
ونستعرض فيما يلي بعض العناصر المهمة التي يجب تضمينها في هذا القسم من سياسة التواصل الاجتماعي:
- هل لدى الشركة مكتبة محتوى معتمدة؟ وكيف يمكن للموظفين الوصول إليها؟
- هل يُسمح للموظفين بالتفاعل مع الأشخاص الذين يذكرون العلامة التجارية على مواقع التواصل الاجتماعي؟
- كيف يجب أن يتعامل الموظفون مع التعليقات السلبية حول الشركة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن هي الجهة التي يجب عليهم إخطارها؟
كيفية صياغة سياسة التواصل الاجتماعي؟
يمكن للمؤسسات والشركات والعلامات التجارية تنفيذ سياسة التواصل الاجتماعي الخاصة بها من خلال ما يلي:
الاستعانة بنموذج لسياسات مواقع التواصل الاجتماعي
توجد نماذج متاحة بشكل مجاني مثل النموذج الذي توفره شركة “hootsuite” المتخصصة في وسائل التواصل الاجتماعي.
طلب” المدخلات – Inputs“ من أصحاب المصلحة
يمكن للشركة الحصول على بعض الأفكار الرائعة حول احتياجاتها من المستخدمين المتميزين لمنتج الشركة وكل من فرق التسويق والتواصل الاجتماعي وإدارة الموارد البشرية وإدارة الشؤون القانونية حيث تؤثر هذه السياسة عليهم جميعًا.
لكن هذا لا يعني أن الشركة بحاجة إلى ملاحظات من كل موظف، بل يتم الحصول على تلك الملاحظات من قادة فرق العمل والإدارات أو ممثلي روابط الموظفين الذين يمكنهم تمثيل مجموعات من الموظفين ونقل أفكارهم أو أسئلتهم أو مخاوفهم.
تحديد مكان نشر سياسة التواصل الاجتماعي
يوصي الخبراء بشدة بإضافة سياسة التواصل الاجتماعي إلى “دليل الموظف- Employee Hand Book ” حتى يتمكن الموظفون الجدد من الاطلاع عليها واستيعابها، ولكن يثار تساؤل فيما يخص قدامى الموظفين يتمثل في هل سيتم وضع وثيقة سياسة التواصل الاجتماعي على “شبكة الإنترانت- intranet” الخاصة بالشركة أم على مساحات “Drive” المشتركة (مساحات آمنة لمشاركة وتخزين الملفات)؟ وهنا يتوقف الأمر على احتياجات المؤسسة، فقد تفكر في نشرها على موقع الإنترنت الخاص بها.
إطلاق سياسة التواصل الاجتماعي
سواء كانت وثيقة التواصل الاجتماعي نسخة سابقة أو جديدة تمامًا، ستحتاج الشركة إلى التأكد من أن جميع الموظفين على دراية بها، وقد يتم الإعلان عن ذلك عبر البريد الإلكتروني الداخلي أو في اجتماع موسع للمؤسسة، ولا بد هنا من التأكد من ترك فرصة للأسئلة.
التحديث الدوري لسياسة التواصل الاجتماعي
تشهد وسائل التواصل الاجتماعي تغيرًا مستمرًا على صعيد الاستخدامات واختفاء منصات وظهور أخرى، لذلك ستحتاج سياسة وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالشركة أو المؤسسة إلى تحديثات منتظمة، فلا بد من الالتزام بإجراء تحديثات سنوية أو نصف سنوية أو حتى ربع سنوية لضمان بقاء تلك السياسة مفيدة وذات صلة بالواقع وتطوراته.
وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن وضع سياسة بشأن وسائل التواصل الاجتماعي أصبح خطوة لا غنى عنها لدى كافة الشركات والمؤسسات والعلامات التجارية مع تزايد دور تلك المنصات في حياة العملاء، وهي وثيقة هامة لنشر الوعي العام داخل بيئة العمل بشأن الضوابط والمحاذير الخاصة باستخدام مواقع التواصل من جانب الموظفين، وكذلك الجزاءات المقررة حال الخروج عن تلك الضوابط.